إعصار الدين الوهّابي... إلى أين! ؟ طباعة

Image مصطفى قطبي
بدون مقدمات، أزالت المملكة الوهّابية القناع عن وجهها الوهّابي وكشفت عن أوراقها كلها دفعة واحدة، فهي تطلب قطع العلاقات مع هذا البلد وتأمر بتجميد العلاقات مع ذاك البلد الآخر، وتموّل العصابات، وتصدّر الجهاد الوهّابي إلى الدول التي لا ترضى عنها أمريكا وإسرائيل. وكأنها تريد استدراك الوقت في موسم المزايدة على الدول العربية. فهي تعمل ليل نهار لأجل اصطفاف مذهبي تخطط له الإدارة الأمريكية ويتمسك به اليمين الليكودي كرافعة لضمان أمن إسرائيل.

ولا غرابة في الأمر... فمن كان الظواهري على يمينه، وشياطين القاعدة ''أعضاء الجيش الحر'' على شماله، بوسعه أن يتفوه وأن يتطاول في الحديث.
مملكة الوهّابية تغادر دبلوماسية حقيبة الدولارات، والتآمر عن بعد، لتدخل دون مواربة حقل اختبار القوة والمكانة والحجم، تجازف برصيد عقود طويلة من اللعب عبر الوسطاء، والتحرك خلف الكواليس، لاقتناص ما تعتبره فرصة تاريخية لتنظيف صفحات السلالة الحاكمة من الدسائس والتواطؤات والتهرب السلس من الاستحقاقات العربية والإسلامية، لكي تدير بانسيابية الأفاعي العملية المعقدة لتلزيم المنطقة سياسياً الى تحالف الأصوليات في الشرق والغرب، وأمنياً الى المنظومة الأطلسية، وإلا فكيف يمكن ليّ عنق الثورات على أبواب مملكة الوهابية وكيف يمكن دون ذلك حماية عرش النفط الوهّابي؟
مسألتان أشير إليهما في البدء:
الأولى: أنّ التّكفيريّة بدأت مذهبيّة وهّابيّة، ولا تزال عند أهلها، وانتهت أنّها خيار سياسيّ، إذ تجد تكفيريّاً مُعرِِضاً عن كلّ الواجبات الدّينيّة، ولا يهمّه أمر الشّرع في قليل أو كثير، وهو في صفوف التّكفيريّين الوهّابيّين.
الثانية: هي أنّ الدّوائر الغربيّة الصهيونيّة التي تدير اللعبة تريد أن تضرب ضربة مزدوجة، فهي حريصة على إعادة تشكيل جغرافية المنطقة، بما يخدم المشروع الصّهيوني، كما أنّها تريد صياغة أخلاق تكفيريّة، نفسيّة، جديدة تنسجم مع تلك التّوجّهات.
ففي ظروف الإفقار والتجهيل والتهميش ينشط الفكر الوهابي المتطرف ليشكّل وعياً زائفاً ومنقلباً يحيل صبّ النقمة الناتجة عن وضع سياسي واقتصادي متردٍّ، إلى فئة أو طائفة بعد التمهيد لشيطنتها وتكفيرها وبالتالي تحليل قتلها.‏
ومما يثلج الصدر أنه تنادت اليوم في العديد من دول العالم لتأسيس منظمات وجمعيات ومؤسسات تكشف زيف وخداع وتطرف الفكر الوهابي السعودي. أكاديمي بريطاني من جامعة ''أكسفورد'' قال إن الفكرة ولِدت بعدما تزايد نفوذ الوهابية والأدوار التي تلعبها في عمليات التحريض على القتل الجاري في العديد من البلدان العربية، فضلاً عما لعبته وتلعبه في أماكن أخرى من جاكرتا شرقاً إلى نيويورك غرباً.
وقالت صحفية بريطانية من مجلة The Red Pepper: إن الوهابية أشد خطراً على البشرية ومستقبلها من الصهيونية، رغم أن كلتيهما تشربان من كأس فكري عنصري واحد، بالنظر لأن الصهيونية غالباً ما انحصر نشاطها في إطار رعاية مصالح إسرائيل في صراعها مع الدول العربية، أما الوهابية فهي صليبية جديدة مضافاً إليها فكر تكفيري لا يتردد في القتل بإسم الله حتى في أوساط المسلمين السنة الذين يختلفون معها. وأضافت الصحفية، إن الصهيونية ورغم أنها وقفت خلف المشروع الكولونيالي في فلسطين، إلا أنها بقيت تنطوي على الكثير من العلمانية، وبالتالي إمكانية وجود ولو مساحة صغيرة للنقاش والحوار مع الآخر الكاذب والمخادع، أما الوهابية فتريد تحويل العالم ذكوراً وإناثاً إلى مقبرة جماعية للأحياء، أنها تتدخل حتى في طريقة نوم الزوج مع زوجته في غرفة النوم، وتعتبر الطفل الوليد من علاقة مضاجعة لا يكون فيه رأس الزوجة باتجاه القبلة إبن زنا، وهو أغرب فكر عرفته البشرية في تاريخها كله منذ أن كانت في الكهوف وقبل أن تنتقل للعيش في قرى ومساكن شكلت المظهر الأول من مظاهر التحضر البشري!. فالمبادرة الوليدة التي يتبناها مفكرون وسياسيون ومثقفون لاعتبار الفكر الديني المتطرف (الوهابي) مثالاً فكراً عنصرياً لا يقل عدوانية عن التمييز العنصري في جنوب أفريقيا أو غيرها أو عن النازية التي دمرت نصف العالم بفكر يعتقد أنه الأفضل، هي مبادرة هامة ويجب علينا جميعاً الإسهام فيها كل حسب موقعه وجهده.‏
لقد شهد القرن الثامن عشر في بلاد نجد والحجاز قيام الحركة الوهابية كحركة دينية اعتمدت في نشوئها على المذهب الحنبلي وعلى إضافات ''ابن تيمية'' وكلاهما كان إرساء لحالة القطيعة بين الدين والفلسفة التي نشأ عنها ''المعرفة الجامدة'' إذ تحولت هذه الأخيرة إلى مجرد صيغ إنشائية لا يربطها منطق متماسك يُجيب عن أسئلة العصر.
