أجوبة إلى مجلة "بيت " طباعة

                             الشِعر العربي اليوم 

صحيحٌ تماماً أن الخيبة وتجلّياتها ( الثقافية والسياسية والاقتصادية ) هي التي تشكِّلُ البانوراما الفعلية للراهن العربي .
في جيلنا ، نتذكّر النكبة ( فلسطين ) ، و النكسة ( بعد حرب 1967 ) . الفرق بين ما استجدّ ثقافيّاً ( شِعريّاً بخاصة ) إثْرَ النكبة والنكسة ، وما لم يستجدّ ، بَعدُ ،  في هذه الخيبة  … فرقٌ هائلٌ .
النكبة أنتجت حركةً ثورية ، تدفّقتْ شِعراً :

حركة الشِعر  الـحُرّ.
( هذه الحركة كانت تسمّى في العراق ، الشِعر المنطلِق ، وهي تسميةٌ أكثرُ أصالةً ، لأن تعبير الشِعر الحر ، مترجَمٌ :
Free Verse
Vers Libre
النكسة أيضاً أنتجت حركاتٍ ثورية ، وأقامت محاولاتٍ مرموقة في بناء الدولة الوطنية ، وترافَقَ هذا كله مع تغييرات عميقة في المشهد الشِعريّ .
الفنّ ، ليس تابعاً أوتوماتيكيّاً للمعطى السياسي ، وبإمكانه الاستقلال .
لكن استقلالية الفن مرتبطة باستقلالية المبدِع . الفن ممارسة شخصية . المسؤولية هنا شخصيةٌ أيضاً . ليس من موجةٍ سحرية ترفع ما لا يرتفع بذاته .
حرية الأبداع ؟
نعم . لكن الفنان يحقِّق حريته بنفسه . يظل يناضل حتى يتحرر ، سايكولوجيّاً أوّلاً . أي أن يحقِّق ، هو بنفسه ، حريته
المطْلقة . حتى لو كانت الحريات العامّة مفتقَدةً  ، كما هي عليه الحال ، الآن .
هذا ما أدعوه الحرية المكتسَبة .
الشرط الأول لمحاورة الإبداع ومحاولته .
                                                 *
                                   الشاعر وهمُّه

المواجهة العميقة أمام الشاعر ( الفنان ) ، هي تحدّيات الفن نفسه .
عندما يؤمن الشاعر بأن الفن ، هو حقيقته ، ومسعاه ، وسبيله الوحيدُ ، يكون أنجزَ أساسَ مواجهةِ الواقع ، والأمرِ الـواقع .
ذلك أن للفن مستلزمَه الأخلاقيّ :
الفنّ في جوهره  ، نظرةٌ مخالِفةٌ ، مختلفةٌ .
أي أن للفنّ منطلقه النقدي  ، المبنيّ ضمناً .
خذْ غوغان مثلاً :
رسمَ غوغان آدم وحوّاء  ، في جزيرته النائية .
هو لم يواجه الأسطورة الدينية حول الخلق ، ببيان ، أو نحوه .
قدّمَ لوحةً لمرأة ورجل من سكّان الجزيرة الأصليّين .
قال بلا " مواجهة ذهنيّة " : هذه حوّائي . وذاك آدمي ...
غوغان اتخذ الفنّ منطلَقاً لإعادة النظر .
الفن ليس مرآةً للواقع . الواقع متردٍّ . قبيح . مرفوض .
الفنان يهشِّمُ المرآة أوّلاً !

