مستودع العشق - نظرية القطب الشعريّ – طباعة

محسن شوكت
قبل ان يعدم حسن حنيص بثلاثة عشر عاما سلمني كتيباً صغيراً يحمل عنوان ( تحت جدارية فائق حسن ) . تحت العنوان أسم جديد لم أسمع به قبل . كانت عقيدتي الشعرية تتألف من قطبين هما : مظفر النواب و محمود درويش ,. كانت هذه العقيدة صارمة جدا ولا تقبل المساومة و تفرض عليّ حصارا محكما . ولتخفيف أعبائها اقترح علي حسن ان أضيف مكانا أحتياطا . مكانا للحالات الطارئة . للشعراء الذين يحلون علينا ضيوفا لفترة قصيرة ثم يغادروا او بالتعبير البيولوجي يحلوا في الذاكرة القصيرة الأمد , هذا المكان يستوعب شعراء متغيرين .

الضرورة هي التي دعت الى ذلك  . أذ كان يأتينا بين الحين والآخر نص  لشاعر من خارج هذين القطبين   ليقيم في ضيافتنا لفترة معينة ثم لا يجد له مكانا في الذاكرة الطويلة الامد  .  وقبل أن أبدأ  بقراءة الجدارية  وضعت في بالي ان شاعرها سوف يحظى بضيافة من بضعة أيام   كغيره من المارين  وبعدها يغادر .
غير ان سعدي يوسف اربكنا .  أشكل علينا  فلم نسمح  له بالمغادرة .  أبقيناه الى جوارنا حتى نتبين أمره   . حين أنتهت الأيام الثلاثة , طلبنا  منه أن يتمهل قليلا.  لم نسأله عن حاجته كما تقتضي العادة   .  قلنا له سوف نعيد قرأءة الديوان من جديد وسوف نمد  الضيافة .
(. أنتظر يا سعدي حتى نبت بأمرك .)
  تركنا سعدي يوسف في الأنتظار . ورتبنا جلسة خاصة  أنا وحسن  وشخص  ثالث اسمه سعدون عباس  الحريشاوي :( طالب في  الصف المنتهي للكلية الطبية في البصرة ,  شيوعي  , أعتقل عام 1978 وتوفي على أثر حقنة ثاليوم سقيت له في قدح عصير برتقال  في أمن البصرة  ).  جلسنا في دارنا المرقمة 21/18/20     في حي الثورة في بغداد ,  وتحديدا  في الغرفة التي أطلق عليها سعدون أسم ( المنقطعة )  وارجو هنا لفظها كما خرجت من فم سعدون    ( المنگطعة ) . وسميت كذلك  لكونها بعيدة نسبيا  عن غرفة الأهل وتسمح بالكثير من العبث  والعزلة. كان عرق الزحلاوي المحلي  يسكن معنا في هذه الغرفة وبسببه كان الدخول الى الغرفة شبه محرم على بقية العائلة . وفي تلك الليلة أضيفت زجاجات بيرة عراقية ماركة فريدة  .. قدموا لي زجاجة بيرة. ترددت في البداية ان اشرب امام أخي الأكبر , لكن سعدون أوضح لي أنني عاجلا ام آجلا سوف أشرب معهم فعلام هذا التأخير  .  كان الهدف من الجلسة هو لتقرير مصير هذا القادم الجديد  من اقصى جنوب العراق الذي دخل عالمنا  وأحتل حديثنا . وضعنا الكتيب أمامنا وملأ حسن قدحين من العرق وفتح لي سعدون زجاجة بيرة .  بعد الكأس الثالثة رفع حسن الكتيب .واندفع  بصوته الجهوري ( يحسن هنا أن أشير ألى ان حسن كان قد بدأ اولى سنوات دراسته للمسرح في أكاديمية الفنون الجميلة . وكانت دروس وطريقة سامي عبدالحميد في الألقاء قد تغلغلت في أعماقه والقت بظلالها حتى على طريقته في الكلام . ولكي تقتربوا منه وهو يلقي نص سعدي  في تلك اللحظة ينبغي ان تستعيدوا في مخيلتكم دوراً من أدوار سامي عبد الحميد . وقف حسن متكئا على جدار الغرفة رفع الكتيب بيد وراح يلقي  علينا أول زهيري في الشعر الحديث
كل الأغاني أنتهت الا أغاني الناس
والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس
عمدا نسيت الذي بيني وبين الناس
منهم أنا مثلهم والصوت منهم عاد
أكمل  الدكتور سعدون الكوبليه الثاني  بطور المحمداوي  محاولا اقصى ما عنده ان يقترب من أداء المطرب  سيد محمد النوري   ,   كان العرق و الحماس الهائل الذي سيطر عليه  قد غطى على الكثير من الصعوبات التقنية في أداء هذا الطور   :
يوم أنتهينا الى السجن الذي ما انتهى
وصيت نفسي وقلت المشتهى ما أنتهى
يا واصل الأهل خبِّرهم  وقل ما أنتهى
الليل بتنا هنا والصبح في بغداد

في لحظة  لا تغيب عن بالي ابدا , لحظة  نادرة الوقوع  وهو يتصاعد الى قمة التجلي صاح سعدون  صيحة لم تكن موجودة في القصيدة . نواحا يقطع نياط القلب  و    واو    ممتدة  حلزونية تحفر في عمق ارواحنا المتعطشة   للنزف  :
لو  موووووووووووت    لو      يرحن     عيوني .
رأيت الدموع تختلط بالعرق وهي تتلاقى في فم سعدون . لا زلت اتذكر حتى الآن سمرته الخلابة و عينيه الجمريتين الملتهبين ثورة وعنفوان . لم يكن راضيا عن الجبهة التي أقامها عامر عبدالله مع البعثيين . راح يبكي  . كانت ساعات العرق وجلساتنا هي مناسبات للنزف  (خصوصا حين تصعد  الخمرة الى رأسه )  . يتحول صوته الى سياط يلقيها على اولئك  الذين وضعوا  قواعد الحزب لقمة سائغة سهلة امام فم الذئب الجائع . كان اصبعه الغاضب وزبد شفتيه تشير الى أسماء  : عزيز محمد ,  عبد الرزاق الصافي   وعامر عبدالله   ومكرم الطالباني .
تركناه يفرغ ما عنده من شائم وغيظ  . حاول حسن ان يعيد الجلسة الى سابق عهدها . صب لسعدون قدحا جديدا وسأله  عن رأيه بسعدي يوسف . عاد الاشراق فجأة الى عيني سعدون واستعاد حيويته بعد فورة الغضب تلك . عب القدح في جوفه مرة واحدة   . ووضع قدح العرق جانبا . وتوجه الي قائلا :
- لو كنت مكانك لشطبت الأثنين  الذين تعبدهم  ووضعت سعدي  مكانهما  .
   كان  سعدون عباس  ثوريا على الدوام .
 ( أنهجم بيته )
 
اما حسن فكان يلجأ الى العامية العراقية في المواقف المفاجئة  وحين تستعصي اللغة الرسمية ,  و تكف الفصحى عن ايصال ما في جعبته من تأثر.  حين سألته عن رأيه بسعدي يوسف . أجاب على الفور
 
- أنهجم بيته
 
هذه العبارة  العراقية القحة ( أنهجم بيته ) التي يمكن ان تعني: تداعى  بيته أو أنهار في صيغة تمني او ابتهال   . لا أعرف من أي جانب من بغداد خرجت : من الكرخ ام الرصافة ؟ . أحيانا أشعر ان حسن نفسه هو الذي أبتكرها اذ لم أسمعها من غيره . يصعب ترجمتها الى اية لغة أخرى , أذ علاوة على الارباك الذي تحدثه فأن ترجمتها توحي بالدعوة الى التخريب .   يدخرها حسن حنيص لوصف اقصى ما عنده من اعجاب لشخص ما .
