لاتحزن .. ان الله معك طباعة

حسن النواب

في آخر لقاء مع صديقي الراحل كزار حنتوش قبل رحيله المباغت قال : " الأخرون يطعنونني من الخلف، ومعنى هذا أنني أسير في المقدمة" .. تذكرت هذه العبارة لأن حراب الغيرة والحسد واللؤم والغدر مافتئت تطعن ظهر حفيد امرىء القيس ، ولكن هيهات ان ينالوا من نخلة باسلة ، هذا الشيوعي الأخير الذي اختصر الدم المستباح بعزلته المشعة وقصائده التي كتبها ويكتبها ضد الظلام والموت والغزاة والساسة الأفجاج ، وتواضعه الذي يغار منه رؤوساء الدول الإشتراكية ، هل ظلت اشتراكية ؟ تواضعه الذي اربك خصومه من العياريين والسياسيين والمتلونين والذين ماظل لهم من اليأس اي سلاح سوى الشتائم ، هؤلاء

جميعا شيدوا متاريس الرمل وصوبوا بنادقهم المنهزمة الى من قال في بعض وصاياه : لا تأكل لحم عدو ، لاتشرب ماء جبين ، لاتنهش راحة من يطعمك الأزهار ، ولأنهم خالفوا وصاياه وصاروا يقلبون ستراتهم مع كل موسم سياسي جديد ، لم يبق امامهم سوى نزف رمادهم البليد وزعافهم الأصفر على سعدي يوسف .. هذا النبي الذي يضع الله كفه كل يوم على رأسه حتى يطمئن عليه قبل ان يغفو من اوجاع الخيانة والمنفى ، مترقبا لون صباح جديد مثل ريش الحمام ، والفقراء الذين لم يغادروا احلامه ويشعلون دموعهم كلما ادلهمت بطريقه الخطوب .. اقول مهلا .. لإن الأخضر بن يوسف مازال فرس قصيدته يصهل في براري الشعر مثل معركة عظيمة ، وحده يرى وقع حوافر خيلها ورنين وخفق سيوفها ولهاث رماحها وعناد دروعها ويرى وداعة ورقة الحياة لشاعرها ايضا..هذا الذي قال : حين تمتد كفي لا تصافح الا اصابعها .كان يسير مع الجميع وخطوته وحدها ، ولذا ليس عجبا ان يظهر من مزاغل الظلمة والسراديب زعاطيط وشراميط وسماسرة وأباعر يشتمونه على منابرهم الصحفية المطبوعة من دم العراقيين ، ليس عجبا .. لإن مناره ونهج دربه هو الإمام علي سيد الفقراء الذي كادت جبته تصبح اشلاء من شتائمهم على المنابر ، دعهم يشتمون فمع كل شتيمة منهم يتسع مكانك في السماء ، بينما حور العين تملأ دنان روحك بخمور الجنة ، قالوا عنه ان الطائفية تخرُّ من انفه كالزكام ، وتناسوا ان ابنه المدفون في ارض الشام اسمه حيدر ، وان ابنته المنفية في اصقاع البرد اسمها شيراز ، ياه لكم ميزان الحق في بلادي مائل ، حد ان ميلانه يثير سخط ملائكة السماء ..
قالوا : انه اول من كتب قصيدة فرح لدخول الغزاة حين خاطب توم بلير ، وقال له انقذنا من صدام حسين .