                      الشعر الجديد والفعالية النقدية

أتّفقُ مع " بيت " في أن مساحة الانتشار والاحتفاء ازدادت . وأتّفقُ أيضاً مع المـجلة  في أن الأسماء المكرّسة ظلّت مكرّسةً . هذا أمرٌ طبَعيٌّ .
ويقال في النقد الأدبي ، لا ينتهي جيلٌ إلاّ بنضجِ جيلٍ جديدٍ .
إذاً ، علينا أن نراقب أنفسَنا .
علينا أن ندقِّقَ ، ونمَيِّز ، ونأخذ بيد الجيل الذي يتكوّنُ على مهلٍ ، حتى يرِثَ مَن قبلَه .
لكن هذا يستدعي استمراريةً ومسؤوليةً .
كان هذا ، مشهوداً في العراق الأوّل :
الجواهري العظيم هو من قدّم بدر شاكر السياب في صحيفته " الرأي العام " .
بدر شاكر السياب هو أوّل من أشارَ إليّ .
هكذا ، في حياتي ، شهدتُ الاستمرارية والتواصل ، وولادة الأجيال .
ليس في العراق ، الآن ، شيءٌ من هذا .
السبب ليس ثقافيّاً .
إنه طُغيانُ السياسيّ على ما سواه :
الاقتصاد الوطني . الزراعة .الأمان .العلوم .الصحة . الغذاء  ... إلخ
والثقافة المتقدمة ، بأشكالها المختلفة .
بإمكان " بيت الشِعر " القيام بجهد كبير في رصد الساحة الشِعرية ، ومتابعتها ، وعقد الحلقات الدراسية ، واللقاءات ، مع تجنُّب المهرجانية الكريهة .
ومن المفيد لـ " بيت الشِعر " في العراق أن يتابع التجربة الناجحة والمسؤولة لـ " بيت الشِِعر " في المملكة المغربية .
                                    الشِعر ومواقع التواصل
  مع الإنترنت و مواقع التواصل الاجتماعي ،  تحقّقَ أفقٌ ديموقراطيّ عجيب .
صار بإمكان أيّ شخص أن يقول ما شاء .
والحقّ أن هذا مازال عجيباً ، لدى أناسٍ مثلي ، ظلت الرقابة تلازمهم كالظلّ  !
الآن حين أعود إلى دوري  ، آنَ كنتُ محرراً ثقافيّاً ، في  " طريق الشعب "  ، استعيدُ جهودي في تحدي الرقابة ، رقابة الصحيفة نفسها ، أوّلاً ، قبل رقابة السلطة .
حتى وقعتُ ، أنا ، في النهاية ، ضحية رقابة الصحيفة ، فتركتُ العمل .
أذكرُ من ذلك أنني تقدّمتُ بقصيدتي " الأحفاد " للنشر في " طريق الشعب " .
قال أحدهم ( وهو المرحوم يوسف الصائغ ) : هذه القصيدة ضد الجبهة  ... ضد تحالفنا مع  البعثيّين . سعدي يوسف متطيّرٌ .
أخيراً سُحِبت القصيدة من المطبعة ، ليلاً، بعد أن أقنع يوسف الصائغ ، عزيز محمد ، في ساعة متأخرة ، بأنني متطيّرٌ !
أنا ، متيّمٌ بمواقع التواصل الاجتماعي ، وأدعو إلى المزيد منها .
أنتم في " بيت الشِعر " تعرفون الساحة الصحافية في العراق ، جيداً !
وأنا ، أعرفُ الساحة الصحافية العربية ، معرفةًما .
لستُ أنشرُ في الصحافة . كنتُ أنشر نصوصي في صحيفة يتولى شأنَها الثقافي صديقي الشاعر أمجد ناصر الذي جمعتني به ظروفُ نضالٍ وخطر ، في بيروت ، وفي عدن ...
هذه الصحيفة التي تصدر في لندن تغيّرت ظروفُها ووجهتُها ، فتوقّفتُ عن النشر فيها .
الآن أنا سعيدٌ بموقعي الشخصي الذي بلغ عديد متابعيه ربع المليون ، وأواصل اهتمامي بصفحتي على الفيسبوك التي كاد عديدُ متابعيها يبلغ المليون ...
ملحوظة : أرجو إدراج قصيدة " الأحفاد " وهي في المجلد الثاني من أعمالي الشِعرية .