( أنهجم بيته) : عبارة  يصف بها عادة الغائب . وهي عزيزة عليه ولا يبثها الا في وقتها. ولكي يفهمها غير العراقيين,  فقد بحثت عن ما يقترب منها فوجدت أن  المصريين  حين يمرون بوضع ممائل  يقولون
(  ده  واد ابن كلب ) 
لقد سمعت ذلك من فم الشاعر احمد فؤاد نجم وهو يصف المخرج يوسف شاهين
( ده  واد   ابن   كلب .,   مخو   كلو   سيما )
. أطلق حسن ( أنهجم بيته ) في عدد من المناسبات اذكر منها  :
- ظهور  (خريف البطرييرك ) لغابرييل غارسيا ماركيز
- حين سمع لأول مرة مسعود العمارتلي وهو يغني   ( خويه محمد  يمحمد  )
- حين سمع لأول مرة محمد عبد الوهاب في موال ( النبي  حبيبك متحرمش  الفؤاد منك )
- يوسف شاهين في ( عودة الأبن الضال  ) -  سينما بابل  في شارع السعدون
- حين سجل هادي أحمد   (لاعب الميناء البصري والمنتخب)  هدفه في مرمى الكويت في بغداد 1979.
-  صلاح السعدني في دور ابو المكارم ( مسلسل الساقية – اخراج نور الدمرداش . ) .
-  اما اقوى (هجمان بيوت) فقد اطلقها حين مرت  سامية بنت سرحان المشعل  الاقطاعي السابق والوريث  لنصف أراضي  الثعالبة   . أطلقها  لا بصيغة المذكر الغائب بل صيغة المؤنث المخاطب المتعالي البعيد المنال الممنوع التقرب منه واللحاق به  . خرجت منه  بطريقة مرة يائسة  للغاية . كنت الى جانبه . رأيته  يفتح عينيه على مصراعيها وفمه المرتاب يندلق دون أذن منه  . كان طول سامية واستقامة قامتها ومشيتها الطاووسية  كفيل باشعال حرب أهلية . كانت كل خطوة منها هي  استعراض  لموكب  ملكي 
 
-  أنهجم بيتچ  وبيت ابوچ   .
كانت دعوته صادقة تماما . لا أدري في وقتها  لماذا لم ينهار  بيت سرحان المشعل ؟ . وبدل ذلك أنهار  قلب أخي  حسن  ... ولكنها قصة أخرى .
قطب  قطبين ام ثلاثة اقطاب  ؟
لم يكن حسن موافقا على أقتراح سعدون في شطب مظفر النواب ومحمود درويش  وكان يرى فيه غلو  وثورية في غير محلها .  ولكي يقنعه بفداحة ما يقول   طلب  حسن مني قراءة ( زرازير البراري) لمظفر النواب . حين سمعها سعدون تراجع ثلاثة آلاف  خطوة الى الوراء قائلا:
- يبدو انني سكرت
 اقترح  علينا  حسن بدل الشطب الأضافة  , أضافة قطب جديد ليصبح العدد ثلاثة . أعترض سعدون من جديد قائلا  لا يوجد في الطبيعة  ثلاثة اقطاب  هناك قطبان  او قطب واحد ,  وراح يشرح لنا التركيب الذري والأيون . كان سعدون ينظر للمسألة من زاوية فيزيائية  .أجابه حسن   : أن الطبيعة  أضيق من الشعر , في الشعر لا  حدود  لعدد الاقطاب . واصل سعدون اعتراضاته قائلا ان زيادة العدد تضعف من الفكرة وتضيف اعباءا جديدة و اقترح شطب محمود درويش ,   معللا ذلك بأن درويش  شاعر محدود الهم ,   وهو سجين لقضية واحدة  هي فلسطين  . رد حسن عليه بأن فلسطين هي مأساة كونية . ولكي يدعم موقفه طلب مني ان اقرأ شيئا لدرويش :
أبي من اسرة المحراث لا من سادة نجب
وجدي كان فلاحا بلا حسب .. ولا نسب
أنا اسم بلا لقب
صبور في بلاد كل مافيها يعيش بفورة الغضب
جذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تفتح الحقب
انا لا أكره الناس  ولا أسطو على أحد
ولكني ...أذا ما جعت ... آكل لحم مغتصبي
هدأ سعدون تمامأ . أصبح  عدد الأقطاب  ثلاثة  مع الاحتفاظ بالكرسي الاحتياط    . وكان اقتراح ابقاء كرسي شاغر هو اقتراح  في محله . فقد وجدنا في استحداث هذا  المكان المؤقت في الذاكرة  حلا ممتازا لكثير من المعضلات . أذ كان  من الصعب تجاهل ( المعيبر عبد ) لعريان السيد خلف  ,  او( بلدي وحبيبتي ) لاحمد فؤاد نجم  ,  او قصيدة( ابو تمام) لنزار قباني  . وفي مرحلة لا حقة بعد رحيل حسن وسعدون  سوف يكون من الصعب العبور دون المرور ب ( أحزان السنة العراقية ) لخزعل الماجدي , و( شاحنة البطيخ  ) , ( واراضي دانيال ) لزاهر الجيزاني .
.
بقينا حتى الفجر . نعيد تلاوة كل سطر في جدارية سعدي . وحين هدنا التعب  نمنا بطريقة عشوائية . في الصباح لم يعد هناك ضرورة لفتح الكتيب فقد دخل بكامله في ذاكرتي .انه الدليل  على ان سعدي يوسف هو القطب الثالث .
وجدت اني احتفظ بذاكرتي بشكل تلقائي ودونما اي عناء بكل الذين  هجم حسن حنيص  بيوتهم  . وقد اتضح  ذلك فيما بعد  . لا اعرف متى وكيف وجدتني احفظ عن ظهر قلب كل قصائد جدارية سعدي يوسف  وقبل ذلك وبنفس الآلية الغامضة ودون اي قصد وجدت رأسي ممتلا بديوان( للريل وحمد) من اول سطر الى آخر سطر ( انا مستعد اللاختبار ).
تأكدت من هذه الظاهرة الغريبة وايقنت تماما  عندما تعرفت عام 1986  بالمهندس مجدي ممدوح .وقرأ لي نصا جديدا لمظفر النواب  .
