سعدي يوسف ماذا فعلت بهم؟! طباعة

صباح علي الشاهر

ما أجمل القلم حين يكون ناصحاً، وما أرقة عندما يكون مُعاتباً، وما أصدقة عندما يكون مقوّماً وناقداً، ولكن ما أقساه وأخبثه عندما يكون حاقداً، وما ألأمه عندما لا يتحكم فيه وازع من بقايا ضمير.
من يعرف سعدي يوسف عن كثب، يرى أن دماثة الخلق تجسدت في رجل.
دماثة الخلق هذه، المغلفة بتواضع الكبار عن حق وجدارة، هي التي جعلت عشرات الشعراء الشباب، الذين لم يكتب بعضهم أكثر من قصيدة بعد، يتحلقون حول الشاعر إينما كان في نادي الأدباء، أم في اي ناد، ليعرضوا عليه نتاجهم، وليجدوا فيه ذاك الكبير الحاني، والذين سيرتبطون به بود لن تنقطع حباله مع توالي السنوات الحبالى بكل شائن وغريب.

سعدي، الذي هو من بين كل الشعراء، وحده الذي اجترح مكرمة الترفع عن مدح أي مسؤول، أكان في السلطة أم المعارضة، أكان صاحب سطوة أم عزوة أم مال، ظلَّ مثلما هو في بدايته يكتب لـ (محيسن في هور السفطة)، ولكل ما هو جدير بالكتابة، ما هو جدير فقط.
لم يكن  إلاّ مُعرياً للقبح، محارباً للتفاهة، ناقداً للخطأ. يوم كتب في 'طريق الشعب' مقالة (من أي مستنقع ينهل معين بسيسو؟)، أصبنا نحن العاملين في القسم الثقافي في الجريدة بصدمة، فمعين ليس من المحسوبين علينا، بل رفيقنا، وواحد من أنشط الكتاب، وسعدي رئيس قسمنا. أتذكر اننا في التنظيم الحزبي إقترحنا أن يعتذر سعدي، لكن سعدي لم يعتذر، كانت حساباته غير حسابات السياسة، وكان على صواب وكنا على خطأ.
ظل سعدي طوال حياته هكذا، يقول قولته ويمشي، أما شعرياً فيصدق فيه قول المتنبي (أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم)، لم يكن من أولئك الشعراء المهمومين والمنشغلين بتفسير أو تبرير شعرهم، فالشعر بالإضافة إلى كونه يستعصي على الشرح والتفسير، إلا على سبيل الإقتراب من عوالمه الثرّة، فإنه يُحس ويُدرك على قدر امتلاك المتذوق لملكة وطرائق الفهم، لذا فإن للقصيدة الواحدة أكثر من شرح، وأكثر من شارح.
وسعدي من أولئك القلة من المبدعين الذين يقارب شعرهم نثرهم، حيث يرتقي نثرهم لمصاف الشعر، ولنتذكر (على قارعة الطريق) و(لمن هي إن لم تكن للشعب؟!) ونثريات الجواهري الكبير الأخرى، وكذلك (عفو الكرامة) لكاظم السماوي، والعديد من الشواهد التي تؤكد إرتقاء نثر كبار الشعراء لا لمرتبة الشعر فحسب، وإنما لمرتبة الخرائد.
أتذكر أن سعدي قدم مجموعة قصص في سبعينات القرن الماضي، كتب عنها أحد النقاد نقداً عنونه بـ (قصائد ضلت طريقها)، لم يبتعد الناقد كثيراً عن ملامسة جوهر القضية، إلا أنه جانب الصواب في وصفها، فتلك القصص ولادات مبكرة، ومن يتابع كتابات سعدي يلاحظ هذا المزج العذب بين السردية والشعريه في النص اليوسفي مع ضرورة تذكر (الأخضر بن يوسف) ليتضح المسار.