                                        الشِعر والراهن العربي
 العنوان الإستشراقي حول " الأنثروبولوجيا الشعبية " ، بتعبير شاكر لعَيبي  ، وهو سويسريّ الجنسيّة ،  من مـدينة الثورة ، يعمل سعيداً في جامعة تونسيّة ، فيه إهانةٌ للناس الذين تعتبرهم الإنثروبولوجيا  (لاالشعبية في المصطلح العلمي ) مادةً أوّليّةً ، لإنسانٍ أقرب إلى الحيوان .
أريدُ القولَ :
تبسيطُ الأمر بهذا الشكل المؤسِف ، وبخاصّة من شاكر لعَيبي ، الذي كان شيوعيّاً ،  فيه إهانةٌ للشعب العراقيّ المسكين ، وتبسيطٌ متعمَّدٌ لمأساة أن العراق كان محتلاًّ من جيوش 35 دولةً ، أرادت تدمير البلد إلى الأبد :
Back to Stone Age!
تغييبُ العقل كان متعمّداً :
فرْضُ سلطةٍ ذات أحزاب دينيّة ، من جانب الاحتلال ، يعني تغييب العقل عمْداً وبتخطيط مسْبَق  .
الشعب العراقي ليس عيّنةً أنثروبولوجيّة .
والعراقيّون سيظلّون أحراراً ، وإنْ طال الزمان ...
يرادُ بنا أن نكون كالهنود الحمر ؟
ماذا بمقدور الشِعر ؟
لكنْ : أين الشعراء ؟
أمامكم : شاكر لعَيبي ...
يتحدّث عن غياب العقل ، ولا يتحدّث عن حضور الاحتلال وجنوده واليورانيوم المنضّب والفوسفور الأبيض ...
كأن أبوغرَيب أسطورة !
نحن البرابرة المتخلفون ، إذاً ..
أمامكم فلان وفلان وفلان  ...  صُمٌّ  ، بُكْمٌ  ،
 ناطقون :
أعطِني دولاراً أقتلْ عراقيّاً !
لنذهبْ  إلى المدى ...

    *
الشعراء العرب ونوبل

لم أكن ذا اهتمام بالأمر .
لكنْ في أوائل التسعينيّات ، وأنا في باريس ، جمع أدونيس الشاعر الكريم ، أصدقاءَ ومعارفَ في مقهى كْلُني الشهير  ، ليتلقّى خبر منحه جائزة نوبل .
مُذّاك
وفي كل عامٍ
تعود الصحافة ( السخافة ) العربية إلى نوبل وأدونيس .
الرجل سئم الكلام .
لكن السخافة لم تسأمْ .
الآن أقول بصراحة : نجيب محفوظ استحقّ الجائزة بجدارة . الرجل ممهدُ طريقٍ . بنى هرماً للرواية العربية ، وهدمه بنفسه مجرِّباً . كان يفعل . الآخرون ليسوا مثله . لم يكن نجيب محفوظ مستشرقاً . هو ابن مصر ، أمّ الدنيا  ...
لكنْ لماذا الشِعر العربي لنوبل ؟
ليس من شِعرٍ عربيّ لدينا الآن ، يصْلُحُ أن نتقدّم به إلى نوبل  .
الرواية ...
نعم ... و ...لا !
هنا أيضاً ، علينا أن ننتبه إلى أنّ على الأرض أقواماً سوانا ، وأن تلك الأقوام حرّة ، طليقة الألسنة ...