 اصبح مؤشر الحفظ  هو الذي يسجل خصوصية ومستوى النص الشعري   . ان الحفظ مسألة لا واعية وغير قصدية . وان الاشياء التي نحفظها قسرا هي عرضة للنسيان بعكس الاشياء التي نحفظها بشكل غير واعي . هذه المسألة شغلتني كثيرا . ورحت اتوسع في تناولها . لماذا سعدي يوسف  وليس البياتي او نازك او السياب. لماذا نسيت كل القصائد التي حفظتها لهؤلاء ولم أعد اذكر حرفا واحدا منها حال أنتهاء الامتحان الوزاري ؟. لماذا  تواصل قصائد مظفر ودرويش وسعدي احتلالها لذاكرتي  ولا تغادرها ابدا طوال كل هذه السنين ؟ . لماذا نسيت سور القرآن التي حفظتها منذ الصغر بحيث انني لم اعد افرق بين العلق والخناس الوسواس ؟
 
هل أن النصوص ومستواها الفني  هي العامل الحاسم في حفظها ام صانع هذه النصوص . بمعنى ان  هناك على  بوابة ذاكرتنا  يقف   الشاعر نفسه وهو الذي يفتح البوابة  حالما يسمع رنين قصيدته . هل يرتبط حفظ النصوص بالجو ؟ 
هل يرتبط الاقطاب  الثلاثة  لا شعوريا بأحب المخلوقات التي غادرت حياتي مبكرا  وتركت فراغا مروعا ؟. حين وقع كلاهما صك الاعتراف بسعدي يوسف  فتحا في نفس الوقت صمام ذاكرتي  لتدخل  قصائده الواحدة تلو  الأخرى  مثل شلال ماء بارد .
قرأت وحفظت كل   ما نشره سعدي يوسف  في ذلك الوقت  تقريبا: (الليالي كلها) ,( الأخضر بن يوسف ومشاغله) , (الفاكهاني) ,( ثلاثة عانات) و قصائد أخرى متفرقة في ملحق طريق الشعب  او الثقافة الجديدة   , كنت على استعداد لحفظ اي شئ لسعدي  حتى   قائمة أجور الكهرباء الخاصة ببيته . يبدو أن المسألة خرجت من يدي , وكان من نتائجها السلبية هو أهمال نتاج عدد لا بأس به من الشعراء المهمين .
. هذه الأنحياز الأعمى يفهمه المتصوفون اكثر من غيرهم . أصبح  سعدي يوسف  هو القطب  هو شيخ الطريقة ونحن :  حسن وسعدون وأنا  مريديه , كان بأمكان قصيدة منه  ان تحدث وجدا لا يبتعد كثيرا عن الوجد الذي يصل اليه الدروايش. ولو لم اتعرف عليه  مبكرا لكنت الآن أحد مريدي  الشيخ عبد القادر الكيلاني . لكنه اختصر الطريق علي وجنبني مخاطرة غرز شيش حديدي في سرتي ليخرج من ظهري .
في الأعدادية وفي الامتحان التحريري  للنصوص الادبية  طلب منا الاستاذ فريد النجم مايلي :
سؤال : أكتب ما تحفظه من الشعر العربي الحديث ( المقرر آنذاك: البياتي , السياب , نازك  ) على ان لا يقل  عن عشرة ابيات  .
 وضعت ورقة الامتحان البيضاء امامي ورحت افتش في ذاكرتي عن عشرة ابيات لهؤلاء فلم اجد شيئا .متماسكا , حاولت ان احفظ لهم لكن ذاكرتي كانت تأبى , كان قانون حفظ النصوص الذي سيطر علي  هو الأقوى  , لقد كانت ذاكرتي  انتقائية لدرجة خطرة .  بقي هؤلاء الثلاثة مجمدين في كتاب النصوص  حتى هذه اللحظة رغم الجهد والوقت الذي هدر  في حفظ ما يقولون . كان لابد ان أملأ الورقة : فكتبت :
(  تطير الحمامات في ساحة الطيران. ارتفعنا معا.. في سماء الحمائم.
قلنا لسعف النخيل وللسنبل الرطب
هذا أوان الدموع التي تضحك الشمس فيها، وهذا
أوان الرحيل إلى المدن الفاضلة.
يقول المناضل: إنا سنبني المدينة.
تقول الحمامة: لكنني في المدينة.
تقول المسيرة: دربي إلى شرفات المدينة
تطير الحمامات في ساحة الطيران.البنادق تتبعها,
وتطير الحمامات. تسقط دافئة فوق أذرع من جلسوا
في الرصيف يبيعون أذرعهم.
يقول المقاول جئنا لنبقى , تقول الحمامة هل قال حقا
يقول النقابي ان السواعد ابقى
للحمامة وجهان:
وجه الصبي الذي ليس يؤكل ميتا, ووجه النبي
الذي تأكله خطوة في السماء الغريبة.
قلنا لسعف النخيل وللسنبل الرطب:هذا أوان
الدموع التي تضحك الشمس فيها
يدور المحرك، ينفث في ساحة الطيران دخانا ثقيلا
,  ويترك بين الحمائم والشجر  المتيبس رائحة من شواء غريبة
تطير الحمامات في ساحة الطيران. تريد جدارا لها
ليس تبلغ منه البنادق  أو شجرا للهديل القديم
بنينا ملاذا لنا، وغصونا تنامين فيها ونحن هنا في    الرصيف
يا بلاد البنادق
إن الحمامات مذبوحة، والجدار الذي قد بنيناه  بيتا وغصنا،
ينز دما أسودا، ويهز يدا مثقلة.
وقلنا لسعف النخيل وللسنبل الرطب: هذا أوان
الدمـوع التي تضحك الشمس فيها، وهذا أوان
الرحيل إلى المدن المقبلة.
ولكننا يا بلاد البنادق كنا صغارا، فلم نلتفت
لإله الجنود، ولم نلتفت للحقائب مثقلة
... نحن  كنا صغارا... أقمنا جدارا ونمنا على مضض،
وطني، زهرة للقتيل، وأخرى
لطفل القتيل، وثالثة للمقيمين تحت الجدار. )
كان التهور والحماس وعمى الولاء المطلق  اكبر من اي حذر آخر . طوى  الاستاذ فريد النجم  ورقتي  وخبأها في جيبه وأخذني بعيدا عن أعين الأدارة ومقر الأتحاد الوطني لطلبة العراق . شرح لي بالتفصيل آلية أدخال قنينة  سفن آب في مؤخرة المناضلين العنيدين في  مديرية الأمن العامة . اخبرني أنه شخصيا لم يجربه. البعثيون  جربوا معه انواعا اخرى اقل شناعة فواصل تماسكه  . عندئذ سمحوا له بالتفرج على مشهد حي لقنينة سفن آب وهي تختفي تدريجيا في جسد رفيقه .  
 قال لي : أذا اردت ان تصبح شيوعيا عليك ان تضع هذا  في بالك    .
قال لي أنه  تبرأ من الحزب عام   1963. لكنهم لم يتركوه وأنهم يراقبون تحركاته ويفتشون اوراقه كل يوم  خوفا ان يدخل معه منشورا سريا او نسخة من طريق الشعب   .
معلقات الزمن القادم    .
قبل اكثر من خمسة عشر قرنا علق اجدادنا العرب سبعة قصائد على استار الكعبة . لا أدري من رفع الآخر ؟ . لكني سأقبل بمنطق العدل واقول لقد كان رفعا متبادلا : الكعبة رفعت القصيدة ,و القصيدة رفعت الكعبة . والدليل ان كليهما لازال يحمل نفس العلو . القصائد السبعة تحولت الى كنز قومي يحفظها الابناء مثل آيات القرآن في المدارس واصحابها ( امرؤ القيس , عمر بن كلثوم , لبيد , ...... ألخ ) تحولوا ماضيا وحاضرا الى مفاخر لهذه الأمة .