يقول ابن تيمية: ''يجب ألا يُعطى العقل ثقةً مطلقة وأن العقل البشري لا يملك الكفاءة للتعديل على القضايا التي جاء بها الوحي''. فالقول واضح ويشير إلى أن العقل البشري (بحسب ابن تيمية) لا يمكن أن يكون نداً للوحي ولا يمكن لهذا العقل أن ينتج معارفه خارج السياق الذي جاء به.
رفعت الوهابية شعار تقديس النص وربطها بالجغرافيا التي وقع فيها في محاولة لترجيح اعتماد النص كمعيار في التشريع الاجتماعي بدلاً من ''الإجماع'' الذي من شأنه أن يفقد السعودية ميزة التشريع، في الوقت الذي يحوِّل فيه (تقديس النص) أقاليم مثل بلاد الشام والرافدين ومصر إلى أقاليم تتلقى الفتاوى ولا تنتجها. رسم المدى الذي وصلت إليه الوهابية قبيل منتصف القرن التاسع عشر حدود المملكة التي أعلنها فيما بعد ''عبد العزيز آل سعود'' بعد أن أرخى ''روزفلت'' مظلته عليها في عام 1945. يمثّل قيام الإمارات الأخرى المجاورة للمملكة إرضاء للعشائر التي تقيم فيها ولا تريد الوقوع تحت سلطة آل سعود، ما خلق تناقضاً بين الإمارات والمملكة من الصعب أن تمحى آثاره على المدى المنظور. فالبنية السياسية التي نشأت في تلك الإمارات المتناقضة أعطت أجنَّة وُلدت بحالة إعاقة ومن الصعب تقويمها حتى بالجراحة، فقد نحت هذه الإمارات لحماية وحدتها الداخلية عبر التركيز على وجود عدو خارجي جعلت من وجوده أمراً يتناقض تماماً مع وجود كياناتها.
للوهلة الأولى يمكن فهم هذه الحالة وهي قائمة في الكثير من الكيانات السياسية في العالم، إلا أنها في الحالة الخليجية تأخذ طابعاً إشكالياً كبيراً إذ أن هذا العدو المختلق (إيران) ينضوي تحت لواء الشريعة الإسلامية التي تعتمدها تلك الإمارات منهجاً لمسارها وهذا الكيان يرفع القرآن شعاراً له ويؤمن بقول الرسول (ص): ''لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى''، ما يخلق ازدواجية في المعايير قد تقلب الطاولة رأساً على عقب، إذ إن الغوص في تلك المعايير يوصل إلى تهديد الكيانات الخليجية القائمة برمتها، حيث يفترض ذلك البناء أن جزءاً لا يستهان به من السكان هم عملاء لذلك العدو الذي تحاول السياسات الإعلامية الخليجية ترسيخه في شعوبها الأمر الذي يخلق التباساً في مفهوم المواطنة التي تعتبر أساساً ومبرراً لقيام واستمرار أي كيان.
لقد تلقف آل سعود في القرن التاسع عشر ''محمد بن عبد الوهاب'' الذي لا يعرف له نسب ولا تاريخ ديني أو فقهي، وصنعوا منه شبه نبي ووفروا له الغطاء السياسي والاجتماعي المناسب لنشر فكره ومذهبه التكفيري الذي أقاموا عليه أركان دولتهم الأولى التي انهارت قبل أن يقوى عودها ففروا إلى الكويت ليعيدوا تجميع أنفسهم وقوتهم لإعادة إنشاء دولة الأسرة التي لا تشبهها دولة في العالم.
ولستُ أشكّ لحظة واحدة في أنّ دوائر الغرب الاستعماريّة قد سخّرت كلّ شيء من أجل إنجاح سياساتها، فإذا كانت الأفكار مجرد سلّم للسياسة، فنحن أمام صورة بالغة الوضوح، فحين اصطاد ذلك الجاسوس الإنجليزي ''محمّد بن عبد الوهّاب''، ودفعه باتّجاه تأسيس الوهّابيّة، كان الهدف سياسيّاً بامتياز، ولكنه عبر الصّيغة الدّينيّة التي لها حضورها الخاص عند أبناء هذا الشرق، ستكون أعمق أثراً، وأدهى فاعليّة، ولذا فهما يختلفان في نصوص العقيدة، وهذا لا يهمّ دوائر الغرب في شيء، ولكنّهما يلتقيان في الأهداف السياسيّة الماثلة، وذلك هو المطلوب.