                                        الشاعر والترجمة الأدبيّة

أزعُمُ أن الترجمة أثّرتْ في النصّ النثري ، أكثر من النصّ الشِعري .
لو حاولَ امرؤٌ تقصّي لغة الصحيفة والإذاعة لرأى عجباً : اللغة مترجَمة !
( مصادرُ مسؤولة في منظمة الأوبك طمْأنت الأسواق الماليّة إلى أن معدّل إنتاج النفط " برميل / يوم " سيظل ... إلخ )
في الشِعر ، برِع الصحافيّون اللبنانيّون ، الذين يقولون إنهم يعرفون الفرنسية ، في إنتاج النصّ المزوّر ، المعتبَر شِعراً .
وهناك من يقول : اللبناني يتكلّم بالفرنسية في بيروت ، وبالعربية في باريس  !
أعتقدُ أن التأثير الأعمق للفرنسية والإسبانية هو في الشِعر المغربي .
في العراق حاول جبرا ابراهيم جبرا  إقحام الثقافة الأنجلوسكسونية  ، لكنه اختار الرجعيّ من هذه الثقافة مع الأسف . جاءنا بإليوت الأشدّ رجعيّةً ، متناسياً عن عمْدٍ جيلَ الثلاثينيّات العظيم !
وجاءنا بشكسبير ، مدوِّن ملوك إنجلترا !
اللبنانيون فعلوا الأمر ذاته : حجبوا تراث شِعر اليسار الفرنسيّ كاملاً ،  وجاؤونا باليميني الشكلاني سان جون بيرس .
والفضائح كثيرة .
شِعر أوربا التقدمي حُجِبَ عن القاريء العربي ، والشاعر الشابّ ، حتى ظنّا أن الشِعر ينبغي أن يكون رجـعيّاً ، شكلانيّاً ، غير معنيّ بالناس والحياة ...
لم يعرفوا أن شعراء أوربيين رائعين ضحّوا بحياتهم في سبيل مُثُلِ الحرية والشيوعية .
في جهدي المحدود ، في ترجمة الشِعر والرواية ، حاولتُ تقديم لوحة متوازنة .
هل أثّرتْ " إيماءات " ريتسوس في الشِعر العربي الراهن ؟
لكني ، أساساً ، أدعو إلى قراءة الشِعر بلغته الأصلية ، قدر الإمكان : الإنجليزية . الفرنسية . الإسبانية . الألمانية . الإيطالية . إلخ .
لماذا ؟
يتوهّم كثيرون أن ريلكه هو من يقرأونه مترجَماً  ، نثراً .
لكنهم لا يعرفون أيّ صانعٍ ماهر ٍ ، هو بالألمانية ...
لا يعرفون دقّته في الوزن ، وفي التقفية  ، وفي تحديث اللغة ...
كذلك الأمر مع بودلير
مع رامبو ...
لقد كان شكسبير الملكيّ ، الدمويّ ، السخيف  ، مثالَنا الأعلى !

                            مـرايـا
مصطلح  الضمير في اللغات الأنجلوسكسونية واللاتينية ، يكاد يطابق مصطلح  الوعي .
ومادام الأمر كهذا ، فإن كل ضمير ( كل مستوى من الوعي ) هو إيديولوجيا ، إلى هذا الحدّ أوذاك .
الرثاثة المحلّيّة التي أشار إليها محمد خضيّر لها أسبابُها الخارجة عن إرادة الناس .
إنها رثاثةٌ مفروضةٌ بالقوّة من الخارج .
وإلى أن نمتلك مصائرَنا ستظل هذه الرثاثة تنهشُ في الجسد والروح .
محمد خضيّر شخصٌ بالغُ التهذيب واللطف ، ولهذا يُعْنى بأن تكون تعابيره شبه محايدة . وهو يعرف جيداً ما يريد.
                                 