لا مناص من من القول .: بعد الف وخمسمئة سنة سوف يتكرر نفس المشهد . سيكون سعدي يوسف مقابل امرء القيس وسيكون مظفر النواب مقابل عمربن كلثوم ومحمود درويش مقابل لبيد وسيحل آخرون مقابل عنترة وطرفة وزهير والحارث .
متى حضر القطب الثالث ؟
في عام 1991 ألتحقت بالمعارضة على أثر فشل أنتفاضة آذار. كنت ضابطا (مهندس مجند) في منطقة دبس القريبة من أربيل . من هناك لجأت الى كردستان . القصة طويلة ولكني سوف اقفز الى نهايتها .
 شئ طبيعي ان أذهب الى مقر الحزب الشيوعي العراقي .
كنت املك تصورات ساذجة عن مقر الحزب . واحدة من تلك التصورات انني سوف أجد مظفر النواب او سعدي يوسف في اول دخولي. كنت مترددا بالسؤال ,  فالرفاق كانوا مشغولين جدا بحركة المسلحين والغنائم التي حصلوا عليها جراء استسلام قطعات من الجيش  . قلت لأنتظر الوقت المناسب . 
من أربيل أرسلوني الى مقر الحزب في حلبجة . بعد رحلة طويلة وصلت حلبجة المدمرة . قدموني الى  الرفيق آشتي عطا الطالباني  وتعرفت  على الرفيقة (هوري ) بروين  والرفيق علي روسي  . كان المقر  ( محلية كركوك ) هو نفسه السياسي والعسكري  وكان الرفاق هم قادة للحزب  ولقوات الانصار في نفس الوقت  . سلموني سلاحا ومخازن عتاد  . ولأني ضابط سابق وهارب اصلا من الحروب  فليس من المعقول ان اعود من جديد للحرب وضد من  ؟  ضد الجيش  الذي خرجت منه  : الجيش العراقي . كان الامر صعبا للغاية من الناحية النفسية . اكتفى الرفاق بتكليفي بواجب حراسة المشجب  وغسل الصحون  .  كان هناك وقت فراغ  يكفي لألتهام مكتبات بأكملها.  عثرت في المقر على رواية المركب لغائب طعمة فرمان اضافة الى اعداد مكدسة من الثقافة الجديدة .
بعد ثلاثة شهور ألقي على مقرنا   شيوعي عتيق  مغضوب عليه  من قبل المكتب السياسي .  تم سحب الرفيق   مفيد العراقي  من بلغاريا الى سوريا  . ومن هناك تم جره عبر نهر الخابور ورميه في شقلاوة ثم نقل  الينا . قصته هي الاخرى طويلة يدخل فيها كخصم  الرفيق  عبد الرزاق الصافي عضو المكتب السياسي . حكى لي تفاصيل كثيرة عن تلك الخصومة التي دفعت مفيد الى توجيه لكمة الى عبد الرزاق الصافي لكن البيشمرگة المرافقين لعبدالرزاق حالوا دون وصولها الى أنفه . بعد ذلك تم جره من شقلاوة ورميه في أبعد مقر للحزب في حلبجة  . كان مضطربا ويحمل معه حبوبا مهدئة  , يدخن بشراسة ويشرب شاي بكميات وفيرة   .اصبح صديقا لي منذ اللحظة الاولى . حدثني عن بلغاريا و سوريا طويلا .  سألته ان كان يعرف شيئا عن مظفر أو سعدي ,  وهل يمكنني ان اراهم .
 عندئذ قفز من مكانه قائلا
-     ماذا قلت ؟: سعدي يوسف ؟   لقد رأيته على  معبر الخابور .  لقد  عبر قبلي.
 وراح يشتم اسماءا عديدة استثنى منها سعدي يوسف .
- لم يسمحوا لي بمرافقتهم الخنازير  .  وحين وصلت شقلاوة وجدته هناك ضيفا على اللجنة المركزية . والمفروض ان يكون الآن في السليمانية .
 قبلت مفيد على جبينه واعددت نفسي للذهاب  الى السليمانية  .
زودني المقر بورقة الى محلية السليمانية . سمعت منهم ان سعدي يقيم في فندق السلام  القريب من المقر . هناك رحت اتردد  علني المحه . وحانت الفرصة حين رأيته ينزل من السلم   لكنه كان محاطا بشلة يصعب انتزاعه منها ووضعه امام قضية عريضة  و قديمة جدا وتحتاج الى  شرح طويل  . ظللت اراقبه حتى بدأ العدد يقل شيئا فشيئا ولم يبق معه سوى مخرج مسرحي شاب اسمه رزكار ( صاحب اللحية في الصورة ) واثنين من شيوعيي السليمانية ( في الصورة لكني  نسيت أسماءهم فليعذروني )  جلسوا في مقهى قريب من الفندق . توجهت  اليهم  كان سعدي يوسف  يجلس  في الوسط  .  لم يكن هناك حديث معين  . ويبدو أنهم  كانوا ينتظرون قدوم الشاي .  رحت وانا اتقدم اليه افكر في تلك الجملة التي تشرح قضيتي معه . تشرح له العلاقة القديمة التي مضى عليها زمن جرت فيه احداث جسام . كنت أريد بجملة واحدة ان اختصر زمنا يمتد من 1975-1991 . هذا الزمن الهائل الذي حوى من الاحداث والضياع والنمو والغليان ما تعجز اللغة عن اختزاله . في هذه الفترة من تاريخ العراق كان كل شئ قد تحطم  تماما . تصاعدت التصفيات الجسدية لكل صوت آخر  وابيد من أبيد  من المخلوقات الجميلة . واشتعلت ثلاثة حروب  . وذهب ثلاثة ارباع احبتي . كيف اقول كل هذا في جملة واحدة ولمن ؟ لسعدي يوسف : القطب الثالث   الذي لم  بيق على لقياه سوى بضعة خطوات .
لقد رحل سعدون وحسن وعبد عداي وعبد علي حسين وسالم مهاوي وصبري ابو صابرين وكامل كريم ومحمد محمدعبد الواحد كويش وحمزة حسين ووليد مهدي جاسم وابن منشد واولاد حجي حسن ووو ......
هذه الواوات التي لو تكومت فوق بعض لصنعت تلا من الضحايا  يصل الى عرش الرب
. ولو وضعنا معها نواح امهاتنا واخواتنا لوصلت الى  وجه الرب   تلطمه في فمه وأذنه  وتوقضه من سباته
كيف أقول كل هذا في عبارة واحدة  . لم يبق لي سوى خطوتين . نظرت الى عينيه وفتحت كفي لأصافحه . مددتها اليه فتلقاها . التقت كفي بتلك الكف المنتظرة منذ زمن طويل. عندئذ خرجت مني عبارة   . لا أعرف كيف حدث هذا وسأظل طوال عمري اراجع تلك الآلية الفوري للقول وردود الافعال . خرجت مني عبارة  لا واعية كأنما نطق بها انسان قديم يمتد الى عمر تلك الليلة الجهنمية في الغرفة المنقطعة  في دار حنيص شوكت المرقمة 21/18/20 في حي الثورة ببغداد . العبارة  التي قرأها اولا حسن حنيص وتجمدت الى الابد في جمجمته وهو  في ابو غريب ينتظر دوره في الجلوس على الكرسي الكهربائي لتلقي صعقة الرحيل للخلود  .    ثم قراها الدكتور  سعدون عباس  وحملها معه هو الاخر الى الابدية مع جرعة قاتلة من الثاليوم في امعائه  .   لم يبق سواي   , وحيدا احاول ان اعثر على معنى لكل هذا التيه .   بعيدا عن الغرفة التي شهدت ميلاد القطب الثالث ,  الغرفة التي هجرها ساكنوها فانقطعت  لا عن الاهل فقط بل عن كل جذورها  .  الغرفة الي خلت تماما واضيف لانقطاعها وعزلتها انقطاعا أكثر قسوة . لم يبق سواي من سرب الطيور  , أتقدم وانا  احمل رسالة  باهظة  التكاليف: رسالة مربوطة  في قدم  طير مل الطيران وهده العطش . ستة عشر عاما وأنا  أحملها  .  مددت كفي اليه ووضعتها  بكفه  .
