سعدي يوسف نخلة عراقية طباعة

 علي إلهيتي
رغم إني لا امتهن الكتابة وتخصصي بعيد كل البعد عن الأدب والشعر والشعراء لكن لدي حب طافح لقراءة الأدب بصورة عامة والشعر بصورة خاصة وقد تعرضنا نحن مجموعة من الشباب أيام النظام السابق إلى الاعتقال لتداولنا مجموعة قصائد للشاعر المناضل مظفر النواب والشاعر سعدي يوسف. قرأت للشاعر سعدي يوسف وأنا في مرحلة المتوسطة ورغم صعوبة فهمي لشعره لكني كنت أحس بترابط روحي أو براحة نفسية حين أقراء شعره. لا اعرف سر انسجامي النفسي مع شعر سعدي لكن الذي اعرفه إنني كنت احتاج له كثيرا لدرجة كنت أضع ديوانه (الأخضر بن يوسف) و (الليلي

كلها) تحت وسادتي انهل من شعره قبل النوم يوميا خاصة أيام التعب والضغط النفسي. أتذكر حين صدرت المجموعة الكاملة عن طريق وزارة الإعلام العراقية في سبعينيات القرن الماضي ووزعت إلى المكتبات كنت أمر يوميا إلى مكتبة في مدينة الموصل تعرض مجموعته تلك اقلبها والحزن يعتصرني لعدم قدرتي المادية على شراءها آنذاك. وقد قررت حبس نفسي في القسم الداخلي للطلبة والامتناع عن الخروج والمتعة والصوم عن زيارة النوادي لحين جمع مبلغ المجموعة وفعلا نفذت ما فرضته على نفسي حتى استطعت أن اجمع مبلغ الكتاب واذهب إلى المكتبة لأشتريه ومسحة فرح تغمرني بهذا الانجاز الرائع. أخذت التهم قصائد المجموعة واقرأ فيها أكثر من قراءتي للمحاضرات الدراسية.. وبقت تلك النسخة ترافقني أينما ذهبت حتى ائناء سنوات الخدمة العسكرية والتعايش معي في الملاجئ والسواتر الأمامية. لقد كانت مثل التعويذة لي أيام المعارك القاسية. وحين تخرج احد اصداقائي المقربين جدا من كلية الطب أهديته تلك النسخة من المجموعة الكاملة للشاعر سعدي يوسف .ورغم إن هذا الصديق كان عزيزا علي وكانت مكتبتنا شبه مشتركه لكنني أحسست إني افتقد شيئا قريبا إلى وجداني وروحي وقد تندمت كثيرا على هذا العمل.
الشاعر سعدي يوسف وصل في الشعر إلى مداه ولا يمكن لعاقل أن يتجرأ وينتقد سعدي يوسف هذا المارد الكبير الذي يحتل ألان بدون منازع عرش الشعر العربي. والشاعر أي شاعر هو إنسان له آراءه في أمور الحياة والسياسة قد تخطئ وقد تصيب ولا يكون هذا الرأي حين يصيب أو يخطا مأخذا على هذا الإنسان ويقل من شانه ما دام ا يستند على أسس وطنيه لها مبررتها. العراق بلد محتل ومن يؤمن بطريق الكفاح المسلح طريقا للخلاص من المحتل وتحرير الوطن لا غبار على وطنيته. ومن المعروف إن هذا الطريق أخذت به كثير من الحركات السياسية العراقية ومنها أحزاب وطنية و ماركسيه وشخصيات وطنية معروفه. والقسم الأخر اتخذ أسلوب المقاومة السياسية طريقا لخلاص الوطن والشعب من الاحتلال باشكاله المختلفة. الكل هدفها ومبغاها النهائي هو بناء عراق حر وشعب ينعم بالخير والحرية والرفاه الاجتماعي. ولا زال الصراع قائم لم تثبت الأيام أي الطرق هو الاصوب. إن الحملة التي يشنها بعض الأدباء المعروفين ضد الشاعر سعدي يوسف لمواقفه السياسية المؤيدة للمقاومة المسلحة لا اعتقد ما يبررها خاصة وقد بدأت تستغلها أقلام غير نزيهة تريد النيل من الشاعر سعدي يوسف. أنا شخصيا أعيش داخل الوطن وأؤمن بطريق النضال السياسي طريقا لتحرير التراب وإسعاد الشعب ومن خلال معايشتي لتلك السنوات التي مرت بعد سقوط الطاغية ونظامه الدكتاتوري لا أرى وجودا لمقاومه وطنيه حقيقية على ارض الواقع. وحتى الفصائل التي تختص كما يقولون بمقاتلة المحتل هي لا تقاتل جيش الاحتلال من اجل تحرير البلد بل تقاتل من اجل تنفيذ أجندات سياسية لدول أو منظمات معينة والتي تمدهم بالمال والسلاح لتحقيق أغراض تخدم مصلحتها لا مصلحة الشعب العراقي. إن مقاومة المحتل عندما لا تهدف إلى تحرير البلد ليست مقاومة وطنية شريفة كما يطلقون عليها. لان المقاومة الوطنية تأخذ كثير من الأمور بعين الاعتبار حين تنفذ عملياتها على ارض الواقع. ومن أولى هذه الاعتبارات عدم التعرض للناس وتهديدهم واستخدامهم دروعا بشريه لها. كما إن المقاومة الوطنية عليها أن تحافظ على البنى التحتية للمجتمع لا أن تشجع على هدمها وتدميرها. وعندما تصل الحال بالناس أن يعتبروا جيش المحتل ارحم لهم من رجال المقاومة فلا مجال لنعتها بالوطنية إطلاقا. لا أريد الخوض في هذا الموضوع لكني أردت أن أوضح إنني اختلف مع موقف الشاعر سعدي يوسف ولا أؤمن بطريق الكفاح المسلح طريقا لتحرير العراق في هذا الوقت . كون الإرهاب الذي يضرب الشعب العراقي في الوقت الحاضر اخطر بكثير من المحتل. لكن هذا الرأي لا يسمح لي بإلغاء آراء الآخرين وحقهم في اختيار الطريق الذي يرونه صحيحا. وليس من حقي أن اشتم الآخرين لأنهم اختاروا طريقا مغايرا لطريقي. أتمنى من الشاعر الكبير أن يسمع أصوات الناس في الداخل وان يوزن الأمور بميزان العقل لا بالشعارات التي تقتل الناس وان يتذكر إن التحرير لا يعني تحرير التراب قبل أن يعني تحرير الشعب. والوطن ليس هو قطعة ارض مجردة بل هو مجموع الناس الذين يعيشون على هذه الأرض وقتل هؤلاء قبل طرد المحتل وإحراق الأرض ومن عليها بهدف التحرير شيء لا يقره الواقع. كل الحب لشاعرنا الكبير وسيبقى يعيش في قلوب الملايين الذين حملوه منشورا سريا في تلك الليالي والليالي كلها.... وأتمنى من اللذين ينتقدون مواقف الكبير سعدي أن ينظروا إلى هذا المارد الذي أصبح جزءا من العراق ونخلة من نخيله التي تمتد جذورها في تربة هذا الوطن مع عمالقة كبار آخرين أمثال ألجواهري والسياب وبلند والنواب وهو قد تخطى باب التجريح والتنكيل والنقد.. ألا تعرفون سعدي يوسف انه احد قمم حصار وست وحاج عمران انه قمة وقامة عراقيه لن تصلوا شموخها مهما تصايحتم ولن تهزوا صورتها في قلوبنا نحن اللذين ننام على (( كل الأغاني انتهت إلا أغاني الناس)) ..