الشيوعي الأخير يدخلنا جنة مقالاته طباعة

 باسم سليمان
عندما يكتب سعدي يوسف شيئا غير الشعر, يصبح كمن يخرج من ماء النهر ؛ ليجالس الضفة ويراقب ,كيف أنه لا يستحم بماء النهر مرتين؟!.
” مقالات غير عابرة ” عنوان كتابه الصادر عن دار التكوين/ دمشق , يفتتحه كعادته بأن يُخرج التفصيل/ اليومي  للرؤيا , فيمد الكلمة / الخطوة نحو أفاق مضمرة في السائد والمعتاد , فيخصبها بالآتي , فيحفز السؤال ويعطيه جناحي فينيق .

وبداية بالعنوان الذي يحيل أو لايحيل ؟! إلى محمود درويش – بقصيدته :أيها المارون بين الكلمات العابرة – التي أرادها صرخة تقفع غشاء الصمم في أذن العدو وكان لها ذلك ,لتصير الكلمة مرادفة لفعل التحرر وهنا سعدي يعكس العابر؛ ليستقر لكونه يخاطب سمع شعبه العربي الذي استبد به الصمم ليحرره أيضا من عداوة نفسه , فتأتي المقالات الأولى تختص بحمود درويش يعبر بها جسر الصداقة بينهما ويكشف خفايا وضعت بعض علامات الاستفهام حول درويش , ففي “قمر بغداد الليموني ” يميط سعدي اللثام عن حيثيات قبول محمود جائزة “المربد” وكيف أن محمود التجأ لقرية قصية في النرويج لكي لا يحرج أحدا إلى أن جاءه اتصال يحثه على قبوله كونه …. ؟! وأن محمود طلب رأي سعدي العراقي الأصيل , فجاء الجواب ” ليس بمقدوري , ولا من حقي أن أقول لك لا تذهب . لكن سأظل أتذكر , بكل اعتزاز أنك استشرتني مبديا استعدادك للأخذ بما أرى ” ويتابع في ” أيها الثاوي برام الله ” :هل سيقرأ العرب موجات الصنج الهائلة ؟ هل ستحملون صوتك الأدق رنينا الآن؟.
سعدي لا يكتب سيرة بل يقف موقف المتأمل في سرير نهره / الحياة / الشعر , فالشعر خبزه اليومي وهو المعجزة التي تستخدم اللغة العادية التي يقولها الصغار والكتّاب ومعجزته تتأتى من إن الشعر يعود باللغة إلى بداءتها, آن اللغة مرهفة كالوتر الحساس والشعر يقدم الخطوة الأولى في السلم الذي يحمل البشر للسماء . بيروت التي تنام على قلق وتستفيق على حدود في أوائل السبعينات وأمجد ناصر الذي زاره في منفاه حين كان يقيس نسبة ترسب الطين في أنهار العراق ” ومديح لمقهى آخر” حيث يضبط سعدي ساعة الرؤية الشعرية لأمجد ناصر لتصل لساعة ” الحياة كسرد متقطع ” ليقول عن الشعر وعن ناصر ” الفن تعلم دائم , مثل ما هو سفر دائم . وظل أمجد ناصر يتعلم . توقفه عند ناصر كان مكتملا بالنقد الذي يلاقي الشعر بالأحضان ليقول : أليس هذا هو الفن المتمكن .
” الشعر مغيِر في اللحظة الحميمة التي , تجمع بين الراهن والأبدي في عناق عجيب” ومقالة سعدي تلامس بأسلوب البندول ما قاله وكأنها تحبير ظل ما كتب . أهدى أدونيس قصيدة , فقامت دنيا العرب , هل حقا ثارت لما رأت أنه تعريض بأدونيس أم …؟! لكنه يقول : أدونيس محرّرِ في الشعر والفكر.
عراقه المبتلى بداء المثقف التابع الذي جاء على ظهر دبابات الاحتلال يرصده سعدي بدقة قناص ويصيب كبد كذبه وافترائه في مقالته ” محاولات في موضعة المثقف التابع” ورغم العدد الهائل لقراء هذه المقالة لم يأته رد واحد, ألهذه المرحلة  وصل الأمر؟! ” المثقف التابع بدأ مراوغا … يتفادى الضربة . أما الآن فقد أمسى القوة الضاربة , المستخدمة من جانب الاحتلال ووكلائه المحليين.
” أجوبة إلى بيت الشعر في المغرب” بطريقة خوزيه سارماجو يدمج السؤال بالجواب كنص واحد فلا فرق . يتقول عليه , فيقول : انتهيت إلى الأمر الصعب : لا وطن لا منفى . ليس من طقوس : إنه الضنى اليومي . حاجتي إلى فوضى الانجراف مثل حاجتي إلى دقة الانتظام …… , التنقيط عندي هو وقفة , للتمهل في استيعاب ما سبق وللتمهيد إلى ما سيأتي . ثم أنني لم أعد أشعر أنني شاعر. أنا الآن مدون حياة هي حياتي وحياة الناس . أنا لست شاعرا!. – امرؤ القيس ؟ : حامل لوائنا إلى الجنة . ممدوح عدوان ؟ : أحببت ما خفت من صوته . سركون بولص : هو الشاعر .
الكتاب يضم العديد من المقالات والترجمات ك “الملك كلوديوس” ل كافافي وعن نعومي كامبل وقراصنة الصومال وغيرها مما تعرضنا له أو لم نتعرض , كتاب يدخل في صميم التجربة الشعرية المعاشة لسعدي يوسف , كتاب يستهدي بنجمة شماله ويصنع بوصلة تحمي قارئه من عماء كثرة الجهات .
مقالات غير عابرة ل سعدي يوسف عن دار التكوين 2010
الثورة
باسم سليمان