( حين صافحتني صار كل أغترابي هاجسا للجذور  )
زرازير البراري
يرتبط الأقطاب الثلاثة بظاهرة غريبة  تحدث لي . من المستحسن وصفها  بدقة.  كانت   كريمة بداي  الفريجي  أول من أنتبه أليها. القصة ترتبط بعلاقة الحب التي جمعتني بها. . فلكي أقربها مني  كان علي ان استخدم الميزة  الوحيدة والمتواضعة التي اجيدها وهي الكلام .  وبحكم القرابة العائلية كان هناك مايسمح لي برؤيتها والجلوس معها دون عذال . ولكي اجد موضوعا للكلام فقد أهديتها مجموعة كتب من ضمنها ديوان ( للريل وحمد ) لمظفر النواب . كانت تلك الليالي الصافية والمليئة بالاقمار في حديقة دارهم  قد اشعلتها قصائد الديوان المروع   واصبح ذلك المخلوق البعيد المنال يقترب شيئا فشيئا مع تلاوتي لكل بيت من ابيات الديوان قرأت (  ياريحان ) فأقتربت  اكثر. قرأت ( أيام المزبن )  فذهلت , قرأت (جنح غنيدة) فتلعثمت واصابها الارتباك . حين وصلت الى خاتمة (زرازير البراري )  كاد يغمى عليها . في تلك اللحظة البالغة العفة انبثق شئ مدهش هو الحب   . ومع توالي القصائد كانت كريمة قد قررت  ترك عالمها المتماسك الضيق والملئ بالحذر والتردد  لترافقني في عالم آخر يتسع الكون كله . 
انتبهت هي أولا  الى شئ كان غائبا عني حتى تلك اللحظة
قالت : كيف استطعت ان تحفظ كل هذا الكلام .
 أنا أيضا قرأت الديوان  بل أني قرأته مرتين لكني لم احفظ  منه شيئا .
مستنقع الضوء
تعرفت على المهندس مجدي ممدوح  عام 1986 في دائرة كهرباء بغداد . كنت  قد عينت كمهندس في نفس الدائرة . فجأة عثرت على من سيصبح صديقا أبديا يعوضني عن الخسارات الكبيرة التي مضت . في حانة من حانات بغداد قرأ لي مجدي بصوته الفخم العذب   ودقته في اللفظ والاداء نصا لمظفر النواب سماه  ( مستنقع الضوء  ) . كان النص مؤلفا من اكثر من مئتي بيت  . لكني حفظته من اول حرف الى آخر حرف كما نطقه مجدي .  ولكي أرد له هذا الفضل فقد تلوت عليه في حانة أخرى  ( بحار البحارين ) من الألف الى الياء ,  وهو نص يقترب بطوله من مستنقع الضوء . تأكدت في تلك الليلة  والليالي التي تلت ان مجدي هو الآخر من مريدي مظفر النواب  فقد سمعت منه نصوصا اخرى منها ( عبدالله الارهابي ) و ( قمم ) و ( تعلل فالهوى علل )  .
مديح الظل العالي
دعاني  الدكتور عبد الزهرة كاظم  الي بيته ليريني جهاز تسجيل ياباني اشتراه توا  . دشن الجهاز بوضع شريط كاسيت  لمحمود درويش  فسمعت  لأول مرة  صوت محمود درويش .. كانت مفاجأة خارقة للعادة . كان درويش حتى تلك اللحظة بالنسبة لي شاعرا مقروءا ولم اسمعه  . انبثق عاريا صوت  ماسي  دقيق الملامح وممشوق  وهو يتلو   (مديح الظل العالي ) . حين انتهى الشريط أعاده الجهاز تلقائيا  الى الخلف. طلبت من عبد الزهرة  ان يعيد تشغيله من جديد  . كانت المرة الاولى كافية لحفظ القصيدة . اما الثانية فقد سمعتها لمزيد من المتعة.  . كان عبد الزهرة  واحدا من اقرب الاصدقاء في ذلك الوقت وكان موهوبا في  أسعادي  . في الأيام التالية لم يعد هناك ضرورة  للمسجل الياباني فقد اخذت انا مكانه  وكنت املأ لحظات الصمت بيني وبين عبد الزهرة  بمقاطع من مديح الظل العالي .
يال عينيكي ويالي
دخلت مرة  تسجيلات جقماقجي  في مدخل شارع الرشيد .  سألت صاحبها  عن اسمهان . سألني ماذا تريد من أسمهان قلت :  اترك الخيار لك .  قال سوف اسمعك شئ نادر  لوبقيت واقفا  امام  الاذاعة والتلفزيون مئة عام فلن تسمعه .    اسمعني أغنية لأسمهان من تلحين رياض السنباطي ( يال عينيكي ويالي   ) . أخذت الشريط  وسمعته في البيت مرة واحدة . ثم نسيت اين أخفيته الى هذا اليوم . . الأغنية القصيدة  طولها نصف ساعة  تقريبا .
شيخ هادي الكربلائي
في واحدة من جلسات سكرنا في غرفتنا  وضع حسن  شريطا لمقتل الحسين بصوت شيخ هادي الكربلائي   الذي يمزج النواح العراقي بالبحراني . الطريقة خلابة ,  خصوصا الجمل الاعتراضية التي يبثها الشيخ بين موجات العويل القادمة اليه من جمهوره . من الصعب ان اصف بشكل واف عظمة هذا الصوت وعذوبته لأني أحتاج الى مقال آخر . ما يهمني هنا هو انني وجدت نفسي احفظ كل حرف في ذلك الشريط منذ تلك اللحظة وحتى الآن . هناك شاهد مازال حيا ويراقب كل كلمة اقولها  . اسم الشاهد  : خضر قلي عزيز , يعيش في بريطانيا . بأمكاني ان ازودكم بعنوانه وتلفونه .
دروس الصوت والألقاء
اصبح أخي حسن طالبا في قسم المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة .  ومن ضمن دروس الصوت والالقاء كان عليه بين الحين والآخر ان يختار نصا  يلقيه امام سامي عبد الحميد . كان يتدرب في الغرفة او المنقطعة  كما نسميها يغلق الابواب والشبابيك ويبدا بصوت مسرحي القاء النص  . وقد اتخذ من اذني وعاءا وحكما في نفس الوقت .  بسبب هذه الدروس استطعت ان احفظ ثلاثة خطب من نهج البلاغة  اضافة الى بعض الادوار المسرحية والقصائد أذكر منها :
-      الخطبة   الشقشقية ( أما والله لقد تقمصها فلان وهو يعلم ان محلي منها .محل القطب من الرحى .......الخ)
-     رسالة امير المؤمنين الى عبدالله بن حنيف عامله على البصرة ( أما بعد يابن حنيف فقد بلغني........الخ )
-     خطبة علي بن ابي طالب   في جيشه قبل التوجه الى صفين (....... لقد ملأتم  قلبي قيحا  وشحنت صدري غيضا ........الخ ) .
