ولكنّ وزارة الثقافة وزارتُنا! طباعة

ياسين طه حافظ
" قد كنتُ نشرتُ قبل فترة مقالةً قصيرة حول أن مثقفي العراق مضبوعون حقّاً . ما كتبه ياسين طه حافظ في صحيفة الاحتلال اليومية ( الصباح) ، صباح الخامس من حزيران هذا ، أي اليوم ، يذكِّرُني بما كتبه فاضل ثامر من دفاعٍ مستميتٍ عن الاحتلال في محاولة الردّ عليّ . باركَ الله لياسين بوزارته ! "
سعدي يوسف

كراهة الحكم الموروثة وكراهة الدولة, تمتد لتشمل مكوناتها الإدارية. هذا أمر حتمي عام, فأنت بعيداً عن التفحص العياني, حين نكره النظام نكره مؤسساته الرسمية. هذا أمر عام ولكنه ليس صحيحاً في جانب منه . فعملياً, امتداد الكراهة يضر بالنقاط الجيدة ضمن الدائرة العامة لأي برنامج أو منهاج. علينا بعد تنحية الحماسة, بعد الرفض الصبياني القاطع, أن ننظر للمسألة نظرةَ من يريد إنقاذ القليل لكي لا يخسر كل شيء .هكذا تعمل الأحزاب الواقعية وهكذا سلك المتأملون والحكماء في الظروف الصعبة.
كان الحكم بعثياً وكان الحاكم صدام حسين, وكانت هناك وزارة للثقافة. هي تعمل إعلامياً لصالح الحاكم وإسناده, او إضفاء الصلاح عليه. نعم, ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن تلك الوزارة أصدرت مجلات جيدة ونشرت كتباً مهمة وقدمت أعمالاً كانت ضرورية للفن والثقافة.
والآن حكم آخر ونظام سياسي مختلف وأيضاً هناك وزارة ثقافة. غير صحيح أبداً استمرار الشعور بالكراهة أو الإدانة المُسْبَقه أو حتى التعالي في الكلام وطرح الرأي أو إعلان عدم الرضا. هي وزارة منظورها ومسؤولياتها ضمن أُطر رسمية. أنت فرد ورأيك شخصي ولا نهاية للرؤى والأفكار. كما أن الاجتهادات الفردية لا نهاية لها. نحن محكومون بإطار يتحرك فيه المنطق والعقل العملي. وحتى في الفقه الديني نحن ملزمون بـ"الحكمة العملية".. مهما يكن, يجب ألا نخسر كل شيء واقعاً على أمل الحصول على شيء أفضل أملاً. نعم, نحترم أملنا بالأفضل ونتعامل تعاملاً عقلانياً مع الواقع بغية أن يؤدي مهماته النافعة فلا نخسر الممكن المفيد فيه. والواجب الأخلاقي, الفكري, أن نسند إقامة الصحيح وتنفيذه.من في الوزارة يرى ما لا يراه الشخص مهما كان, خارج الوزارة. مثل هذا قال به رئيس جيكوسلوفاكيا الأسبق, وكان أديباً يكتب نضالاً ودفاعاً عن الحريات, حين سُئل يوماً: جئت للسلطة واستمرت الاعتقالات؟ قال من في السلطة يرى ما لا يراه من هو خارج السلطة...لست توفيقياً, ولا يوماً زرت الوزارة منذ التغيير ولا علاقة لي بأحد فيها غير الاحترام من بعيد. ولكنه أمر غير معقول ولا أخلاقي أن يقول أديب أو فنان للدولة افعلي ما أريده أنا.
 هي تعمل ما تراه يفيد الدائرة الأوسع وما تستطيع تنفيذه في الزمن المعين. لها أرقامها وخطط عملها ورأيك واحد من مئات الآراء, محترم ولكنه غير رسمي والوزارة دائرة رسمية. السلوك الحضري يا سادتي مطلوب دائماً في مجتمع الدولة.الوزارة مؤسسة كبيرة لها خطط عملها وتفكر بما ينفع الدولة ويمتد نفعه لحركة الأدب والثقافة. كل المؤسسات هكذا هي تعنى بمشروعها ومن خلاله, أو منه, تعنى بالأغراض المُعلنة الأخرى. لا مؤسسة في العالم تصرف أموالاً لسواد عيون الثقافة فقط! هكذا تعمل كل الدولة. صالحها يمتد للصالح العام والصالح العام يتفرع لشؤون المجتمع الأخرى. وان يكون المنهاج رسمياً, فليس الرسمي عيبا , هكذا العمل, ضمن أنظمة وبآليات مقررة.
 المسألة ايجابية وطبيعية تماماً في عالم متحضر ومُنظم، أما أنها لا تعجبنا وإنا نراها أقل من طموحنا العصري, فذلك حقنا, حقنا أن نرى ذلك. لكن هذا لا يبيح لنا العداء ولا الإدانات السريعة اللا حكيمة واللا مهذبة أحياناً ..
 الصحيح هو التعامل بايجابية مع النقاط الأساسية المفيدة في كامل المنهاج وخطط العمل. أود أن أقول لأصدقائي المثقفين: نحن مثقفون, نعم. نحن أدباء, نعم. ولكن ليس لنا كل الحق في فرض أفكارنا ورغباتنا المتعددة والمختلفة على مؤسسات الدولة حدّ أن نعطّلها إذا أخذت بتلك الأفكار ونغير كل برنامجها على هوانا. هي وزارة ثقافة, أي هي وزارتنا ووزارة مشاريعنا الثقافية. نكون مخطئين إذا اعتمدنا الرفض المتعالي والاستهانات سلوكاً للفهم أو للإصلاح. الاحترام أولاً, اللياقة الحضارية في الخطاب ثانياً وبهدوء وأدب نقدم  الآراء والأفكار التي نراها مفيدة. علينا, نحن الأدباء ألا نخسر "الأدب" والاحترام ونحن نريد أدباً واحتراماً.