دول الخليج والدفاع عن الحرية والديمقراطية طباعة

سليمان الحكيم

لست أظن أن منصفاً يصدّق حكاية الدفاع عن الحرية والديمقراطية التي تتلطى وراءها دول التعاون الخليجي لتبرير تواطئها مع حلف الأطلسي لترتيب أوضاع جديدة في المنطقة العربية ؛ فأنظمة دول الخليج العربي وبكل المعايير هي من بين الديكتاتوريات المتسمة بالوحشية والتخلف ؛ فبالأمس فقط سجنت حكومة قطر مواطناً لأنه نظم قصيدة شعر شعبي ناقدة للنظام , واعتقل خمسة ناشطين في دولة الإمارات لأسباب سياسية , ومازال دوي الرصاص يلعلع في مدن البحرين , وفي مدينتي الحسا والقطيف السعوديتين , حاصداً أرواح أحرار طالبوا بالمساواة وبالديمقراطية .
في ظني أن لدول الخليج العربي دافعين للعبها دور مخلب الشيطان الغربي الذي يهدف الى إعادة رسم خريطة المنطقة العربية والشرق الأوسط , أولهما اقتصادي وثانيهما سياسي :

1- بلغ مجموع استثمارات دول الخليج في العالم الغربي 1.5 ترليون دولار , نصفها في أوروبا ونصفها الآخر في الولايات المتحدة الأميركية , وتركزت تلك الاستثمارات في أسهم الشركات المتعددة الجنسية , واستثمارات غربية متنوعة؛ وهذه الاستثمارات مهددة اليوم بالانكماش والتآكل بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب دول الغرب , والتي تنذر بتكرار كارثة كساد عام 1929 العظيم الذي كان واحداً من أسباب الحرب العالمية الثانية , فبعض دول اوروبا مهدد بالإفلاس , وعملة اليورو معرضة للانهيار , وبلغ العجز في الميزانية الأميركية رقماً غير مسبوق في تاريخها ؛ وليس صدفة أن الهجوم الأطلسي على ليبيا قد تزامن مع تفاقم هذا التدهور الاقتصادي الغربي ؛ وفي ذات اليوم الذي قُتل فيه العقيد معمّر القذافي , ردّ رئيس المجلس الانتقالي الليبي الجميل لحلف الأطلسي بدعوة دوله لإعادة إعمار ليبيا , ولأن ذلك البلد قد أصابه دمار شبه كامل , فإن صفقات ضخمة تنتظر فيه الشركات المتعددة الجنسية العاملة في مجالات البناء والاتصالات والبترول والخدمات والتكنولوجيا والصناعات , وهي – لمحاسن الصدف – ذات الشركات التي يستثمر حكام دول الخليج العربي أموالهم الطائلة فيها ؛ وهذا التربّح من الكوارث له سوابق في العراق عندما حصد كبار المسؤولين الأميركيين ثروات طائلة من وراء احتلاله عام 2003 , فعلى سبيل المثال ورد في وثائق أميركية أن ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي كان يمتلك قبل العام 2003 حوالي مئتي ألف سهم في شركة " هاليبرتون " وكانت قيمة السهم وقتها عشرة دولارات , وعندما غادر منصبه عام 2009 كانت قيمة السهم قد ارتفعت الى أربعين دولاراً , أي بنسبة 300% , وذلك بسبب الأرباح التي جنتها شركته من تعاقداتها مع سلطة الاحتلال الأميركي ؛ ودرّ المنجم العراقي ذهباً لشركات أخرى كان مساهماً فيها بحصص ضخمة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد , وجورج شولتز وجيمس بيكر وزيرا الخارجية السابقان , وجيمس ولسي مديرالمخابرات المركزية الأسبق , وتوم ريدج وزير الأمن الوطني في إدارة جورج و. بوش . 
2- بنظرة متأنية على خريطة الشرق الأوسط , نتبين أن الدول العربية التي يُراد تسليم السلطة فيها للإسلام السياسي , تقع جميعها على شاطيء البحر الأبيض المتوسط المواجه لأوروبا , بدءاً من تركيا حيث يحكم الإسلاميون فعلا , نزولا الى سوريا هدف المؤامرة اليوم , ثم الى لبنان الذي ستختل توازناته الداخلية إذا سقط الموقع السوري , ثم تتصل السلسلة باسرائيل التي يُراد لها أن تهيمن على المنطقة العربية , ثم يمتد الساحل الى مصر التي يستعد الاسلاميون فيها للانقضاض على السلطة , ومن بعدها الى ليبيا التي تسلّم الاسلاميون السلطة فيها على طبق غربي طافح بالدم , ثم تليها على الخريطة تونس التي استلم الاخوان المسلمون فيها الحكم , ثم الجزائر التي تعيش فترة ريبة ومستقبل مفتوح على كل الاحتمالات , ويمتد الشريط البحري الى المغرب حيث نال الاسلام السياسي رئاسة الوزارة , لينتهي  بموريتانيا التي سبق للمال القطري أن أغواها للاعتراف اسرائيل منذ منتصف التسعينات. منذ عقود والغرب يعرض مشروعاً تلو آخر لثني عرب هذا الشريط البحري عن الالتفات لواقعهم القومي , ولربطهم بمصالحه الاقتصادية والسياسية , كان أولها مشروع " الفرانكوفونية " المثير للجدل , وثانيها مشروع الشراكة عبر المتوسط , وأخيراً مشروع الشرق الأوسط الجديد , وهي جميعها مشاريع كان أساسها دمج اسرائيل بالمنطقة العربية ؛ وبرغم ضغوط أوروبا والولايات المتحدة فإن أياً من هذه المشاريع