شعريّة الأليغوريا طباعة

أو لعبة الوجه والقفا في الشعر العربي الحديث

شــوقي العنَيزي 

"إذا لم تجد البحر فانظر في باطن كفيك"

أوجين غيوفيك

نعنى في هذه الدراسة بضرب مخصوص من صور التخييل Figure d’expression par fiction الناجم أساسا من تعالق السرد بالشعر في الممارسة الشعريّة المعاصرة، وهو الأليغوريا allégorie.

ويعود أصل هذه اللفظة إلى الكلمة اليونانيّة allégoreïn وتعني "الكلام بطريقة أخرى" أي "أنّ الكلام عن شيء هو كلام عن شيء آخر". وقد عدّ فونتانيي الأليغوريا من المجازات التي تكون بعبارة متّصلة Tropes en plusieurs mots وأدرجها ضمن صور التعبير بالتخييل[1]. وعرّف هنري مورييه هذه الصورة المجازيّة قائلا: "إنّ الأليغوريا حكاية ذات طابع رمزيّ أو تلميحيّ وهي باعتبارها سردا تقوم على تسلسل أعمال وتعرض شخصيّات (كائنات بشريّة أو حيوانيّة أو تجريدات مشخّصة) تكون لصفاتها وأزيائها ولأعمالها وحركاتها قيمة العلامات، وتتحرّك هذه الشخصيات في مكان وزمان لهما بدورهما طابع رمزيّ (...) وتضمّ الأليغوريا دائما مظهرين: مظهرا مباشرا حرفيّا ومظهرا ثانيا يتمثل في الدلالة الأخلاقيّة أو النفسيّة أو الدينيّة"[2].

وتبدو صلة الأليغوريا بالسرد من خلال هذا التعريف وثيقة فالأليغوريا "لا تكون بلفظة مفردة وإنّما تقوم (...) على إحياء عالم معيّن مؤلّف من عدّة عناصر متداخلة"[3] فهي إذن صورة تنشأ داخل عالم تخييلي لمكوّناته أبعاد رمزيّة أو لنقل مع ميشال أكيان هي "صورة تنجم في سياق سرديّ ذي بعد رمزيّ"[4] وإذا ما استثنينا أحمد شوقي في حكاياته وأمثاله التي نسج فيها على منوال لافونتين ضمن ما اصطلح عليه بالأليغوريا الساذجة أو البسيطة allégorie naïf فإنّ هذه الظاهرة تكاد تنعدم في الشعر العربيّ الحديث ولم ننتبه إلى تواترها إلاّ في المدوّنة الشعريّة المعاصرة لا سيّما مع الشاعرين سعدي يوسف من العراق، وفتحي النصري من تونس ما جعلها تمثل بلاغة جديدة ما تزال تفتقر إلى التدبّر والدرس، ولعلّ الإحساس العميق بعدم الالتفات إلى هذه الظاهرة هو الذي دفع حسب اعتقادنا الشاعر فتحي النصري إلى الانكباب على دراستها في أطروحة الدكتوراه التي أنجزها سنة 2003 تحت عنوان "السرديّ في الشعر العربيّ الحديث، أشكال حضوره ووظائفه" وأصدرها بعد ذلك بثلاث سنوات في كتاب موسوم بـ"السرديّ في الشعر العربيّ الحديث، في شعريّة القصيدة السرديّة"، ثمّ أشفع هذا الكتاب بثانٍ عُني فيه بـ"شعرية التخييل، قراءة في شعر سعدي يوسف" وكأنّ الغربة التي يعيشها الشاعر في ممارسته الإبداعيّة هي التي أملتْ على الناقد فيه العناية بهذه الظاهرة الجديدة عساه يقلّص المسافة بين النقد وهذا الضرب الجديد من الكتابة الذي يعزف أصحابه عن التوسّل بالأدوات البلاغيّة المألوفة في إنتاج الصورة مثل الاستعارة والتشبيه ويجنح إلى المجازات المرسلة التي تتلاءم وطبيعة السرد وفي مقدّمتها الأليغوريا[5]. لذلك فقد أفدنا من عمليْه النقديّين أيّما إفادة في الإطلالة على تجربته الشعريّة التي تمثـّل في نظرنا استثناءً في المشهد الشعريّ العربيّ، وتعميق رؤيتنا لشعر سعدي يوسف، فباستثناء هذين الكتابين، ومقالٍ لصبحي البستاني، موسوم بـ"الدلالة المجازيّة في الحكاية الرمزيّة والرمز"[6] لم نعثر في ما اطّلعنا عليه في المدوّنة النقديّة العربيّة الحديثة على أيّ كتاب يُعنى بهذه الظاهرة.

