سعدي يوسف يتألق في الدوحة طباعة

 في أمسيته الشعرية التي أقيمت له، خصيصا في الدوحة، ضمن مهرجانها الثقافي السادس عشر تألق الشاعر سعدي يوسف وهو يلقى مختارات من قصائده الشعرية التي حرص على انتقائها ارتباطا بمزاج الشاعر والمنفي، لكنها لم تتكرس نمطا معنيا فسعدي يوسف دائم التنوع والخضرة وهو شاعر يشيع البهجة والفن، مثلما يصيب مستمعيه بالغربة والشجن والوحدة.
كان ذلك بفندق الريتز كارلتون ومما قرأه الشاعر قصيدته (مسامير) حيث يتأثث المكان بالمسامير أينما دارت عينا الشاعر بل انه يتحسسها في روحه أيضا، ويلمسها عندما يمرر يده في جيوبه:

"الغريفة ملأى مسامير
غادرها الساكنون
وما خلفوا غير هذي المسامير...".
هي صورة الألم المعدني عندما يتحول إلى لازمة من لوازم العذاب والتعذيب.
ورغم تكرار مفردة (المسامير) في القصيدة إلا أن الشاعر يعيد تشكيلها برهافة تعبيرية وموسيقية تكف فيها المفردة عن عاديتها وتكتسب معانيها المبتكرة.
وفي قصيدة "تقليد عبد السلام عيون السود" يتخذ سعدي من المرأة/ الصديقة قناعا شفافا يتبدى عبره ذلك المدار المركب الذي يستغرق الشاعر عبر نص الحياة اليومية المثقل بما هو خاص وعام في الوقت نفسه:

"أنا يا صديقة متعب حتى العياء فكيف أنتِ
سأهاجم الثكنات
أفتح جندها خبزا ومنأى
.....
.....
.....
الليل يطويني أنا المقطوع عن ولدي وبنتي
أنا يا صديقة متعب فكيف أنتِ؟".

وقرأ الشاعر قصيدته (الماندولين) فحاور الإيقاع الموسيقي حرفيا وروحيا، وهو يستعيد أيامه في عدن تلك المدينة التي أقام فيها ردحا من منفاه الطويل:

"كنتُ في عدنٍ …
كنتُ خلّـفتُ أرواحَ نجدٍ إلى يَــمَــنٍ
كنتُ في عدنٍ
دَندَنَ العودُ: دانَــى ودانَــى …
ومِـن حَـضرموتَ الأغاني
وقد كنتُ في عدنٍ"...

مستلهما ذكرى الأغنية الشعبية اليمنية، كما حصل في قصيدته (ذهب وحناء) إذ استلهم الأغنية البغدادية القديمة (حنة..حنة) لتعبر مناخ القصيدة وتنمو بنموها منتهيا إلى غير مابدأ:

"ذهب وحناء
وحناء على ذهبٍ
وقيل الخيل غربت النواصي
نحو أرض الشام
ولي ذهب وحناء
ولي ثوب الأميرة إذ يشف
والخيل غربت النواصي
نحو أرض الشام...".

 وفي قصيدة "استحضار أرواح" أقام سعدي علاقاته الوجدانية المشبعة بالكلاسيك الحديث، إذا صحت التسمية، في مناجاة واستحضار رموز وإيماءات من المتنبي وأبي نواس وأبي تمام ليجعل الزمن، زمن الشعر ومكانه أيضا، طوع يديه وفي متناول مستمعه، كما حدث من قبل طوع يدي قارئه.
لم ينس الشاعر محمد مهدي الجواهري فاستحضره شاهدا على الزمن العربي المضطرب في قصيدته "العواصم تتداعى"، وكثيرا ما اعتبر سعدي الشاعر الجواهري شاعرا حديثا رغم بنيته التقليدية شكليا.
سعدي يوسف أبرز شاعر عربي اليوم يرفد قراءه ومتابعيه ومعجبيه بالجديد، دائما، شعرا ونثر، فقد زود المكتبة العربية، عدا الشعر، ملعبه الفسيح والأكثر طلاقة، بالقصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي والترجمة والمقال السياسي، ويعتبر اليوم عميد الشعراء العرب، منفيين أو مقيمين.
حصل سعدي يوسف على جائزة العويس والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية، وجائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبي في عام 2005، لكن كل هذا لا يتناسب مع مساحة تجربته الإبداعية ولا يبلغ قامته الشعرية، فهو يستحق الكثير من التكريم مقابل عطائه الثر وحياته الشخصية التي نذرها للحرية ومقاومة الاستبداد والمنفى الذي أمضى فيه ما يقارب الأربعين عاما بسبب مواقفه السياسية التي عبر عنها بشجاعة الشاعر الحر.