لقد حملت الوهّابيّة من جراثيم تكفير الآخر، وهو كلّ مَن ليس وهّابيّاً... حملت الكثير من ذلك الانحراف خارج روحيّة الإسلام، الإسلام المحمّديّ، الذي تعدّدت فيه المذاهب والفرق، ولكنّ واحدة منها لم تصل إلى ما وصلت إليه الوهّابيّة من تحليل لسفك الدّماء والتكفير. فالوهابيّة تحكم بالكفر على كل مَن ليس وهّابياً، وتقول من الناحية العقدية بالتّجسيم والتشبيه، وهي مقولة قالت بها بعض الفرق الإسلاميّة قديماً، وسمّوهم الحَشْويّة، أو المُجسِّمة، فهم يرون أنّ الله سبحانه وتعالى (جسم ـ صورة) وله وجه، وعينان، ويد، ويُرى، ويُجالَس، وبحسب قول أحد القدماء من المجسّمة إنّه ''لَيُرى، ويُقبَّل، وتُشمّ رائحته''! فالوهّابيّة لا يتأوّلون، كأن تكون اليد تعبيراً عن القوّة، بل يأخذون ظاهر النصّ القرآني، وهو عزّ وجلّ منفصل عن العالم، وأنّ العالم أزليّ، أي غير حادث، ويكفرون من يتوسّل بالأنبياء والصّالحين، وترى أنّ أبا جهل وأبا لهب أكثر توحيداً، وأخلص إيماناً من المسلمين الذي يتوسّلون إلى الله بالأنبياء والصّالحين، وإذا كانت الوهّابيّة تحكم بكفر أهل السنة والجماعة، فهي لم توفر أصحاب الطرق الصوفيّة الإسلاميّة فاتهمتْها بالشرك، وينفون الكرامات عن أولياء اللّه، ويقولون عن (الأزهر) إنه يخرّج عاهات، ويستبيحون دم مَن صلى على النبي (ص) جهراً بعد الأذان، ويعتبرونه أشدّ من الزّنى! وقد أُتيَ لـ ''محمد بن عبد الوهاب'' برجل مؤذن صلى على النبيّ بعد الآذان فأمر بقتله، ويرون أنّ طلب الحاجات من الأنبياء والأولياء شرك، ويرون شدّ الرّحال لزيارة قبر النّبيّ سفَر معصية، ومثله قبور الأولياء، وأنّ التّمسّح بأبواب قبور الصالحين، وشبابيكها هو الشرك الأكبر، ويحرّمون الاحتفال بعيد المولد النّبوي، أو إقامة الموالد، ويرون أنّ قصيدة البرْدة للبوصيري التي مدح فيها الرسول (ص) جمعتْ كلّ شيء إلاّ الإيمان، ومن الحرام زيارة القبور في العيدين، أو أن يٌُقال في تشييع الجنازة ''وحّدوا اللّه''، كما يحرّمون نصب الشّوادر لقراءة القرآن، وأن يقول قارئ القرآن في ختام التّلاوة صدق الله العظيم، ومثله إهداء الثواب بقراءة القرآن، وكذلك تلقين الميت، ولا يُشرع حمل الجنازة في السيارة، أو أن يوصي إنسان أن يُدفن في مكان ما، ومثله مَن أراد أن يصلي أو يصوم وقال بلسانه نويت أن أصلي أو نويت أن أصوم، ومن قالها يُعذّب بالنّار، وحرام مصافحة المصلين بعد انتهاء الصّلاة، وليلة نصف شعبان يحرّمون قيام ليلها، وصيام نهارها، وكذلك حمْل السّبحة لذكر الله، ورفع الأيدي في الدعاء عقب الصّلاة وتأمين المأموم، أي أن يقول (آمين)، وتمنع أن يُقال في التّشهّد (السلام عليك أيّها النبيّ) بل يقول( السّلام على النبيّ)، ويرون خروج المرأة إلى العمل ضرباً من ضروب الزّنى، ويحرّمون كشف الوجه واليدين لها لغير زوج أو محرم، ويرون قفل باب تعليم النّساء للذكور ولو في المرحلة الإبتدائيّة، وأجازوا طواف المرأة الحائض.
ويقول ''ابن باز'' وهو أحد أئمّتهم المعدودين: ''مَن يقول إنّ الأرض تدور يجب قتله''، وتحرّم السفر إلى بلاد الكفار، ويصحّح هذا المفهوم ''ابن باز'' فيقول: ''والصّواب أنه لا يجوز السّفر إلى بلاد الكفار للتعلم إلاّ عند الضّرورة القصوى، بشرط أن يكون ذا علم وبصيرة يريد الدّعوة إلى اللّه والتّوجيه إليه، هذا أمر مُستثنى''، فهل ينطبق هذا على جميع الذين يسافرون من أهل نجد والحجاز إلى بلاد الكفار؟!