عندما يكبر الشاعر يصبح هو ذاته قصيدة، وسعدي يوسف الذي هو ضمير العراق الأدبي، كان وما زال وسيبقى قصيدة، قرأناها قبل أكثر من نصف قرن، ونقرأها اليوم، وسنقرأها غداً.
إن الشاعر الكبير بمعنى من المعاني موّلد معان، وهذا هو شأن سعدي، كما هو شأن الجواهري الكبير، وكل كبير في عالم الإبداع الشعري.
إنشغلوا كثيراً بالشيوعي الأخير، لاحظوا الأخير، وليس آخر شيوعي، وانشغلوا أكثر بـ(سن الذهب). لله درّك يا أبا حيدر ماذا فعلت بهم؟!
السكرتير الأول السابق قضى عشر سنوات في السجن وتربع عشرين عاماً على هرم القيادة، السكرتير الحالي لم يدخل السجن قط، ولا تعرض لأي مضايقة، وتربع على هرم القيادة عشرين عاماً، والسكرتير القادم يرجح أن يكون (سن الذهب)، هو ليس لم يسجن فقط، وإنما قضى سني عمره في الخارج، وإذا قيّض له أن يكون السكرتير العام، فإنه سيكون أول رجل أعمال حقيقي يتبوأ قيادة حزب بروليتاري!
إلى هنا والأمر يبدو طبيعياً، فبعد الانخراط في تسويات بريمر أصبح (الصعود نحو الهاوية!) أمراً لا غرابة فيه، ولكن (سن الذهب) اليوسفية هذه أمر آخر!.
فيما مضى كانت محلات الصاغة في المدن الكبرى تعرض الأسنان الذهبية في واجهاتها، إختصت هذه الإسنان بالنساء، في وقت ما كانت سن الذهب زينة، تمنح المرأة مزيداً من الغنج والدلال، وفي مجتمع كالمجتمع العراقي لم يكن من المعهود للرجال التزين بسن الذهب، ربما لبعضهم، ممن يتشبهون بالنساء، ويتصفون بصفة الغنج والميوعة، أما في الحالات الطبية فقد يكون صف من الإسنان من الذهب، أو كلها، فلا غبار في هذا، أما سن الذهب لوحده فمن مختصات ذوات الغنج والدلال.
عندما يعرض طلب الترشيح أو نيل العضوية أمام أي لجنة حزبية ما قبل منتصف السبعينات من القرن الماضي، فإن أول بند ينظر فيه ويحدد قبول أو عدم قبول الطلب هو بند (الجهادية)، والمقصود بالجهادية الصلابة، وكم عدد المظاهرات والفعاليات النضالية التي اشترك فيها طالب الترشيح أو العضوية، وما هو موقفه اثناء الاعتقال إن كان قد إعتقل، وغالباَ ما يكون الذي يقدم طلب العضوية قد مر على السجن أو الاعتقال في الإقل .
فيما بعد منتصف سبعينات القرن الماضي تغيّر البند الأول، وأصبح (جماهيرية المتقدم) والمقصود بالجماهيرية هنا، عدد الفعاليات التي حضرها، أو عدد السفرات، أوعدد المشاركات في الحفلات التي تقيمها المنظمات الجماهيرية، ومن كان سجله حافلا في مثل هذه المشاركات له الأفضلية.
ترى كيف يكون الموقف لو أن (سن الذهب) قدم طلباً أمام لجنة حزبية داخل العراق، لا خارجة، لنيل العضوية قبل منتصف السبعينات؟
ترى أيكون (الشيوعي الأخير) نتاج بند (الجهادية) في تنظيم الداخل، و (سن الذهب) نتاح بند (الجماهيرية) في لجنة تنظيم الخارج!!
أخي وصديقي (أبا حيدر) على أي جرح تضع أناملك الحنونة، فجسمنا مثخن بالجراح!

اخر تحديث الجمعة, 13 يناير/كانون ثان 2012 16:27