إنّ هذه الأسباب مجتمعةً هي التي حدت بنا للنظر في مدوّنة الشاعرين سعدي يوسف وفتحي النصري بغية الوقوف بجلاء على طرائق تشكّل المعنى في هذا الصنف من القصائد التي تنحو منحى سرديّا واضحا لا لبس فيه، فإذا أنعمنا النظر فيه وجدنا أنّ معاني القصيدة الظاهرة حجاب لمعاني أخرى أخفى وأدقّ. وسوف نعتمد في مقاربتنا لقصائد المدوّنة التي اخترنا على الفصل الذي أجراه هنري مورييه بين الأليغورية المقصودة allégorie volontaire وهي تلك التي يقصدها الكاتب عن وعي منه بهدف تجنّب الوقوع في الخطاب المباشر المفضوح وفيها يكون الانتقال من المعنى الحقيقي أو الظاهر إلى المعنى الرمزيّ أو الخفيّ ضروريّ لتستقيم دلالة النصّ، فلا مبرّر لوجود الحكاية إلاّ نقل المعنى الرمزيّ وهو ما يفيد وجود قصد أو تخطيط سابق لها، وبين الأليغوريا غير المقصودة allégorie involontaire أو الممكنة[7] allégorie contingente وهي تلك التي تنجم من السياق السرديّ دون تخطيط سابق لها، وتكون الدلالة الرمزية في هذا الضرب من الأليغوريا غير ضروريّة، أي أنّ الحسّ السليم لا يقتضيها ليستقيم المعنى في النصّ، وإنّما هي ممكنة فحسب، بفعل القراءة والتأويل.


1) الأليغوريا المقصودة:

كثيرا ما تقترن الأليغوريا المقصودة بمضامين سياسيّة أو تحوّلات إيديولوجيّة يتجنّب الشاعر التعبير عنها بشكل مباشر مثلما هو شأن قصيدة "الوردة المستحيلة" لسعدي يوسف والتي نجتزئ منها هذا المقطع:

"منذ عشرين عاما وعامين

لي منزل بدمشق العتيقةِ،

جدرانه راحتايَ

وأشجاره لهفتي،

منزل في دمشق العتيقة

حاذرتُ أن يطأ العابرُ المتعجّل أعشابه،

أو يراهُ المتاجرُ،

أو تدّعيه الغيوم الجديدهْ،

إنّه الآن يمشي معي

في البلاد التي كرهتْ

والبلاد التي هويتْ

والبلاد التي لا أراها"[8].

يمنح هذا المقطع نفسه لمقاربتين مختلفتين أو هو يوهم بمعنى ظاهر بيّن إذا تتبّعناه أسلمنا إلى معنى آخر خفيّ، فالظاهر المقصود استرجاع الشاعر لمنزل له بدمشق العتيقة يمثل الإطار الذي قضّى فيه فترة من حياته أثناء إقامته بدمشق، وتتعزّز هذه الدلالة المباشرة من خلال حرص سعدي يوسف على تحديد الإطار الزمانيّ بدقّة "منذ عشرين عاما وعامين" أي منذ اثنين وعشرين عاما، فإذا انتبهنا إلى تاريخ كتابة هذه القصيدة ومكانها من خلال الإطار الذي ذيّلها به الشاعر "دمشق آذار 1979" - وغالبا ما يعمد سعدي يوسف إلى تحديد تواريخ قصائده والأمكنة التي كُتبت فيها- تفطّنّا إلى أنّ الفترة الزمنيّة التي تخبر عنها القصيدة تعود إلى سنة 1957 زمن المدّ الشيوعي في سوريا والعراق وزمن الإعداد للثورة.

ههنا، تحديدا يقف في وجه القراءة الأولى ركام من الصور المجازيّة تتعطّل بموجبه هذه المعاني الظاهرة لتسلمنا إلى قراءة ثانية: "حاذرتُ أن (...) تدّعيه الغيوم الجديدهْ /إنّه الآن يمشي معي (...)" فما معنى أن يحافظ الشاعر على هذا المنزل حتى لا تدّعيه الغيوم الجديدة لها؟ وما معنى قوله: "إنّه الآن يمشي معي /في البلاد التي كرهتْ/ والبلاد التي هويتْ/ والبلاد التي لا أراها"؟.

يقول أمبرتو إيكو: "إنّ المتلقي يؤوّل ملفوظا ما تأويلا مجازيّا عندما يُدرك عبثيّة المعنى الحرفيّ. أمّا إذا كان المقصود من هذا الملفوظ هو بعده الحرفيّ، فسنكون حينها أمام شذوذ دلاليّ"[9].

إنّ امتناع المعنى المباشر الظاهر هو الذي يفضي بنا إلى المعنى الثاني فإذا المنزل معادلٌ موضوعيٌّ[10] لإرهاصات الثورة "جدرانه راحتاي/ وأشجاره لهفتي" وإذا الغيوم الجديدة معادلٌ موضوعيّ للاتّجاهات الإيديولوجيّة الجديدة لذلك فقد كان الشاعر يحرس هذا الحلم من خطى العابر المتعجّل وعين المتاجر رمز التقلّب والانتهازيّة في هذا السياق. فالقصيدة لا تخبر عن سيرة الذات بقدر ما تخبر عن تحوّلات الثورة وتملّك اليأس لهذه الذات نتيجة استعصاء الحلم عن التحقّق وابتعاده شيئا فشيئا لذلك وسمها الشاعر بـ"الوردة المستحيلة" وانغلق مقطعها الأخير على جملة من الاستفهامات تظلّ معلّقة ما لم يتحقّق الحلم:

"هل أتى حبّنا الصعب؟

هل آذنتْ، بعدنا الوردة المستحيلةُ؟

هل آذنتْ مدنٌ في دمشق:

انتسبتُ إلى بعضها

وتناسبتُ في بعضها

وتناسيتُ بعضا؟"[11]

تضيءُ كلّ هذه الإشارات المعنى الثاني للقصيدة وتفرضه فرضا لتغدو أليغوريا مدارها على اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة التي كان يحلم الشاعر بتشييدها زمن انتمائه إلى الحزب الشيوعي العراقي، وقد تحاشى التعبير عنها بشكل مباشر وإنّما جسّدها عبر جملة من العناصر: "المنزل، الغيوم الجديدة، الوردة المستحيلة..." فتجنّب بذلك الوقوع في فخّ الوضوح الفجّ الذي من شأنه أن يسقط القصيدة في التقريريّة المباشرة ويحدّ من طاقتها الإيحائيّة، وإنّما عبّر عن هذه الأفكار المجرّدة من خلال الصورة واضعا مفاتيح قراءتها في القصيدة ذاتها بحيث لا تستقيم معاني القراءة الأولى إلاّ بواسطة الانتباه إلى المعاني الخفيّة المقصودة.