تلك هي معظم الرؤى في العقيدة الوهّابيّة، وهي في مجملها تُخالف ما عليه المذاهب الإسلاميّة، وهي مذاهب اعتمدت على النصّ القرآني، وعلى سنة رسول اللّه، أمّا الوهّابيّة فقد استندت إلى ما جاء به ''ابن عبد الوهاب''، مستنداً إلى أقوال ابن تيميّة، وابن قيّم الجوزيّة، ولو أنها ظلت مجرّد آراء لَقلنا ذلك رأيهم، أمّا حين تُصبح دعوة لحمل السّلاح، والقتل، وتخريب المجتمعات، فإنّ هذا يضعنا أمام مسؤوليّات فضح هذه الرؤى، والتّصدي لها، ولاسيّما أنّ للوهّابيّة موقفاً (عمليّاً) من الصهيونيّة، ولكلّ موقف عمليّ موقف نظريّ، وهو ما سنعود إليه، في موقفهم من الصهيونيّة ...‏
إنّ من يدقق في مسار الوهّابيّة التكفيريّة يجد أنّ مسارها عكس مسار الإسلامي المحمّدي، فقد بدأ الإسلام من أجل دعوة التّوحيد، والتخلّص من عبادة الأوثان، ومن ثمّ كان ذلك التّنظيم المجتمعي، ولم تكن (الدولة) هدفاً، بل وسيلة، بينما هي في الوهّابيّة عكس ذلك، فقد توسّلت ما أطلقتْ عليه أنّه الدين للوصول إلى السلطة، وتثبيتها، وعلى هذا التّوافق بين ''ابن عبد الوهاب'' و''إبن سعود'' قامت تلك الحركة، وظلّت قائمة على ذلك التّشبيك، بين سلالة السعوديين وأحفاد (الشيخ)، رغم انهزامها أكثر من مرّة، وهاهي الآن، عبر المال الوفير الذي يُحرم منه أهلنا في تلك البقاع، يريدون أن يجعلوا من المال وسيلة العصر الصهيوني... سبيلاً لتحقيق تلك الأهداف.
فثمّة تشابه جوهريّ بين الوهّابيّة والتلموديّة، وهو تكفير الآخر، واستحلال دمه، وماله، وعرضه، من خلال أحاديّة، عمياء، ظالمة، ضلاليّة، وليس من مذاهب المسلمين من يقول بهذا التّكفير غير الوهّابيّين. ولعل من يستغرب أن أقرن الوهّابيّة بالتّلمود، ويستنكر ذلك، ويعتبره مبالغة نابعة من موقف مضادّ، متشدّد، ولكنْ... تعالوا إلى أهمّ نقطتين عمليّتين في التّلاقي العميق بينهما.
الأولى: هي استباحة الدمّ، في التّلمود بعامّة، كلّ ما ورد على أنه حرام، كالقتل، والسرقة، وشهادة الزّور، والكذب، والزنى، وكلّ ما يُعتبَر من النواقص في الأخلاق الكريمة... هذا كله يُعتبر حراماً بين اليهوديّ واليهوديّ، أمّا غير اليهوديّ، الأممي، أو (الغوييم) فماله، وعرضه، وقتله حلال! ‏
ممّا يجب التوقف عنده، والتنبه له، هو أنّ هذه الأخلاق هي غريبة على حضارة المنطقة العربيّة، فرغم أنّ هذه البلاد هي مهبط وحي الدّيانات السماويّة الثلاث، ولها من التّراث الدّيني العميق ما يجعلها ذات فرادة، وغنى، فلم يصلنا حتى الآن أنّ عقيدة من عقائد أهل هذه البلاد قد آمنت ولو لمرّة واحدة بحلاليّة دم مَن يخالفك العقيدة.
التّلموديّون وحدهم في تاريخ هذه الأرض هم الذين جعلوا سفح دم الآخر حلالاً، بل يُعاقب من لا يفعله حين يتمكّن من ذلك، وفي هذا النّهج خروج من الرّوح الإنسانيّة، والتي عبّر عنها الرسول الكريم: ''الإنسان أخو الإنسان أحبّ أم كره''، وفي النصّ لفتة نفسيّة بالغة العمق، فأنت قد تكون فرحاً بأخوّة مَن تحبّ، والنصّ المحمّديّ يفرض عليك أن تشعر بأخوّة حتى مَن لا تحبّ، كمعراج من معارج الكمال الإنسانيّ الممكن،‏ والذي لا ريب فيه أنّ استهانتهم بالدم قد جاءت من رؤيتهم أنّ الآخر/ الغوييم هو في مرتبة الحيوان، وقد خُلق على صورة البشر ليليق بخدمة بني إسرائيل!
تحليل هذا الدمّ، والاستهانة به موجودة في ''الوهّابيّة'' منذ نشأتها الأولى، فقد كانوا بطاشين في معاركهم التي خاضوها في الجزيرة العربيّة، وعلى أطرافها... الأردن، سوريّة العراق، الكويت، ومثّلوا الغلظة (الأعرابيّة) في أحط درجات تدنّيها، نختار هذا الوصف، لأنه كان بين القبائل العربيّة، منذ الجاهليّة حتى الآن... بين القبائل من اشتهر بالعفو، والمسامحة، والبرّ، وبالعديد من مكارم الأخلاق، ولا يمكننا إرجاع تلك الاستباحة إلى (البدائيّة) التي كانت غالبة، فقد كان ثمّة شيء جديد، فكر جديد أضافوه على الإسلام، ليس استلهاماً، ولا إغناء في القراءة، بل تحوير، وانحراف، وهو تكفير كلّ مَن ليس وهّابيّاً، و(الكافر) مهدور دمه، وليس هدره فقط بل التّمثيل بالجثّة، واتباع أشنع الطّرق الدّالّة على الغلظة، والوحشيّة، والخروج من حدود الرّحمة الآدميّة، والتلبّس بروح الشيطان الذي ليس في وجوده ذرّة واحدة من ذرّات الرّحمانيّة.‏
كلنا يعرف مفاعيل هذا التحالف الملعون بين النفط والجهل في مملكة آل سعود، ويدرك الكثير من أخطاره وأضراره على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية، ويعلم بالملموس حجم التخريب الفادح الذي أوقعه ذلك التحالف في خرائط الوعي والخلق والضمير والذوق العربي... ولكننا لم نكن نحسب أو نتصور أن يطلع علينا تحالف النفط والجهل بمثل هذه النماذج التتارية الشوهاء، والمشحونة بالعاهات العقلية والعقد النفسية، والمفتونة بشهوة الذبح والخطف والتفجير والتعذيب والاغتصاب، والمستهينة بأبسط القيم الروحية، والحقوق الإنسانية، والشرائع والقوانين الدينية والدنيوية.