-     ( أغنية التم ) لتشيخوف  .
-     خطبة انطونيو  بعد أغتيال القيصر في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير
-      قصيدة ( ابوتمام ) لنزار قباني  التي القاها في الموصل ( سمعتها بصوت حسن حنيص ولم اسمعها بصوت نزار قط )
فگر السلف
العنوان اعلاه هو لنص ملحمي  طويل يقارب الخمسين بيتا  لشاعر مجهول تماما  لا يعرفه في الارض كلها سوى عمي المرحوم  جريدي شوكت  . عنوان النص ( فگر السلف ) , فگر : حرفيا  فقر اما كمعنى فتعني الحظ العاثر . وبذلك يمكن ترجمة العنوان  قدر القرية العاثر.  السلف : مجموعة بيوت يرتبطون بقرابة الدم  .  واسم الشاعر حميد بن مسلم.  .  يتحدث النص عن سنة قحط مرت على (السلف) الذي ضم بيت اجدادي وعمات ابي  وخالاته وازواجهن وجداته ويسجل فيها اسماء جميع الاحياء في تلك الحقبة  ومصائرهم . قرأ عمي النص مرة واحدة فحفظته على الفور . توفي عمي فاصبحت الحافظ الوحيد لهذا النص الذي يعتبر أرثا عائليا . يمكن القول ان شهود هذه الواقعة هم   جميع أهلي .
أسماء اولادي الثلاثة : مظفر ومحمود وسعدي
 
من نتائج الليالي المقمرة وسهرات العشق  المليئة بقصائد مظفر النواب في حديقة بيت خالي   هو زواجي من كريمة بداي  الفريجي ..واني وأن كنت اصلا ضد مجئ الأطفال الى الدنيا  ,  لكنهم  حين يأتون نكون  مضطرين لحبهم . جاء الولد البكر في مستشفى مدينة الطب ببغداد
 سٍألوني :  ماذا نسميه ؟
  أجبت :  مظفر  طبعا  .
 بعده بثلاث سنوا سألوني عن أسم الطفل الثاني: أجبت . أذا كانت بنت فاترك لكم تسميتها اما اذا كان ولد فاسمه محمود  . وفي هولندا  تعرضت لنفس السؤال من قبل زوجتي قبل ذهابنا لفحص جنس الطفل (السونار) .
 كنت قد قررت سلفا ان الاحق الثالوث  حتى يتم ب محمود ثم سعدي  ,  غير أن عشوائية النظام الجيني وتلاقي الكروموسومات  لم تكن معنية بمثلثي  .  كان الطفل الثاني هو بنت : سارة   ,  والطفل الثالث بنت أيضا : نور . بعد هذه الدراما بدأت أفكر  بطريقة أخرى ( غير الأنجاب ) لأتمام الثالوت  .
نظرية القطب الشعري
تستعير هذه النظرية الكثير من مفردات وآليات  التصوف  . و هي محاولة للوصول الى مقابل شعري له  . ولو قدر لهذه النظرية ان تتوسع  افقيا فربما سوف تدخل في مجال التصوف نفسه . ولكي نفهم النظرية علينا اولا ان ندخل مجال التصوف ,  ومن هناك يصبح من السهل وضع  المقابل الشعري  , أذ يبدو لي أن الآلية واحدة الى حد ما 
التصوف هو طريقة  للوصول الى الله ,  ليس عبر الدين  التقليدي الطقوسي ( ألفرائض  والعبادات)  .    ولكن بطرق خاصة يمكن أجمالها (على عجل ) الى نوعين :
العرفان  :  او الغنوص ( كلمة يونانية وتعني المعرفة )  . هو طريقة للوصول الى الله  دون  وسيط  ( وبالضرورة أستبعاد الدين بكل أنبيائه ورسله وكتبه وأئمته وفقهائه   ) . ومن الناحية التاريخية فأن  ألغنوصية كحركة دينية  هي  اقدم من ألأسلام  . وبسبب هذه الشمولية فقد  أختلط الأمر على جمهور المسلمين والسلطات الحاكمة  ووصل الى حد جعل  العرفان رديف للزندقة ونتج عن ذلك مشاهد تاريخية مفزعة مثل أحراق أبو منصور الحلاج على شاطئ دجلة في بغداد .
الطرق الصوفية : وهي الطرق التي تستلهم جوهر العبادات وتصعد بها عموديا الى مستويات تخرج عن النطاق التقليدي . تعتمد أغلب الطرق الصوفية على برنامج تدريب يشمل التمارين  التالية :  الذكر  المتواصل المصحوب بنقر الدفوف والايقاعات الموسيقية وتحريك أجزاء من الجسد بشكل  متكرر ولفترات زمنية طويلة نسبيا  , الصيام القاسي , الخلوة , السهر, ............  وتصل الطريقة ذروتها بحضور القطب  ( الوسيط بين المريد والله )  وحدوث الكرامات  . وهي ما يعنينا هنا في هذا البحث .
  والكرامة : هي فعل خارق يأتيه المريد عند أتصال ( حضور )  القطب به  او  حلوله فيه . وهي اشكالية مستعصية حتى الآن على العلوم الطبيعية . وبسبب هذه الأشكالية ( وظواهر أخرى )  ظهر ما يسمى بالباراسايكولوجي   في محاولة لأيجاد تفسيرات لهذه الخوارق .  والخوارق في الطرق الصوفية ليست هدفا بحد ذاته بل وسيلة لتدعيم العلاقة بين المريد والقطب وايصالها الى مستوى التسليم الكامل  ( الذوبان في القطب ) . يمكن مشاهدة هذه الخوارق   بشكل مباشر  في مناسبات الذكر التي  يقيمها شيوخ الطريقة في مكان محدد يدعى  التكية  , أمثلة ألخوارق  هي :  الدرباشة (  أدخال أسياخ وسيوف في مناطق مختلفة من الجسم ) , أكل رأس الأفعى أو إلتهام العقرب   , أبتلاع كومة مسامير او  شعلة نار  ,   وغيرها  .
  والطرق الصوفية الرئيسية هي اربع : القادرية , الرفاعية , البدوية , الدسوقية  وسميت على اسم اقطابها  وهم على التوالي : عبد القادر الكيلاني , أحمد الرفاعي , احمد البدوي  , و ابراهيم الدسوقي .
والآن يمكن وضع تصميم   شعري  مقابل  لما يحدث أعلاه .
- حفظ النصوص التلقائي  في الشعر  يقابل الكرامات في الطرق الصوفية ..
 
- العلاقة بين الشاعر والمتلقي  تقابلها علاقة القطب بالمريد .
- حفظ النصوص بحد ذاته ليس غاية ولكنه علامة لوصول العلاقة الى مستوى الوجد . وكذلك الكرامة فأنها ليست غاية .......