ولا يحيد الشاعر التونسيّ فتحي النصري عن هذه الطريقة في التعبير إذ كثيرا ما يتوسّل بالأليغوريا لإبراز التحوّلات التي تعيشها الذات في مستوى الوعي مثلما هو شأن قصيدة "الوهم":

"مثلما فاجأتُ نفسي

ها أنا أفجؤكَ الآن بترتيب جديد

غرفتي غيّرتُ فيها كلّ شيْ

إنّني أنسلّ من ذاتيَ كي أغتال أوهامي

فلا تقسُ عليْ"[12]

يقوم المقطع الأوّل من هذه القصيدة على خطاب مباشر من الشاعر إلى صديقه ر. م الذي لم يفصح عن اسمه وإنّما اكتفى باختزاله في الحرفين الأوّلين من الاسم واللقب مهديا إليه هذه القصيدة "إلى صديقي ر. م"، فتتوثّق من خلال هذه العتبة علاقة النصّ بمرجعه. لذلك جاء في شكل تقريريّ واضح مداره على التحوّل المفاجئ في حياة الشاعر وارتبط بجملة من المفردات الدالّة على هذا التحوّل "فاجأتُ نفسي، أفجؤك، ترتيب جديد، غيّرتُ.." ومثلت الغرفة إطارا لهذا التحوّل "غرفتي غيّرتُ فيها كلّ شيء" فإذا النصّ رسالة واضحة إلى الصديق تخبر بالتحوّل وتلتمس عدم القسوة وسوء الفهم. ولكن ما الغريب في هذا التغيير حتى يطالب الشاعر صديقه بعدم القسوة؟

يأتي المقطع الثاني ليقدّم الإجابة ويصبغ على كلّ مكوّنات النصّ بعدا رمزيّا تخرج المعاني بمقتضاه من ظاهر غير مقصود إلى باطن قصده الشاعر وخطّط له:

هذه الصّورة في أعلى الجدار

صورتي أقصى اليسار

تتلاشى

تتوارى...

مستحيل أن تراني الآن فيها،

كم يظلّ الوهم نجما؟

كم يظلّ الوهم وهمًا؟

إنّما يسقط حتما

مثلما غارت ظلالي في الإطار

مثلما عصفوريَ الطالع من منفاي طار"[13]

إنّ صورة الذات التي تتلاشى وتتوارى غيرُ مقصودة في ذاتها وإنّما هي وسيط للعبور إلى صورة أخرى هي صورة الشيوعيّ الذي يتلبّس به اليأس من قيمة ما كان يتبنّاه من أفكار فيعلن الخروج من هذا الإطار الفكريّ "أقصى اليسار" لما يتسم به من مثالية وتعالٍ على الواقع "أعلى الجدار" فهو لا يعدو أن يكون ضربا من الشعارات والمثل العصيّة على الإنجاز لذلك لا يرى الشاعر فيها غير وهمٍ سقط وآن الخروج من دائرته، ولعلّ ذلك ما يجعل الصور التي ترشح بها القصيدة عديمة المعنى دون التفطّن إلى جانبها الرمزيّ فالتحوّلات التي تقع في البيت رمز للتحوّلات التي تحدث في العالم، والضّلال الغائرة في الإطار ليست سوى دليل عن غياب الذات من الإطار الإيديولوجي الذي كانت تتحرّك فيه، وهو ما يبرزه التشبيه في قوله: "مثلما عصفوريَ الطالع من منفاي طار" وكأنّ الشاعر يعزف بذلك عن الخطاب المباشر الذي يعرّي القول ويفضحه إلى الأليغوريا بوصفها شكلا من أشكال الترميز، وهذا ما يسم الكتابة الشعريّة لدى فتحي النصري، فهذا الشاعر على عكس أبناء جيله ممّن أمّهم الحزب الشيوعي التونسيّ لا يجنح إلى الخطب المباشرة التي تستمدّ قيمتها من نبل ما تطرح من أفكار متجرّدة أو تكاد من كلّ قيمة فنية، ولا يعوّل على الأساليب البيانيّة المألوفة كالاستعارة في إنتاج المعنى، وإنّما ينحو منحًى آخر في الممارسة الشعرية يقوم أساسا على كسر الغنائيّة، والاحتفاء بالتفاصيل والجزئيات العابرة وهو ما تدعمه النزعة التأمّليّة عند هذا الشاعر وتغذّيه، لذلك فإنّ ميله إلى التعبير من خلال الصور الأليغورية غير مقصور على القصائد ذات المنحى الأيديولوجي مثل "الوهم" أو "القميص"[14] أو قصيدة "حشيش"[15] وإنّما يتجاوزها إلى بقيّة القصائد الأخرى المستلهمة من تجربة الشاعر في الحياة أو من بعض المشاهد العابرة التي يقتنصها ويجعلها مادّة لبناء القصيدة مثلما هو شأن نصّ "العصافير":