اجل كتب ذلك ، ولكن لم يكتب في قصيدته  ان يدع جنوده يمرحون في البصرة ويستبيحون عذرية نخلها العظيم ساعة ظلمة وغدر ، ولم يقل له ان يكون طعامهم في بغداد " فسنجون " ؟؟ .. لقد كتب الى بلير كمواطن عراقي يريد ان يتخلص من جيثوم جثم على صدور الناس للحد الذي جعل العباد في رعب وسهاد ،صار الرجل يرتاب من زوجه ان تشي به ، وان الأخ مقابل حفنة دنانير يطلق على اخيه الرصاص لإنه شتم النظام الديكتاتوري ، لماذا تحاسبون سعدي يوسف على قصيدة  اراد من خلالها تحرير الشعب العراقي ولاتحاسبون انفسكم على انحاءات لا عد لها للغزاة مازالت تحدث حتى الآن ؟ انها قسمة ضيزى ، فسعدي يوسف لايحب الشيعة ؟؟ يالها من طرفة سمجة ، وهم يعلمون جيدا ان الجنوب مملكته والبصرة معذبته ، بل انه جلس لساعات طوال مع صديقي الشاعر الراحل عقيل علي يستمع منه الى فصول الإنتفاضة الشجاعة ، والتي هي في ضمير سعدي يوسف ابهى الإحتجاجات العراقية الصافية كما احسب ، لولا وقع خطى الأغراب الخشن على نسيجها الذي كان في حينها من الحرير .. ليتهم اكتفوا بذلك ، انما ترجموا حوار معه على هواهم وحسب مايريدون وقالوا ان هذا الشاعر تخلى عن عراقيته ؟؟ ويحكم ايها الأفاقون .. كأنكم نسيتم حين سأله احدهم متى خرجت من البصرة ؟ فأجابه معبرا عن ولعه العميق بوطنه قائلا : لم تخرج ولم أخرج، فهل يخرج المرء من جلده؟
 كما ان خارطة العراق بذهب دمه مازالت تتدلى على صدره وان سلسلتها اجمل انشوطة الى عنقه ، وان القرط الذي يضيء شحمة اذنه فهمه البعض لجهالتهم بالتأريخ بشكل خاطىء ، حين ربطه بمدفع " ابو خزامة " ، ايها الناس لقد وضع سعدي يوسف قرطا بإذنه حتى يتذكر على الدوام خيانة الآخرين ، اما الخزامة تضع بالأنف .. ولذا كان المدفع " ابو خزامة " بحقيقته هو ثلمة في انف العراقي ؟؟ عجبا اما فهتم الرسالة ايها الرساليون ؟
اجل سيضع سعدي يوسف خزامة بإنفه ذات يوم ، تضعها له امرأة من الجنوب مازالت يدها محناة بالعجين والطين والنذور ..سيضع خزامة في انفه وهذا هو الرهان الأخير حينما يدخل العراق ونشرب معه الأنخاب في اكواخ دجلة التي حولها الطغاة الى قصر جمهوري ومنطقة خضراء سنشرب الأنخاب بتلك الأكواخ التي نشم بها عطر الله وملائكته انتظروننا ..لأن حقيبة سعدي يوسف على كتفه الأيسر وينتظر جسرا من دموع الفقراء حتى يصل بروحه العظيمة الى البلاد وهناك تحت نصب الحرية سيهتف منتصرا :
* " للّذينَ ارتضَوا أن يكون العراق
فندقاً عائماً لا بلاداً .
للّذين ارتضَوا أن يكون العراق
جبلاً من دشاديشِ غرقى.
للذين ارتضَوا أن يكون العراق
سوارَ العشيقةِ ...
أن تمسيَ البصرةُ الأُمُّ مبغى الخليجِ
وأن تتنصّلَ بغدادُ من إسمِها ...
للّذين ارتضَوا أن يكونوا الأدِلاّءَ
أن يَهَبوا كلَّ ما كنَزَتْ أرضُنا للغريبِ المدجَّجِ
أن يعبِدوا  أبرَهةْ
أن يقولوا : العراقَ انتهى ...
............
............
............
هؤلاء
سوف أجمعُهم ، ذاتَ فجرٍ ، بمقهىً على جَزْرةٍ بالفراتِ
وأحفرُ أسماءَهمْ في جماجمِهِم
وهمُ الصاغرون ...
* قصيدة " المحاكمة " للشاعر الكبير سعدي يوسف .
                                                       شاعر عراقي  مقيم في استراليا