- لكي يصل المتصوف  الى مرحلة ظهور الكرامات  عليه ان يعبر برزخا وحافة حادة حتى يصل الى الوجد الذي يؤمن له الأتصال بالقطب  , عبر الخضوع لتمارين وارشادات شيخ الطريقة وهي :  الذكر , الصيام القاسي , الخلوة , السهر ا, الخ  .  في الشعر الأمر أكثر تعقيدا  ويحتاج وقتا اطول  وجهدا أكبر نطلق عليه أسم  التراكم المعرفي او  الثقافة الشمولية   . وهي   مجموع التحضيرات والقراءات  والأستعداد الموسيقي  وتراكم الخبرة الحياتية والمواقف المصيرية  والتوغل  في المجال الشعري وعناصره الجمالية   التي ينبغي توافرها في المتلقي
     
- الأيمان المطلق بالقطب في التصوف  يقابله  أيمان مطلق بالشاعر ورسالته الشعرية
 
- المثالية والتسليم في التصوف  تعني ان القطب هو الكمال و  يقابله في الشعر  التسليم ان النصوص التي تخرج من الشاعر القطب هي نصوص مكتملة  بمعنى الكمال الشعري . من هذه النقطة تبدأ عملية امتصاص النصوص التلقائي وايداعها الذاكرة طويلة الأمد . 
- يمكن النظر الى حسن حنيص وسعدون عباس بمثابة شيوخ التكية ( المرشدين )  الذين يوفرون الجو المثالي  و يعينون المريد في الوصول الى القطب .
 بهذا الاسلوب المتوازي  بالامكان سحب المنظومة الصوفية بالتدريج وتحويلها الى شعرية .
أصل هنا الى خلاصة بحثي هذا .
 نحن نحفظ ما نعشقه . ما نهيم به . نحفظه دون وعي منا  ودون اي جهد يذكر . انا ضد الفكرة السائدة عن تلف اجهزة الذاكرة وصعوبة الحفظ مع تقدم العمر . الامر ( بحدود معينة )  لا يتعلق بذلك   . الحفظ يرتبط بشكل مباشر بمسألة الهيام والأهداف .  الحفظ يرتبط بلحظة التلقي التي  ينبغي ان تكون صافية تماما  و مجردة من اي غرض عدا الفن نفسه  . في مرحلة مبكرة من العمر يكون العشق صافيا ومدويا والولاء اسطوريا لذلك يكون تناول الاشياء لاواعيا   . ومرتبط بنقطة  ما في الرأس ( أعذروني لا اعرف ان احدد مكانها  في تلك الهشاشة البلغمية  المسماة المخيخ ) لكني واثق تماما ان هناك صمام ما  ينفتح حين يكون عشقنا لشئ ما بلغ مدى معينا  فوق المعتاد . هذا الصمام مفتاحه العشق او الهيام بالنص  . حين ينفتح سوف تتم عملية الحفظ بشكل تلقائي ولا واعي . وحين نكبر تتراجع الاجهزة الشعورية يتراجع التهور والصدق والبساطة والحب ويدخل المال والسلطة والنفعية وكل القباحات والموبقات التي نسميها التعقل . نفقد العفوية والتلقائية الضرورية مقابل الحكمة والاتزان.  المسالة ليس لها علاقة بالبيولوجيا . ان صعوبة الحفظ امر شبه حتمي ذلك انه يرتبط بشكل مباشر بتبدل طبيعتنا  . هذه الموازنات تعمل بالضد . ان عملية  الحفظ هي العلامة الفارقة على وصولنا الى درجة الهيام بالنص او اللحن . اما توقف الحفظ فهو الدليل على وصولنا الى سن الرشد ومغادرتنا العفوية . 
هناك أمر يسهل كثيرا عملية فتح الصمام والولوج الى غرفة الذاكرة طويلة الأمد  التي يحلو لي أن أسميها( مستودع العشق ) هو  الوثوق او التسليم . او العمى او الانحياز اللاواعي  . هذه الحالة من التصوف التي يفقد العقل فيها أرادته ولا يرى في الآخر سوى مركز لكل ماهو باهر هي التي تسهل عملية الحفظ . بعد تلقي الصدمة الاولى يتولى الدماغ مهمة اكمال مشروع العمى والذوبان ورؤية القطب الشعري  مجردا من اي عيب او نقص . لا شك ان هذا الوضع لايمكن ان يستمر طويلا و توقفه او تراجعه  هو العامل الحاسم في اضعاف  ملكة الحفظ . لا يمكن ان نظل عميان ومخدرين الى مالانهاية . هناك مصادفات وينابيع اخرى تشوش على هذه الخاصية وتحدث أضطرابا وقلقا في المنظومة الصوفية برمتها . شئ من مجال العقل يدخل على حين غرة فتنتابنا الهواجس ونفقد عندذ اعز الخصائص والمحور الذي تدور حوله لحظات التجلي والسعادة القصوى .
حدثني البعض عن سعدي  قالوا أنه لا يحفل ( ولا يعترف ) بغيره من الشعراء العراقيين. قألوا أن سعدي الشاعر غير سعدي الأنسان .  . قالوا أنه حذر جدا ومتطير   . وأنه يحتفظ بأسوأ العلاقات  مع ألعراقيين . وان أكثر من يحبون شعره لايطيقونه   .وانه بخيل جدا بالكلمات و  لا يهتم بالمواهب الشابة . قالوا انه يخطط  ان يكون آخر شيوعي على كوكب الأرض  . وانه يرفض الدخول الى العراق رغم دخول صناديق الاقتراع .
  أما محمود درويش فقد تكفل السيد عباس بيضون  بنزع اي صفة حسنة  منه  شعريا وانسانيا . جلست امامه بالصدفة في طنجة ( مقهى باريس )  وما أن نطقت كلماتي الاربع:
 ( محمود هو قطب شعري  ).
 حتى رأيت الرجل الأصلع يستخدم كل ما عنده من مصطلحات نقدية  للتشكيك بموهبة  محمود درويش . حاولت ان ادافع : قلت لقد منحته هولندا ارفع جائزة ادبية لديها مع مئة الف يورو . فزاد غضبه أكثر وراح  ينهال عليه بمعاول صدئة ليحطم جمجمته وعظامه.  وبعيدا عن الغيرة  الحسد والهجوم الغير منظم  لبيضون فقد تعرض قطبي الثاني   درويش الى غارة نقدية  من قبل مجدي ممدوح  وهو واحد من  اكثر نقاد الادب الذين عرفتهم   تجردا وابتعادا عن النوازع الشخصية ويعتمد الاستاذ مجدي ممدوح  على منهج واضح تماما هو محاكمة النص  فنيا  والبحث عن جذوره المحتملة  . بهذه الروحية والحرفية العالية  كتب  مجدي ممدوح مقاله   نزعة "الميتا-شعر" في نتاج محمود درويش الشعري المتأخر  . يمكن وضع ملخص المقال  بالمقطع التالي    
(ان محمود درويش قد استنفذ كل الممكنات الكامنة في مشروعه الشعري, دون ان يعمد إلى توسيع أبجديته الشعرية بالانفتاح على تجارب جديدة في الفلسفة والألسنيات, لكي يفيد منها في الدخول إلى فضاءات تعبيرية جديدة, وحالات شعورية غير مستنفذة, وقد لجأ بدلا من ذلك إلى الاقتباس المباشر للحالات, مما يشي بأن درويش لم ينشغل بالاطلاع على المذاهب الأدبية الجديدة للارتقاء بمشروعه الشعري, وهذا برأينا يقلل من أهمية مشروعه الشعري, فالنصوص المتأخرة, ومع جماليتها, فإنها تشي بأنه قام بالسطو على تجارب الآخرين, وهذا لا يليق البتة بشاعر مثل درويش وبتاريخه العريق, )
  ولكي يؤكد عملية السطو يقدم لنا الأستاذ ممدوح موضعين : الاول هو السطو على عبارة من  ماركيز والثاني السطو على نص لأندريه شديد .