مساء السبتِ

تهتاج العصافيرُ

ولا تهدأْ

وإذْ تهفو إلى الأشجارِ

يقصيها أزيز الزنكِ

أو صفّارة الشرطيْ

فترتدّ إلى الأجواء أسرابا

فأسرابا

تذبّ التيهَ،

لا تهدأْ

وقد تستنفر الآفاقَ

أو توغل في حانٍ

وما ثمّة من ملجأْ"[16]

تصف القصيدة مشهد العصافير في الشارع الرئيسيّ في العاصمة التونسيّة، وهو مشهد متكرّر مألوف لكلّ من يقطن هذه البلاد أو يزورها أكثر من مرة، وهي بذلك وثيقة الصلة بمرجعها لا تعدو أن تكون نقلا حرفيّا لما تشاهده العين إذ ينقل الشاعر حالها النفسيّة "تهتاج"، "لا تهدأ" وحركتها "ترتدّ إلى الأجواء أسرابا فأسرابا"، "تستنفر الآفاق" وعلاقة الصراع التي تجمعها بمختلف مظاهر المدينة "أزيز الزنك" "صفّارة الشرطيّ"، ومن هذه الزاوية تستمدّ القصيدة شعريّتها، أي من هذا التوتر بين عالمين مختلفين عالم الطبيعة الذي يجاهد لكي يكون "الأشجار، العصافير، الأجواء، الآفاق" وبين عالم المدينة الذي يبتلع العالم الأوّل ويفضي إلى اغترابه، فينغلق النصّ على هذه المفارقة التي تزيد من تعميق صورة الاغتراب:

"وقد تستنفر الآفاق

أو توغل في حانٍ

وما ثمّة من ملجأْ"

ولكنّ هذه القراءة سرعان ما تتراجع لتمنح نفسها لقراءة ثانية يدعمها التحديد الزماني "مساء السبت" ويمثل بداية العطلة الأسبوعيّة وفيه يكون الإطار المكانيّ الموصوف آهلا بالناس ضاجّا بزحامهم، واستعارة "توغل في حان" لتغدو حركة العصافير صورة أليغورية ترصد حركة الناس في الشارع الرئيسي للعاصمة وكأنّ مشهد العصافير وهي تهفو إلى الأشجار قد ألمح إلى الشاعر بمشهد الناس وهم يبحثون عن ملاذ يحتمون به من الزحام، فاختار الصورة الأولى للتعبير عن الثانية وبذلك يكون مغزى الأليغوريا الإبانة عن حالة الضياع التي تتلبّس بالكائن وتدخل به في دوامة البحث عن مأوى.

إنّ هذه السمة تحديدا هي التي تجعل الكتابة عند فتحي النصري أو سعدي يوسف في هذا الضرب من النصوص خاضعة إلى تخطيط مسبق، ففي البدء تكون الفكرة أو المشهد ثمّ تأتي اللغة لتنقل ذلك المشهد بشكل غير مباشر من خلال الصور الأليغورية، لذلك يمكن وسْم هذه الشعريّة بكونها شعريّة مدلول لا شعريّة دالّ لأنّ الحركة فيها تكون من الأشياء إلى الكلمات لا من الكلمات إلى الأشياء مثلما هو شأن بعض التجارب المعاصرة ولا سيّما تجربة أدونيس. ولعلّ هذه العناية الفائقة بالجزئيات والتفاصيل هي التي عمّقت المنحى التأمّلي لدى هذين الشاعرين فاختارا التعبير بالصورة حتى في أكثر المواضيع تجريدا أو أكثر الأسئلة حيرة مثل السؤال الوجودي. وهو ما تتكفّل بإبرازه قصيدة "الورقة"[17] لسعدي يوسف وقد استهلها الشاعر بحركة بحث عمّا يمنح الإنسان الإحساس بقيمة الحرّية:

"ماذا في غرفة هذا الفندق، كي تشعر أنّك حرّ؟"

ثمّ ينتقل الشاعر بعد هذا الاستفهام إلى تحديد فضاء الغرفة ونقل مكوّناته:

"مروحة السقف اصفرّت منذ سنين

وأغصان السّجادة ناصلةٌ،

والأستارْ

ورق الحائطِ

والطاولةُ...

الكرسيّ المخلوع على قائمتين ونصفْ

والدولاب بلا باب"

إنّ كلّ مكوّنات هذا الفضاء توحي بالترهّل والبلى وتدعم الإحساس بالجمود والثبات، لذلك سرعان ما يتجاوزها الشاعر إلى الورقة عساه يظفر فيها بهذه الحرّية المفقودة:

"لكنّك تبحث، ملدوغا، عن ورقهْ

واحدةٍ

حتّى واحدةٍ...

....................

....................