فأية أيادٍ هذه التي تمارس، دون أن ترتجف، حز رقاب البشر كما لو أنهم سرباً من الغنم؟ وأية قلوب هذه التي تتقبل مثل هكذا فظائع ومذابح دون أن تنخلع من الصدور؟ وأية نفوس هذه التي تستعذب مثل هذه الموبقات الشنعاء، دون أن تطفح بمشاعر الاشمئزاز والقرف والغثيان؟ وأية تعبئة معنوية وأفكار جهنمية، تلك التي تحول الإنسان العادي إلى جزار بشري مهمته الذبح والسلخ وتقطيع الاوصال؟
أي مستقبل بائس ينتظر أمتنا العربية إن فشت وتكاثرت عصابات النحر، وإن اتسعت وانتشرت ثقافة السكاكين والسواطير، وإن تعاظم شأن دعوات التمذهب والتكفير، ودعاة الدجل الوهابي والفعل الارهابي الذين باشروا مذابحهم في الجزائر خلال عقد التسعينات، ثم نقلوها بتوسع إلى العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام، وها هم يقترفونها اليوم في ليبيا وتونس وسيناء، وشمال سوريا؟
وحقيقة، يقف العاقلُ، ذو الوجدان الحيّ موقف المندهش في مشاهدة ممارسات الوهّابيّين التّكفيريّين، ونقول ''العاقل ذو الوجدان'' لأنّ ثمّة عقلاء في التّصنيف، ولكنّهم يفتقرون إلى الحدود الدّنيا من خلجة الوجدان، فقد أعماهم الحقد، وسدّت الثأريّة عليهم أبواب الفهم الصحيح. ولعلّ من أخطر ما نواجهه، على المستويين الإجرائي والثقافي، أن يجعلوا من مشهد تقطيع الأحياء، والتّمثيل بالأموات، مشهداً عاديّاً، عبر التّكرار، من خلال الزّعم بوجود فتوى، تُبيح لهم ارتكاب الجرائم! وهي فتوى خاصة بهم، ولا يوافقهم عليها علماء المسلمين، وعبر هذه القنطرة، ومن خلال المزيد من الأفعال الإجراميّة تنتقل العدوى، لتصبح علامة من علامات التقاتل الدّاخلي في دنيا العرب والمسلمين، ولتكون شارة من شارات الوحشيّة، والتخلف، وتنكّب الأساليب الإنسانيّة، وهم بشكل ما يقفون في خانة الفظائع الصهيونيّة، وكأنّ ما فعله الصهاينة في تاريخ احتلالهم لهذه الأرض لا يريدون له أن يكون فريداً، بل لابدّ من جرّ آخرين إلى صفوفهم إليه، لا في السياسة فقط بل حتى في الفظيع من الجرائم.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ويقفز بقوة: هل عرفتْ البلاد العربية مثل هذا التّنكيل والفظاعة؟
لاشكّ أنّه يوجد في تاريخنا، كما في تاريخ غيرنا مَن ارتكب جرائم مفزعة بحقّ فرد أو مجموعة، وهو أمر مستنكَر، ولا تسوّغه الشريعة التي ظلّت منظومة يُهتدى بهديها، ولو بشكل مُضمَر، وذلك يعني أنّها تصرّف خارج عن حدود الشّرع والأخلاق الإنسانيّة، كاستباحة المدن، وقطع الرؤوس وتكديسها. وهنا من المهمّ الفصل بين ما فعله التّتر الوثنيّون في بغداد، وفي المنطقة، وما يفعله مَن ينتمي للإسلام الوهّابي، ولا سيّما الحاكم، حتى حين لا يجسّد شيئاً من قيمه، فهو يُخطب بإسمه، ويدعون له على المنابر، بمعنى أنّ المسلم الذي يفعل ذلك، أو يُفعل في عهده هو مخالف للشّرع، ولا ينسجم مع الأخلاق التي أرسى دعائمها، وأيّدها الرسول العربي (ص) والذي جرى في التّاريخ تفصلنا عنه أزمنة متطاولة، فكيف ونحن أبناء عصور جديدة كلّ الجدّة، فنحن في العالم ككل، يُفترَض أنّنا أبناء الحداثة وما بعد الحداثة، سواء كنّا في أستوكهولم أو في أقاصي أفغانستان، إذ للأزمنة الحضاريّة سمات وعلامات، لا يمثلها المتخلفون، ولا الذين قبلوا أن يُغلقوا أبوابهم على أنفسهم، ولا يرون إلاّ ذواتهم الافتراضيّة. لنتذكّر أنّ ما نحن بصدده قد عرفه الوطن العربيّ أوّل ما عُرف في الجزائر، على يد هؤلاء التّكفيريّين الوهّابيّين، واعتمادُ هذا الأسلوب، على تلك الطريقة التي عرفناها في ليبيا واليمن والعراق وسوريّة يعني أنّه أسلوب وطريق لهذه المجموعات، وليست العمليّات الانتحاريّة، والتفجيرات التي تودي بحياة مئات النّاس، وتخلّف الدمار، واليتم، والمقعَدين... إلاّ الوجه الآخر للتّقطيع، والتفظيع. فثمّة من احتجّ على هؤلاء التّكفيريّين، وثمّة مَن صمت، ونذكّر الصّامتين بمقولة: ''الرّاضي بالشيء كفاعله''، فكيف حين التّوافق التّام، في الحركة، وفي الشّعار !