. كان وقع المقال وخلاصته صاعقا علي . سارعت بالكتابة الى الاستاذ مجدي راجيا منه أعادة النظر فيما كتبه., لكن الاستاذ مجدي لم يتراجع وواصل غاراته . قلت له ان أنهيار درويش هو مسألة خطيرة بالنسبة لي شخصيا وللشعر العربي الحديث . رد علي بقوة وثبات:
( ان تجديد الشعر يتطلب عدم التوقف عند محطة ما وان مسألة الطوطم هي كارثة على الشعر . الطواطم  في الشعر هو تكريس للثابت بينما المطلوب هو المتحول.)
كان الاستاذ مجدي ممدوح كعادته مهذبا  وحرصا على مشاعري   ( فهو أول المطلعين على نظرية القطب الشعري )  حاول قدر الامكان تلافي الأشارة الى نظريتي   لكني اعدت الجملة أعلاه  واضعا مصطلح قطب بدل طوطم لتصبح العبارة :
(أن تجديد الشعر يتطلب عدم التوقف عند محطة  ما وأن مسألة القطب هي كارثة على الشعر . الأقطاب الشعرية هو تكريس للثابت بينما المطلوب هو المتحول . )
أحدثت الغارة خلخلة في النظام الذي أحاول تشييده. حاولت بكل ما عندي من قوة الدفاع عن درويش وابقاء صورته كما هي . ضربت لمجدي مثال الورقة البيضاء والنقطة السوداء , حدثته عن الموسيقار عبد الوهاب والرحابنة . قلت له ان قنطرة موسيقية مأخوذه من بتهوفن او موتزارت لا تشكل شيئا امام الكم الهائل من الأصالة التي قدمها عبد الوهاب او الرحابنة . بعد سيل من الدفاعات المستميتة  جاء رد مجدي مقتضبا مضيفا الى غارته على درويش غارة أصابت  محور  الارتكاز لنظرية الاقطاب الشعرية   :
( ما حاولت فعله في هذه المقالة هو اخضاع درويش ونتاجه الشعري للنقد, ولم اهدف الى اسقاط درويش في مقالة واحدة, درويش اكبر من الاسقاط والتسقيط, ولكن اردت التنبيه ان درويش ليس فوق النقد , ونتاجه الشعري قابل للنقد والمساءلة, ومن الملاحظ ان درويش اصبح خارج النقد, وهذا التصنيم يضر بالحركة الشعرية, لا بد دائما من النقد من اجل ان ينتقل الشعر العربي الى محطته المقبلة , درويش مهما عظم لن يكون محطة نهائية للشعر العربي, والشعرية العربية لا يد لها من الابداع والابتكار والتجاوز . هذا ما اردت قوله )
 
لكن اقسى ما مررت به كان مع  مظفر النواب مؤخرا . عاد  مظفر الى العراق بعد اكثر من نصف قرن من  الغربة . انه مشهد مؤثر للغاية  ولكني لا ادري لماذا تركت مركز المشهد ورحت انظر الى زاوية معتمة فيه  . لماذا انحرفت عيني و توقفت عند تلك النقطة ولم غادرها  .   في لحظة التساؤل هذه فقدت مؤقتا بعض الاستقرار والانسجام الداخلي . واحمد الله انه لم يحدث بشكل مبكر  والا لكانت  هناك كارثة تحل بمستودع العشق  . ألحادثة ببساطة تتلخص في استقبال مظفر النواب من قبل رئيس الجمهورية جلال الطالباني .   نقلت وسائل الاعلام العناق والقبل وبعض  مادار من كلمات مقتضبة تبادلها الشاعر  مع  الرئيس . تحدث  الرئيس عن  ذكرى مشتركة  تربطه بمظفر  , ذكرى  بعيدة حينما كانا  يعملان  سوية في اعلام الثورة الفلسطينية وتحديدا في الجبهة الشعبية . اختار  الرئيس هذا الجزء الحميمي المشرف  والملئ  بالفخر ليجعل المسافة بينه وبين مظفر تقترب من الصفر .
  ولو تقدم الرئيس  بضعة سنوات الى الامام لكان قد وصل الى( بشت آشان) .
 (  هامش : بشت آشان : هي مجزرة حلت بالشيوعيين اللاجئين الى كردستان ( 1983 : الضحايا : 72 ) نفذتها ميلشيات الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني . )
 غير ان مام جلال المحامي والسياسي الداهية أثبت أنه  مايزال في قمة لياقته وقدرته على التعامل مع كل الألوان وانه  ما يزال قادرا على أن يستقبل بنفس القدر من المرونة وبنفس قوة العناق   كل من مظفر النواب وحارث الضاري .
 وقفت عند هذا المشهد المربك , هل يمكن ابتلاعه ؟
   . يا ألهي ماذا دهاني . لماذا أفكر بهذه الطريقة البشعة   . انها  قبلة عابرة . جزء من مقتضيات الدبلوماسية والبروتوكول . ما دخل مظفر بتاريخ مام جلال ؟. استغفر الله  . قرأت المعوذتين رغم الأخطاء الكثيرة والتداخل بين العلق والخناس الوسواس  ذلك أني لا أحتفط بهما في مستودع العشق . 
ولكي لا اضيع تماما واحافظ على عقيدة ادميت قلبي كي اصل اليها  ,  كان علي ان ابقي على كل شئ وابحث عن وسيلة سريعة  لحماية هذا المستودع  .  لم يكن امامي سوى الندم
. ندمت بشدة , وفي نفس الوقت تأكدت من شئ هام جدا :  انه لكي يظل صمام غرفة الذاكرة مفتوحا ينبغي ان تظل صورة مظفر مثالية الى اقصى حد ..رحت اوبخ نفسي
كيف أحاسب مظفر النواب على بضعة دقائق من الدبلوماسية وانسى نصف قرن من العناد .؟
أنه الغباء بعينه
عاهدت نفسي ان لا اتحرش بأي من الاقطاب الثلاثة .
كان يمكن لهذا النوع من الوساوس ان يحدث كارثة بذاكرتي ,  بمستودعي ,  وملاذي الأخير   ,  في اقل تقدير أن ينسفها . هذا المستودع  الذي يحوي كل ما أملك من قوت  في أيام القحط . لذلك عاهدت نفسي ان لا اتعاطى مع مثل هذه الشرارات  ,  وابقى في حدود النص والتزم بقواعد حفظ النصوص . لقد دخل النص لوحده  ولم تدخل معه اشياء اخرى  . ينبغي ان لا اقلب اوراق الاقطاب وانبش في ادق تفاصيلهم  .  سأفقد كل شئ  واصبح مثل الآخرين .  وسيغضب القطب  وربما يغلق صمام العشق  ومستودع العشق الى الابد . ينبغي ان لا اتحرش بالقطب  . ينبغي ان احترم مركز ثقله الوجودي . وانظر الى هذا المركز وليس الى الشرارات الصغيرة .
عاهدت نفسي أن لا أتحرش أبدا  .