أتكون هي المرآة؟"

فتتكشّف حينئذ وظيفة الكتابة بوصفها وسيلة لمجابهة الإحساس بالفقد، ألا تنبني كلّ كتابة أصيلة على الشعور الممضّ بالغياب؟ أليست استحضارا للغائب وإنشاءً للمفقود؟

إنّ الاستفهام الذي تنغلق عليه القصيدة "أتكون هي المرآة" هو الذي سيخرج بجمّاع التفاصيل التي وردت في المقطع الأوّل من دلالتها المباشرة لتتلبّس بأبعاد جديدة إذ تغدو هذه الأشياء الموصوفة بمثابة المرآة الأولى التي ترى فيها الذات ذاتها فينتابها الإحساس بالثبات والجمود في عالم لا يتغيّر، لذلك يلوذ الشاعر بالكتابة عسى تكون الورقة المرآة الحقيقيّة التي يرى فيها ذاته كما يشتهي أن تكون ويستمدّ منها الإحساس بهذه الحريّة المفقودة. وباكتشاف هذه الدلالة نكون قد تبيّنا وظيفة الحكاية وخضوعها الكلّي للمعنى المجرّد، ولعلّ هذا ما يجعل قدرتها على الإيحاء الشعريّ محدودة إذ أنّ طاقتها تستنفذ بمجرّد اكتشاف دلالة الحكاية ولهذا السبب غضّ بعض الباحثين من قيمتها الشعرية[18]. ولئن كانت القصديّة الواضحة والتخطيط السابق للنصّ من أبرز سمات الأليغوريا المقصودة، فإنّنا كثيرا ما نظفر في مدوّنة الشاعر بصور أليغورية لا تخضع إلى قصديّة واضحة، بل تنجم من السياق السرديّ دون تخطيط سابق لها.

2) الأليغوريا الممكنة

لئن كان العبور من الدلالة الحرفية الظاهرة إلى الدلالة الخفية أمرا ضروريا في الأليغوريا المقصودة إذ لا تستقيم معاني القصيدة دونه، فإنّ الأليغوريا الممكنة تقدّم نفسها بوصفها صورة مكتفية بذاتها في غير حاجة إلى قراءة ثانية كي تستمدّ شعريّتها وتستوي معانيها وهي، إضافة إلى ذلك، لا تمنح مفاتيحها إلى المتقبّل بيسر وتشي بأسرارها وإنّما يتفطّن إليها بعد طول تدبّر للنصّ وطول معاشرة لتجربة الشاعر بالنظر في علاقة القصيدة بصاحبها والأواصر التي تشدّها إلى السياق المفرز لها أو بالنظر في بعض الرموز العرضية التي بدأت تتشكّل في تجربة شاعر ما دون وعي منه بدلالتها أو بوضع النصّ في إطاره العام إذ يعقد علائق خفيّة بغيره من نصوص الشاعر. ولعلّ قصيدة "صاحب الورد"[19] لفتحي النصري كفيلة في هذا السياق بإبراز الطريقة التي تتشكّل بها الأليغوريا الممكنة:

"كان تحت سماء الخريف الثقيلةِ

وفي ضجّة الزاحمينَ

ينضّد ورداتهِ

ثمّ يأخذها وردةً

وردةً

لينقّيَ أوراقها من شوائبها

أو ليستلّ ذابلها

فإذا ما استوت عبّ من سرّها

ثم أودعها الآخرينْ

كان يفعل ذلك متّئدا

غير مكترث بسماء الخريف الثقيلة

أو ضجّة الزاحمينْ"

ينقل الشاعر في هذه القصيدة مشهد بائع الورد والأطوار التي يمرّ بها في عمله مبرزا الإطار الذي يتحرّك فيه "تحت سماء الخريف الثقيلة/ في ضجّة الزاحمين" وهو إطار مفارق لطبيعة الفعل الذي يقوم به.

ومن هذه المفارقة الأمّ ستتولّد في النصّ جملة من المفارقات تشيع فيه جوّا من التوتّر (الخريف ≠ ورداته) (الضّجة ≠ الهدوء والتراخي في القيام بالفعل: ينضّد... ثمّ...) ( الزاحمين: جمع ≠ هو: مفرد). والقصيدة كلّها منشدّة إلى بائع الورد إذ تقدّم جملة من الأحداث الرّئيسيّة المتعلقة به يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1- استغراق بائع الورد في موضوعه والعناية الشديدة به.

2- الانفتاح على الآخر بعد اكتمال الموضوع.

3- عدم الاكتراث بالسياق الخارجيّ.

وتقودنا كلّ هذه الأحداث إلى الطبيعة الذاتية لمثل هذا العمل لما يتطلّبه من ذوق وحبّ في معالجة الموضوع (الورد) لذلك لم يسم الشاعر قصيدته بـ"بائع الورد" وإنّما وسمها بـ"صاحب الورد" لما توحي به هذه العبارة من علاقة حميمة بين الورد وبائعه، منها يكتسب الفعل قيمته فرغم ما يومئ إليه السياق الذي يحيط به من دلالات الموت والذبول وما تومئ إليه البنية الدائريّة للقصيدة من حصار يطوّق هذا الفاعل، ينتصب صاحب الورد في مواجهة السياق ليمنح البهجة للآخرين، فمن عمق الخريف تينع وروده ومن قلب الضجّة تنبع حركته المتّئدة.

تبرز هذه السمات مجتمعة أنّ القصيدة مكتفية بذاتها تستمدّ شعريّتها من هذا النسيج من العلاقات الذي أجراه الشاعر بين الفاعل وسياقه، وهي بذلك لا تحتاج إلى قراءة ثانية لتنجلي معانيها.