وللغرابة فإن دعوات الجهاد الوهابية لا تقترب من الكيان الصهيوني أبداً! من هنا نلاحظ أنه وفي كل يوم جمعة يسعى شيوخ الوهابية بإيعاز من آل سعود لاستنهاض الهمم إن كان بالبكائيات على المنابر أو بخطب تتكلم عن انتهاك لحرمات المساجد وحرق للمصاحف وعن اغتصاب وما شابه للمسلمات... فشيوخ الوهابية تشجع وتحفز الشباب العربي للذهاب إلى الجهاد على الأراضي العربية والتورط بدماء أبنائها الشرفاء للحصول على حوريات شيوخ الوهابية، والمضحك أن كل شيخ منهم وهو يذرف الدمع يقول للرعاع الذين يصغون لبلاهته (والله لو أني أتمكن من الذهاب لذهبت) وهنا نسأل هؤلاء التجار بمرتبة رجال دين لماذا لا تتمكن من الذهاب؟ وكيف تدعو الشبان للذهاب إن كنت لا تعرف كيف سيذهبون؟
أما حين تصدر أراء لها صفة الفتوى، في مسألة الصراع العربي الصهيوني فلا بدّ من التّوقف، والمراجعة، والتّساؤل، بل والاتّهام، أيّاً كان موقع القائل، لأنّ الموقع لا يحمي الذين ينحرفون عن نهج المواجهة، وإلاّ لَحمت المواقع الذين فرطوا، ويفرّطون بقضيّة الصراع العربي الصهيوني، ولعلّ فيما سنقرؤه ما يجيب على السؤال:‏ لماذا لم تقم جيوش الوهابيين التكفيريين الجهاديين، بأيّ عمليّة ضدّ الصّهاينة المحتلين في فلسطين؟!‏
يقول عنهم الشيخ ''فتحي المصري'' الأزهري:‏
إنّهم يوالون الغرب، ويمهّدون لتثبيت أقدام المعسكر الغربي في قلب البلاد العربيّة والإسلاميّة، فهم ''الأيادي الخبيثة التي يحرّكها أعداء الإسلام كيفما يشتهون''،‏ مصداقيّة هذا الكلام ادّعاؤهم أنّهم ذهبوا إلى أفغانستان لمقاتلة الشّيوعيّة الملحدة، وكأنّ الغرب الذي كانوا منذ البداية أداة بيده، يمثّل روح الإيمان الصّافي!
ما سأنقله مأخوذ من كتاب الشيخ ''فتحي'' المذكور أعلاه، وعنوانه: ''دراسة مقارنة بين عقيدة الوهّابيّة وعقيدة اليهود''، وسأقصر الموضوع هنا، على تلك التّصريحات، أو الآراء التي قيلت فيما يتعلّق بالعدوّ الصهيوني،‏ عن جواز الصّلح مع اليهود الصّهاينة يقول ''ابن باز'':‏
''تجوز الهدنة مع الأعداء مُطلَقة ومؤقتة إذا رأى وليّ الأمر المصلحة في ذلك، وقد بسط ذلك ابن القيّم وشيخه ابن تيميّة، وننصح الفلسطينيّين جميعاً أن يتفقوا على الصّلح''.‏ إذاً الأمر متروك لوليّ الأمر، لا إلى مصلحة الأمّة، وبذلك يكون ''السّادات''، ومَن سار على خطته من أولياء الأمر يسيرون بحسب شرع الوهّابيّة، وينصح الفلسطينيّين بالاتفاق على الصّلح، لا على المقاومة واسترداد الحقوق!
زعيم الوهّابيّة في الأردن الشيخ الألباني سُئل: ''هل يجوز للفلسطينيّين العيش في فلسطين''؟ فأجاب: ''يجب أن يخرج الفلسطينيّون من أرض فلسطين، ويجب أن يتركوا هذا البلد لليهود''،‏ تُرى ما الذي تريده الصّهيونيّة أكثر من هذا، أن يخرج الفلسطينيّون طوعاً وأن يتركوا فلسطين للاحتلال، وهكذا يوفرون على إسرائيل أن تقوم بعمليّة ترحيل مازالت تحلم بها منذ زمن طويل، وهي أحد مخططاتها الموضوعة في الأدراج، فلمَ المواجهة، الوهّابيّون يتكفلون بذلك بالإفتاء الشّرعي!
