سبعون سعدي طباعة

(القاهرة)Image
منذ أن كتب قصيدته الأولي وهو لا يتوقف عن إنتاج الدهشة!
فصاحب (الأخضر بن يوسف) الذي ما إن يصل إلي مقترح جمالي وفني في قصيدته حتى يغادره إلي مقترح جديد وكأنه يمتلك تلك الروح القلقة أو (روح الطائر) كما يسميها عباس بيضون
ومن هنا كان سعدي يوسف فاتحا للسكك التي استلهما الكثيرون من الشعراء فيما بعد، أصبحت الحياة اليومية هدفا شعريا بالنسبة له ... أي موقف عابر لا يمكن أن يخطر في بال أحد يصلح لكي يكون قصيدة شعرية عنده... فهو الشاعر الذي درب نفسه علي طريقة في الكتابة حمته من الوقوع في 'الرطرطة' اللغوية بالتعامل مع سمات أصبحت جزءا من قصيدته، حيث الإيقاع الخافت والكثافة اللغوية، قصيدة )مقنعة( يهرب بها من الأنماط الجاهزة والمعدة سلفا ... تحتاج ¬كما يقول¬) إلي وعي حاد باللغة وجمالياتها، وجماليات الشعر، والمشروعية الفنية في التعبير عن الفكرة، عن السياسة (مشروعية الفرد).

عرف السجن والمنفي، وفي )بيروت 82) كان مع المحاصرين يقاسمهم خبزهم وتهديد الموت المستمر لهم. ولم تفلح عروض كثيرة للنجاة¬ قدمت له¬ في أن تثنيه عما رأي أنه الأشرف والأجدر بالشعراء .لم يكن كونه شاعرا كبيرا يحمل _ عنده¬ سوى معنى واحد (يؤكده حلمي سالم) : (هو أن يكون، كما ينبغي لشاعر كبير أن يكون).... وعندما خرج الفلسطينيون من بيروت كان أول من خرج معهم بملابس عسكرية رغم أنه قد تجاوز الأربعين وقتها !
منذ ست سنوات تقريبا كان من المقرر أن يشارك سعدي في أحد الاحتفالات الثقافية بدمشق وكان قادما من عمان... وأثناء دخوله تم إيقاف الأتوبيس الذي يحمله وتفتيشه وتم توقيف عاملين أردنيين كانا معه ومنعا من الدخول، أعترض سعدي يومها بشده وقرر العودة من حيث آتي معتبرا أن عبوره وحده نوع من الخيانة لأفكاره.
لم تمض أسابيع قليلة حتى طلب اللجوء السياسي إلى لندن، بعد أن أيقن أن منافيه العربية أصبحت (كالمستجير من الرمضاء بالنار) وأن الشروط الحالية للمنطقة العربية لا تسمح باختراق ثقافي بعد أن أصبح المثقف يقمع نفسه لصالح السلطة .
وفي أرض الضباب لم يتوانى أن يهجو بلير رئيس وزراءها بل وينتقد بشده موقف المملكة المتحدة من الحرب على العراق، خرج في مظاهرات ليعلن أنه ضد الحرب، ورغم البلبلة التي اشتعلت بين المثقفين العراقيين إزاء الموقف من الغزو، مع أو ضد الدكتاتور ... ظل سعدي يحمل العراق في قلبه ممنوعا من دخولها في ظل الطغيان والاحتلال !!.
وإن كان الاحتفاء بسعدي لا يحتاج إلى مناسبة، فما بالنا وهو يبلغ السبعين....إنه الشاعر الذي لا يشبه أحدا ولكن يشبهه الكثيرون كما يقول محمود درويش في شهادته التي ننشرها في هذا الملف. درويش لم يتردد في الكتابة إلينا فور أن طلبنا مشاركته معنا، وكذا الأمر بالنسبة للشاعر البحريني قاسم حداد، ومن مصر الشاعرين عبد المنعم رمضان وأحمد طه ومن العراق محمد مظلوم .