ولكنّنا إذا وضعناها في إطار أكبر بالنظر في علاقتها بالشاعر وببقيّة قصائد المجموعة أمكن لنا أن نذهب وجهة أخرى في التأويل. فما الذي حرّك الشاعر في هذا المشهد حتى ينقله لنا؟ ولماذا خصّص القسم الأوّل من ديوانه قالت اليابسة الموسوم بـ"طفولة الورد"[20] للعناية بالطفل والوردة؟ أليس الشاعر سوى ذلك الطفل الماثل فيه؟ ألم يرَ الشاعر في صاحب الورد نفسه. فحرّك فيه هذا المشهد الرغبة في الكتابة إذ أضاء فيه نقطة خفيّة من ذاته؟

تفضي بنا هذه التساؤلات إلى قراءة ثانية وهي قراءة غير ضروريّة لأنّ القصيدة لا تحتاج إليها لكي تنهض، بل تظلّ في حيّز الإمكان تثري النصّ ولا تجرّده من شعريّته ومدارها على الممارسة الشعريّة بما تنطوي عليه من شطب وتشذيب "ينضّد ورداته / ثمّ يأخذها وردة / وردة/ لينقّي أوراقها من شوائبها / أو ليستلّ ذابها" وبما يحرّكها من غايات لعلّ أبرزها إسعاد الآخرين، فالكتابة مكابدة ذاتيّة ومجاهدة هدفها انتشال المتقبّل من عالمه والدخول به في عالم جديد عناصره اللغة وماؤه الخيال فمثلما يجاهد صاحب الورد لتستوي وروده وتكون في أجمل مظهر، يجاهد الشاعر حتى يخلّص قصيدته من زوائدها ويقدّمها بوصفها عملا فنّيا متكاملا إذا حذفنا منه كلمة اختلّ بناؤه وتهاوت معانيه.

وإذا كانت الأليغوريا المقصودة سمة لقصائد الشاعر الأولى أملاها عليه في أغلب المواضع نداء الإيديولوجيا، فإنّ الأليغوريا الممكنة سمة أساسيّة لقصائد الشاعر التي ستتعاقب في تجاربه المتقدّمة بعد ذلك، وهي ناجمة عن هذا التداخل العفوي للذات بموضوعها، مثلما هو شأن نصّ "صرصرة"[21] في ديوان سيرة الهباء، حيث يعيدنا صوت الصرّار بفعل الأليغوريا الممكنة إلى صوت الشاعر:

"الآنْ

في شبه الظلّ،

على الإسفلتْ

ماذا يقصد

هذا الظليل سليلُ الليلِ

الخارج أعقاب الفصلْ

إذ يطلق في سمع العالمْ

بجناحينْ

مغدورينْ

أقوى من صفّارة إنذارٍ

أنقى من شبه مأساةْ

أطولْ صرصرة خرساءْ

هرستها العرباتْ؟"

تقوم القصيدة على سؤال إنكاريّ مداره على حال الغربة والضياع التي يعيشها الصرّار، هذا الكائن الذي يتميّز بصياحه الليليّ الرقيق، بفعل التحوّلات التي داخلت العالم من تراجع لحضور الطبيعة وزحف للصناعيّ بما يحمله من ضوضاء وتشييئ للذات. وهي بذلك إنّما تستمدّ شعريتها من المفارقات التي تحفل بها بين الطبيعي "سليل الليل/ أعقاب الفصل.." والصناعيّ "الإسفلت / صفّارة إنذار/ العربات" وما يتولّد عن التداخل بينهما من معاني الغياب "شبه الظلّ" والغدر "بجناحين مغدورين" والموت "أطول صرصرة خرساء /هرستها العربات". ولكنّ التصدير الذي افتتح به الشاعر هذا الديوان يدعم إمكانية أخرى في القراءة يغدو بمقتضاها صوت الصرّار صوت الشاعر أو الفنّان عموما في عالم تغلّقت فيه أبواب الخلاص وانهارت على قارعته شتّى الإيديولوجيّات، وصار قرية منذورة للحروب والتطاحنات انطفأت فيها الجواهر وعمّ اليأس:

يقول فتحي النصري في تصدير ديوانه "سيرة الهباء" وفي عنوان هذا الديوان أكثر من إيحاء:

"لا جدوى من الذهاب هناك

لا عزاء في البقاء هنا

ذلك هو العذاب الذي يعذّبنا دون أن يمنحنا أيّة متعة

إنّ الموجة التي لم ترتق أسباب السماء ولم تغرها الهاوية ظلّت وعودها زبدا يتطاير من رغاء بعير كظيم.

فهل تقدر هذه الإيقاعات القاسية أن توقظ في المياه الحزينة رغبة الخرير؟

إنّها تؤلّف للروح مسيرة أحراش لم تطأها أقدامنا أبدا

وليكن أنّها بلا حكمة

وليكن أنّها لا تسمّي بديلا.

فلعلّها ما بقي من متعة في عالم لا يمحنا أيّة متعة.

ولعلّ الآتين لا تكون عزلاتهم أشدّ وطأة"[22].