لا ندري كيف يكون وليّ الأمر في بلاد نجد والحجاز وليّاً، وما هو بوليّ في سوريّة، مثلاً! وهل يكفي أن يكون وليّ أمر حتى يكون له هذا الحقّ، أليس حقّ الشعب، وحقوق الأمّة أكبر من أولياء الأمور؟‏
إذا تمعنا في هذه الآراء التي تلبس جبّة الفتوى فسنجد أنها مفصّلة على قدّ ما يناسب مواقف مملكة آل سعود الوهابية، المنصاعة لعواصم الغرب، أقيمت لتكون أداة رخيصة في تنفيذ إرادة العواصم الغربيّة المرتبطة بالصهيونيّة، فبإسم (وليّ) الأمر كان الصّمت عن ''السّادات''، ولم تكن عزلته إلاّ حركة مؤقتة للعودة فيما بعد، وبإسم وليّ الأمر أخرج البترول من معركة المواجهة، بل صار من المحرَّم ذكره، حتى لكأنه لا يُستخرج من أرض عربيّة، وعليه يتوقف دوران الآلة الغربيّة.‏ فماذا تريد الصهيونيّة أكثر من هذا؟‏
رجالات دين يُفتون لصالح وليّ الأمر، ويأمرون بوجوب طاعته، والوليّ يُغدق على الشيوخ من الأموال ما يُعيدنا إلى تلك الخطبة التّاريخيّة، ''مَن أطاعنا فله هذا، ومن عصانا فله هذا''.
لقد استعملت أميركا الأدوات الوهابية في أفغانستان لتحقيق المصالح الغربية ثم نقلت إلى العراق لتفتك بشعبه وتنشر ثقافة الفتنة الطائفية والتقسيم، خدمة للمشروع الغربي الصهيوني، ثم رحلت إلى شمال أفريقيا لتحقيق المصالح الأميركية عينها، وجيء بها اليوم إلى سورية حيث التزمت الوهابية بإنجاز ما عجزت الولايات المتحدة الأميركية عن تحقيقه بقوة السلاح وإعمالاً لإستراتيجية القوة الصلبة... وفي الوقت الذي يطرح فيه المخلصون مخرجاً آمناً وحلاً سلمياً للأزمة في سورية تجاهر الوهابية وبوقاحة كلية بتعطيل ذلك، وتعمل على ضخ كل ما ينشر الإرهاب في سورية وتجهد السعودية في استجلاب الإرهابيين من أربع جهات الأرض لتزج بهم ضد الشعب العربي السوري الذي ارتكب (خطيئة) التمسك بحريته وقراره المستقل والمطالبة بحقوقه ورفض التبعية والاستسلام والانقياد لأميركا كما هو حال الوهابية.
وقد تبين دعم المملكة الوهابية للجماعات المسلحة بالمال والسلاح والإعلام، ليطفو على السطح صاحب الدور الأساسي المقابل على الأرض السورية وهو ـ جوكر ـ التطرف التكفيري الذي استخدم مجاهداً في افغانستان لإسقاط حكومة نجيب الله الشيوعية، وبعدها تم تحويله إلى إرهابي بعد 11 أيلول لاستقدام القوات الأميركية إلى أفغانستان، والجوكر ذاته استخدم لابتزاز الرئيس المصري السابق حسني مبارك لمزيد من التنازلات ومن ثم الانقضاض على حكمه، ووقود ما سمي ثورتي تونس وليبيا وتهديد بقية دول المغرب العربي، وفي المستقبل القريب دول الخليج العربي.
جوكر التطرف التكفيري يستخدم اليوم كمتظاهر سلمي مقتول وكمنشق بطل، وثائر بيمناه شعار الحرية على قنوات التضليل وبيسراه سكاكين ورصاص الغدر تحت جنح الظلام، كما يستخدم كطفل بريء يواجه الآلة العسكرية أو امرأة ثكلى، كل ذلك بتدريب وتمويل ورعاية وغطاء عربي ـ خليجي وإقليمي ـ تركي وبطبيعة الحال أميركي ـ أوروبي، والمستفيد الأول وربما الأخير ''إسرائيل''... الخنجر الاستيطاني في قلب الأمة الذي يتهيأ الآن تحت ضجيج هذه الزوابع لإعلان ''يهودية إسرائيل'' وطرد ما تبقى من عرب 1948 ومن ثم عرب الـ67 إلى الأردن... كوطن بديل... هل يعلم قادة العرب ذلك... بالتأكيد يعلمون... وإلا فلم هذا الصراخ ضد سورية... عربياً وإقليمياً ودولياً... وأبسط محلل في هذا العالم يدرك أن هذا المخطط المخيف لا يمكن أن يمر وسورية بكامل قوتها عدة وعديداً... دولة ومجتمعاً وموقفاً.
باختصار يبدو أن السعي إلى إفشاء الفكر الوهابي جارٍ، فالمملكة الوهابية تمول نحو 80 في المائة من الجمعيات والشبكات الدينية غير الرسمية في جميع أنحاء العالم، والأهداف واضحة:
الأول: محاولة مملكة الوهابية أن تسحب شعوب المنطقة بالكامل إلى حالتها المتخلفة بسبب عدم قدرة ممالك الخليج على التطور لتصبح ضمن السياق الحضاري للبشرية لأن هذا سيعني فوراً زوال تلك الطغم الحاكمة إذ لا عاقل في العالم يقبل أن يظلَّ في مملكة إسمها على إسم العائلة الحاكمة (بات واجباً علينا أن نحذف إسم السعودية ونعيد إليه إسمه المحبب لقلوبنا كمسلمين وهو الحجاز لأن مثله مثل القدس الشريف).