لم يثمر ؛ غير أن هذا الحال سيتغيّر بصعود الاسلاميين الى السلطة على سلّم غربي , فهم بايعاز مباشر من دول الخليج قد قبلوا دفع الثمن المتمثل بالتعايش مع اسرائيل وإخضاع اقتصاد بلادهم لقوانين العولمة . ولقد كانت سوريا والعراق – في عهد النظام الوطني – الدولتان الوحيدتان اللتان رفضتا الانخراط بهذا المشروع , وكذلك تمّ التخلص من النظام العراقي بتواطؤ خليجي فاضح , وتجري اليوم محاولة إسقاط سوريا بأساليب لم تتكلف عناء تمويه كذبها وابتذالها , إذ بدأ التحريض ضدها تارة بدواعٍ طائفية وتارة أخرى بمزاعم الدفاع عن الديمقراطية , وكأن الاسلام السياسي لم يكتشف الا اليوم أن مفاصل السلطة السورية منذ عام 1966 هي علوية المذهب , وكأن أنظمة الخليج مطهرة من وباء الطائفية , و تتمرغ شعوبها في نعيم الديمقراطية والحرية !                                                                                                               
اتخذت المؤامرةعلى سوريا أشكالا متعددة من التآمر تمثلت بما يلي :                                                        
ـــ تزويد الارهاب الاسلامي بأسلحة يجري تهريبها من تركيا ومن لبنان وحتى من اسرائيل .                                
ـــ تمويل عصابات الإجرام الجنائي لتقوم بعمليات قتل عشوائي للمواطنين وتخريب المنشآت العامة .                        
ـــ تبييض السجل الدامي لزمرالإرهاب وعلى رأسها رياض الشقفة زعيم الاخوان المسلمين ونائبه زهير سالم المسؤولان    منذ الثمانينات عن جرائم القتل الطائفي على الهوية , وتفجير السيارات المفخخة في أحياء سوريا السكنية وأسواقها .       ـــ محاولة تمزيق الجيش السوري بشراء ذمم ضعاف النفوس فيه برواتب شهرية تتراوح بين ثلاثة آلاف دولار للضابط وألف وخمسمائة دولار لضابط الصف , وألف دولار للجندي , وتواطؤ تركيا لتأمين ملاذ آمن لهم في مدينة أنطاكية , وبذل الوعود لهم بتوطينهم في مغاني اوروبا والولايات المتحدة إذا لم تجر الأمور كما هو مخطط لها .                     
  إن المستهدف من ذلك كله هو سوريا الدولة وكيانها ووحدتها والراية العربية المرفوعة فيها , وذلك لأسباب معلومة :     1- هي الدولة الوحيدة في العالم بلا ديون خارجية تثقل كاهلها وترتهن إرادتها , والمطلوب تدميرها وربطها بقيود صندوق النقد الدولي , والبنك الدولي , وبشبكة العولمة الاقتصادية .                                                                      
2- دولة تملك اكتفاء ذاتياً غذائياً شبه كامل , والمطلوب جعل اقتصادها تابعاً لاقتصاد الشراكة الشرق أوسطية - الغربية . 
3- تمتلك سوريا ترسانة عسكرية لها وزنها , فجيشها يتكون من نصف مليون جندي , وأسطول مدرع تعداده ستة آلاف دبابة , ومصانع حربية تنتج نصف احتياجات قواتها المسلحة , ولديها قوة صاروخية تتضمن ألف رأس حربي غير تقليدي,  والمطلوب تكرار ما حصل في العراق وتجريد سوريا من درعها وسيفها , حتى يخفت صوتها العروبي و يبقى قرارها مرتهناً لدى وكلاء حلف الأطلسي في الشرق الوسط : تركيا واسرائيل وقطر .                                                 
...........................
...........................
تدور منذ سنوات ولأول مرة في التاريخ , اتصالات بين الولايات المتحدة وبين الاخوان المسلمين بوساطة قطرية وسعودية وصلت الى تفاهمات نشهد اليوم نتائجها العملية , بالرضا الأطلسي والاسرائيلي على الإخواني الليبي مصطفى عبد الجليل ومجلسه المتأسلم , وبإعلان الاخواني السوري صدر الدين البيانوني على الفضائيات بملء فمه أن اسرائيل موجودة كأمر واقع لا يمكن تجاهله , وبالاتفاق الذي وقعه محمود عباس مع حركة حماس الاخوانية والذي نصّ على التهادن مع اسرائيل ومواجهتها بالمقاومة السلمية , وبحديث رئيس وزراء المغرب الجديد الاخواني عبد الإله بن كيران عن علاقات متميزة مع الغرب ؛ وبإعلان إخوان مصر أنهم سيلتزمون بمعاهدة كامب ديفيد ؛ وبقبول الاسلام السياسي في السودان على تقسيم البلد مقابل بقائه حاكماً على ما تبقى منها .  إن المحصلة الخطيرة لذلك كله أن المسألة لن تبلغ حدها بإسقاط سوريا , وإنما سيكون مقدمة للمؤامرة الكبرى التي تستهدف حشد قوى الاسلام السياسي السنّي برمّته في بلاد الشام وشمال افريقيا وتركيا والخليج العربي , ودفعه لمعركة مفتوحة مع الاسلام السياسي الشيعي في ايران والعراق ولبنان , ومقدمات هذه المعركة أصبحت ملموسة ويجري تداولها يومياً في وسائل إعلام آل ثاني وآل سعود