إنّ هذا التصدير الذي يرشح بمعاني اليأس وغياب المعنى في عالم تتساوى فيه الأضداد وتتوحّد المتناقضات "لا جدوى من الذهاب هناك / لا عزاء في البقاء هنا" وتغدو فيه الذات غريبة منكفئة على نفسها في "عالم لا يمنحها أيّة متعة"، هو تحديدا الذي قادنا إلى القراءة الثانية التي تجعل من الصرّار رمزا لمحنة الشاعر وضياعه، ولكنّها كما أشرنا إلى ذلك سابقا، تبقى قراءة ممكنة تثري المعاني الظاهرة للقصيدة وتوسّع من دلالتها دون أن تطرحها جانبا أو تغني عنها. فكثيرا ما تتلبّس ذات الشاعر بالأشياء فتقولها وتقول نفسها من خلالها فتصبح العلاقة بين الذات وموضوع تأمّلها شبيهة بالثنْية[23] Le pli حيث يلتبس الداخل بالخارج والخارج بالداخل فإذا النظر في الأشياء نظر في الذات وإذا الإخبار عن صيرورتها إخبار عن صيرورة الذات، وفي هذا السياق تتنزّل كثير من قصائد سعدي يوسف إذْ لم يكن نصيب شعره من الأليغوريا أقلّ  وفرة من شعر فتحي النصري  ولكنّنا نكتفي في مقامنا هذا بواحدة من قصائده وهي قصيدة "القنفذ" التي يستمدّ الشاعر مرجعيّتها من الواقع الطبيعي المهمل فيلتقط صورة "القنفذ" بطريقة تبدو بسيطة وكأنّه يقدّم شخصية مجهولة تعرّف لأوّل مرة. أو نسيها القارئ والشاعر يذكّره بخصائصها:

"يكمن في قارّته القديمة

منكمشا بين تراب الشمس والعشب المسائيّ

وحيدا،

بطنه الأبيض مشدود كجلد القوس

والعينان تشتفّان صوت النمل

والرجفة في الماء الذي يخترق الجذع

وتشتفّان ما يلمسه الطفل إذا جنّ

وما يلبسه الليل إذا جنّ

وما تأتي به الأشجار أو تأتيه"[24]

يبدو المقطع الأوّل من القصيدة واضحًا جليًّا مداره على وصف "القنفذ" بتحديد إطاره المكانيّ "في قارّته القديمة / بين تراب الشمس والعشب المسائيّ" وإبراز أحواله "منكمشا / وحيدًا" ونقل أوصافه من خلال التشبيه "بطنه الأبيض مشدود كجلد القوس" وكأنّ الكتابة ههنا استحضار للقنفذ من عالمه المجهول وانتشال له من دائرة النسيان عبر اللغة.

ولكنّ هذا النصّ الواضح الجليّ سرعان ما يشرع في الابتعاد عن فهم القارئ بارتكاز الموضوع الشعريّ فجأة على عينيْ القنفذ، فتبدأ الحيرة تنشأ متدرّجة إذ ما هو الشيء الذي يلمسه الطفل إذا جنّ ويلبسه الليل إذا جنّ وتأتي به الأشجار؟ هل هو المجهول في عين الطفل أم الظلام في لباس الليل أم الظلّ في هيأة الشجر؟

وبمجرّد نشوء السّؤال يدخل موضوع الشعر في ضبابيّة لا تخلو من تشويش، مها تستمدّ القصيدة طاقتها الإيحائيّة إذ تقود القارئ باستمرار إلى معنى أعمق وهو يكتشف في كلّ مرة وجها أخفى لهذا الموصوف:

"هذا الكامن المأخوذ بالأشياء في قارّته القديمة

والمحتبى في الغفلة العظمى"[25]

فنلاحظ أنّ المرجع الأساسي الذي هو القنفذ" ليس سوى مرآة يرى من خلالها الشاعر ذاته، ما يجعل القراءة الثانية ممكنة فيغدو القنفذ رمزا للشاعر المنغلق على ذاته في عالم يلفّه الهجر والنسيان.

إنّ الدلالة الرمزية في الأليغوريا الممكنة تظلّ إمكانا من إمكانات القراءة وليست ضروريّة مثلما هو الشأن في الأليغوريا المقصودة حيث يكون المعنى الظاهر أو الحقيقي غير مقصود لذاته وإنّما هو مجرّد مجاز إلى المعنى الخفيّ ولذا لا يمكن الاكتفاء به. والحقّ أنه لا فرق في تقديرنا بين الأليغوريا الممكنة وما يدعوه مورييه رموزا ممكنة[26] Symboles Contingents بل إنّ الأليغوريا الممكنة رمز ممكن وهي مثله متعدّدة الدلالات. ولا يسعنا إلاّ أن نقرّ ما ذهب إليه هذا الباحث من أنّ هذا الضرب من الأليغوريا، وهو في تقديره إفراز للتأمّل العميق في العالم أقرب أنواع الأليغوريا إلى روح الشعر[27] ذلك أنّ وظيفة الشعر الأساسيّة وهي الإيحاء تقتضي منه أن يشير ولا يسمّي وأن يومئ ولا يقرّر أو يُعلم.

ولكنْ مهما يكن من فرق بين الأليغوريا المقصودة أو الممكنة، فكلاهما ينتمي إلى شعريّة المدلول حيث يكون المعنى مجازا إلى معنى آخر خفيّ. ولئن اختار هذا الاتجاه في الممارسة الشعريّة المعاصرة هذه الآليات المخصوصة في إجراء المعاني وتصريفها، فإنّ اتجاها سينشدّ بتأثير من التصوّرات الغربيّة للكتابة،إلى شعريّة الدّالّ ويذهب في الاحتفاء بها إلى أقصى طاقاتها التعبيريّة حتى تتعطّل الوظيفة التواصليّة للغة وتدخل القصيدة مدارات غامضة يتناثر فيها المعنى وتغيم الدلالة.

 

 

 



[1]- Pierre Fontainier, Les figures du discours, p111-114.

نقلا عن فتحي النصري، شعريّة التخييل: قراءة في شعر سعدي يوسف، مسكيلياني للنشر، تونس 2007.

[2] -Henri Morier, Dictionnaire de poétique et de rhétorique, P.U.F, 1981, p65.