الثاني: فهو خلق حالة من الاحتقان المذهبي والديني تساعد المملكة في حربها المحتملة على إيران وخصوصاً بعد أن أرست إيران معادلة جديدة في المنطقة، أن أمن سورية مقابل أمن الخليج بالكامل.
وهذا الكلام أكده الكاتب الفرنسي المعروف ''فيليب توريل'' في مجلة (أفريك أسي) الفرنسية جاء فيه: إن السعودية تعمل على استغلال المذهب الوهابي لتحقيق نفوذ سياسي لها في العالم العربي، وقال: إن ممارسة الإرهاب في سورية تمت بدفع وتمويل من السعوديين الساعين إلى استغلال الأحداث فيها عبر الوهابية لكسب النفوذ السياسي.
اِن الوهابية هي كالتلمودية التي اغتالت شريعة موسى، فهي تغتال شريعة الرسول (محمد) عبر إشاعة مفهوم وثني للتوحيد، يقول بتجسيد الصفات الإلهية على نحو ما هو وارد من صفات ظاهرة في النص القرآني وهو ما أنكره ولا يزال أئمة وعلماء المسلمين انطلاقاً من علم التوحيد أو علم أصول الدين الإسلامي، وذلك من أجل أن تنفذ أمريكا مخططها الماسوني الساعي إلى السيطرة على العالم، فإذا كان في القرن الثاني عشر من وقف في وجه هذا البلاء المدمر للإسلام ألا وهو السلطان ''ابن قلاوون'' حينما أصدر مرسوماً يتعلق بمطاردة السلف الوهابي الأول على أسس عقائدية وروحية وسياسية واجتماعية، بناء على الفتوى الإجماعية لأئمة وقضاة أهل السنة، ولذلك فإن على علماء المسلمين الأحرار أن يتصدوا لهذه الأفكار المخرّبة لعقول الشباب اليافع في الوطن العربي، والتي تودي بالبلاد العربية والإسلامية إلى الجحيم.‏ فالوهابية لا تريد فقط أن تستعمر الإنسان والمجتمع بأضاليلها وأكاذيبها وشعوذاتها، بل تسعى لحرمانه من مقومات الفضيلة وهي الضمير والإرادة والقدوة والفكر السليم، لأنّ أي مجتمع يفتقد هذه المقومات تتحلل مناعته، وترعى في كيانه الموبقات فينهار أمام أول هزةٍ يتلقاها، وهذا ما تعمل من أجله هذه الحركة الصهيووهابية، ولكن هيهات هيهات، فحلمها بهذا كحلم إبليس في الجنة.
إنّ الردّ على الوهابيين التكفيريين يكون بالفكر الإسلامي، وهذه هي مرحلته، لدرْء هذا الإعصار الذي نفخت فيه عواصم الغرب المتصهين، ومن الأدلة على ما نقول، أنّ نخبنا الثقافية، ظلت طوال قرن تقريباً تتحدّث عن الديموقراطيّة، وعن الليبرالية، وعن الماركسية، والوجوديّة، والعلمانيّة، والحداثة، وكل المدارس الفكريّة التي أنتجها الغرب، فلم تتعدَّ حدود هؤلاء المثقفين، الذين لا يمثّلون عددياً إلاّ نسبة لا تكاد تظهر، والمؤكّد عندي أنّ هؤلاء الوهابيّين التّكفيريّين لا يفضحهم إلاّ الفهم الحقّ للرسالة المحمديّة، التي تحتاج إلى مزيد من الحضور، ولاسيّما أنّ ثمّة فضائيّات كثيرة تروّج لمقولاتهم، إذا أردنا ألاّ يُصبح الإسلام المجسّد في حياتنا أعْيناً تنظر إلى كلّ ما حولها على أنه مَظهَر للشرْك، ولحية كبيرة كثّة منفوشة، وجلاّبيّة قصيرة، وزيّ باكستانيّ أفغاني، برمزيّته الوهّابيّة التكفيريّة... إذا أردنا هذا فعلينا أن نُبادر إلى طرح الفكر المحمديّ الأصيل.
ففي مواجهة المد الديني الوهّابي المتطرف الذي يصنف البشر على أساس العقيدة لا على أساس الثقافة أي على أساس الجزء لا الكل، باعتبار العقيدة جزءاً من الثقافة، لابد من تجييش الحراك الثقافي والفني والتشكيلي والموسيقي... علينا محاربة ذاك الفكر المنغلق الإقصائي بفكر تنويري مضاد يشيع الحريات الفردية بكل أشكالها، والمظاهر المدنية والعلمانية في البلاد العربية، وقبل كل هذا اعتماد العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات البلدان.‏ لكننا وفي ذروة هذا الانفعال ـ ربّما الصائب ـ سنواصل العصيان على الفتاوى الوهابية والتقارير والبيانات والقرارات والشعارات والاستطلاعات والاستبيانات الكاذبة المضللة التي لفقها ''أطبّاء السياسة ومُرَوّجُو الإعلام المُضلل عن الشعب العربي''... وحسب أبسط بديهيّات التاريخ، فإنّ هذا الضّرب المتواصل على مؤخرة الرأس قد يفضي اليوم أو غداً أو بعد غدٍ إلى ما لا يُسِرُّ الضّاربين.

اخر تحديث الإثنين, 11 فبراير/شباط 2013 13:37