نقلا عن فتحي النصري، شعريّة التخييل

[3] - صبحي البستاني، الدلالة المجازيّة في الحكاية الرمزيّة والرمز، الفكر العربيّ المعاصر، ع 3/1986، ص15.

نقلا عن فتحي النصري، شعريّة التخييل.

[4] - Michèle Aquien, Dictionnaire de Poétique, Librairie Générale Française, 1993, p45.

[5] - إنّ الكلام على المجاز المرسل يدخل في إطار العناية بصور المجاورة، فهو عند البلاغيين العرب "كلمة استعملت في غير معناها الأصليّ لعلاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إيراد المعنى الأصليّ.. ومن علاقات المجاز المرسل عندهم: واعتبار ما يكون والمحليّة والحاليّة. وهذا التحديد لت يتعارض إجمالا مع ما نجده عند الغربيّين قبل ظهور الدراسات اللبنانية المعاصرة، ولقد تنامى الاهتمام بهذه الصورة البيانيّة في الأبحاث اللسانية فذهب جاكبسون إلى أنّ اللغة تقوم على قطبين هما قطب المجاز المرسل وقطب الاستعارة إذ "يمكن للخطاب أن يتقدّم على خطّين دلاليين مختلفين، هناك موضوع يسوق موضوعًا آخر إمّا بالتماثل أو بالتجاور، ومن الأفضل على ما يبدو أن نتكلّم عن عمليّة استعاريّة في الحالة الأولى وعن عمليّة مجازية (Métonomique) في الحالة الثانية، ذلك لأنّ الأولى تجد تعبيرها الأشدّ كثافة في الاستعارة والثانية تجده في المجاز المرسل "ولعلّ هذا ما يفسّر هيمنة الاستعارة في المدرستين الرّومنطيقية والرمزية، في حين أنّ المجاز المرسل هو الذي يسيطر على التيّار الأدبي المسمّى بالواقعيّ ويحدّده بالفعل (...) فالكاتب الواقعيّ بتتبّعه طريق علاقات المجاورة يقوم باستطرادات مجازيّة يتنقّل فيها من الحبكة إلى جوّها ومن الشخصيات إلى الإطارين المكاني والزماني، إنه شغوف بالتفاصيل المجازية". - فتحي النصري، السردي في الشعر العربي الحديث، في شعريّة القصيدة السردية، مسكيلياني للنشر، تونس 2006، ص ص 205-207.

-R. Jakobson, Huit questions de poétique, Ed. Seuil, 1977, p64.

[6] - صبحي البستاني، الدلالة المجازيّة في الحكاية الرمزية والرمز، الفكر العربي المعاصر، ع3 / 1986.

[7] - Henri Morier, Dictionnaire de Poétique et de rhétorique, p83.

[8] - سعدي يوسف، الأعمال الشعرية الكاملة، المجلد الثاني، دار العودة، بيروت، 1988،  ص52.

 

[9] - أمبرتو إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربيّ، الدار البيضاء/ بيروت، 2000، ص147.

[10] - المعاددل الموضوعيّ هو مفهوم يعود استخدامه إلى الشاعر والناقد الإنجليزي ت. س. إليوت وهو بشير إلى طريقة في التعبير تتمثّل في استخدام الشاعر لجملة من الأحداث والأشياء للتعبير عن عاطفة أو فكرة ذهنيّة مجرّدة. اُنظر: فـــ. أ. ماتيس، إليوت الناقد والشاعر، ترجمة إحسان عبّاس، المكتبة العصريّة، بيروت، 1965. ص133. 

[11] - سعدي يوسف، الأعمال الشعرية الكاملة، المجلّد الثاني، ص53.

[12] - فتحي النصري، قالت اليابسة، دار أميّة، تونس، 1994، ص81.

[13] - فتحي النصري، قالت اليابسة. ص82.

[14] - فتحي النصري، أصوات المنزل، الأطلسيّة للنشر، تونس، 1996، ص31.

[15] - فتحي النصري، قالت اليابسة، ص87.

[16] - فتحي النصري، قالت اليابسة، ص ص33-34.

[17] - سعدي يوسف، الأعمال الشعرية، مجلد3، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق 2002، ص. ص. 382-383.

[18] - انظر فتحي النصري، شعرية التخييل: قراءة في شعر سعدي يوسف، ص110.

[19] - فتحي النصري، قالت اليابسة، ص7-8.

[20] - فتحي النصري، قالت اليابسة، ص5-21.

[21] - فتحي النصري، سيرة الهباء، الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم، تونس، 1999، ص59.

[22] - فتحي النصري، سيرة الهباء، ص 9.

[23] - نستعير هذا المصطلح "الثنية Le Pli" من لدن الفيلسوف الفرنسي جيل دلوز الذي أجراه خلال بحثه ليخلخل جملة من الأوهام الميتافيزيقية مثل وهم المطالبة ووهم الحضور.

للتوسع في هذه المسائل الفلسفية المعقّدة انظر:

Gilles, Deleuze, Logique du sens, les éditions de Minuit, 1969.

[24] - سعدي يوسف، الأعمال الشعريّة الكاملة، المجلّد الثاني، دار العودة، بيروت، 1988. ص9.

[25] - م. ن. ص. ن.

[26] - H. Morier, Dictionnaire de poétique et de rhétoriques, p. p. 1088-1089

[27] - م. ن. ص83.

اخر تحديث الأحد, 10 أكتوبر/تشرين أول 2010 16:11