                                قصيدة النثر
أظنّ محمود درويش يعني أنني أسهمتُ في تخفيف النصّ الشِعريّ من أعباء معيّنة ، منها التقفية،  وعلوّ الموسيقى ، والإيقاع . وهو يرى أن عنايتي بمتابعة الفاصيل وتفعيل علائقها ، له أثرٌ في الانتقال إلى قصيدة النثر .
على أي حالٍ ، أمرُ قصيدة النثر محسومٌ منذ أواسط القرن التاسع عشر . لكننا ، نحن العرب ، باعتبارنا خارج التاريخ ،
ما زلنا في أواسط القرن التاسع عشر ، نتناقش مثل حكماء بيزنطة  .
من ناحيتي نشرتُ في العام 1981 ديواني " يوميات الجنوب ، يوميات الجنون " ومعْظمُه قصائد نثر .
ليست لديّ في الشِعر أسوارٌ صينيّة .
قصيدتي " العقَبة " وسواها  ، تجريبٌ على حريّة الرقص !
حتى الآن أشتغل بحريّة ، على مختلف الأشكال ، في النصّ الواحد .
الفن ساحةٌ حرّة .
والأشكال  ليس لها حدٌّ .
ولسنا بِدْعةً بين الأمم ليكون لنا شكلٌ واحدٌ في الشِعر .
ليس من مشكلة تماثلُ ما ظللنا دائخين به منذ نصف قرن.
الصحافيّون اللبنانيون المحترفون الذين استحوذوا على الشِعر وادّعَوه لهم ، هم مَن عملَ طويلاً على تضييق ساحة القصيدة العربية ، وإبعادها عن الحياة  ، واتخاذ الموقف ، وساحات الخطر . الصحافيّ المحترف لا يتخذ موقفاً لأن الموقف الشجاع يكلِّفُه عمله ، وخبزه اليوميّ ...

                                          محاكمةٌ شِعريّة
في " مختاراتي " الصادرة عن دار " آفاق " القاهرية ، حاولتُ أن أقدِّمَ ما أراه منجزاً جماليّاً .
تعرفون أنني أكتب منذ ستين عاماً ويزيد .
وبلغ متني الشِعري حوالي ثلاثة آلاف وثلثمائة صفحة .
من هنا لابدّ من محاكمة ، وحُكْمٍ !
في إشارتكم إلى الهجاء الشِعري :
أنا أحاولُ أن تتجنّب قصيدتي التورُّط في الغرض القديم .
أحياناً تحْدثُ لديّ امتعاضاتٌ ، وقد تشقُّ طريقَها إلى نصٍّ ما ، لكن هذا ليس نسقاً على أي حال !

                           عزلةٌ ومزاجٌ
المقالات جانبٌ ضروريّ في نضالي من أجل تحرير وطني من الاحتلال وإدارته المحليّة.
لستُ منعزلاً عن الحياة وأحداثها .
لكن لديّ ما اصلح العرب القدامى على تسميته : بُغْضُ العامّة.
مزاجي أشدُّ حساسيةً من احتمال الغِلْظة في القول ، والرثاثة في السلوك ( الـمَيانة كما نقول في العراق ) .
لكني في الصميم من الحياة :
أستمتعُ
أُحِبُّ
أسافرُ
أكتبُ يوميّاً
وأحتسي أفخر نبيذ أحمر في العالَم !

                                    تبرئـة !

نعم !
قال لي سامي مهدي على صفحة الفيسبوك : بيننا يا سعدي يوسف ما صنعَ الحدّاد  !
أجبتُه : ذهبَ الحدّادُ ، وبقيَ الحديدُ ...
كنتُ أعني أن النظام الذي وضع الشعراء إزاء بعضهم ، في خصومة دائمة ، قد مضى .
ليس لدينا كثرةٌ من الشعراء في العراق .
لنكنْ ، جميعاً ، في الحفلة المقدّسة !


                                          Prose
أحياناً ، يحلو لي أن أداعب القاريء ، فأقدِّم النص النثريّ ، في هيأة قصيدة !
هكذا  اعتُبِرت ْ مقالاتٌ لي عمّا سُمِّيَ " الربيع العربي " قصائد !
لا بأس بأن تختلط الأمور  ...
نحن في الفوضى !
                                           الوطن – المنفى
كنت أعني بعبارة : راح الوطن ، راح المنفى  ... أنني قرّرتُ ، بصورة نهائيّة ، ألاّ أفكرَ بالعودة إلى العراق .
 الزيارة مُعِيبة .
 إنْ دخلتُ العراقَ أقمْتُ .
لكني لا أتحمّلُ أن أكون في محْميّة .
أنا امرؤٌ حُرٌّ .
هكذا ، إذاً ، راح الوطن .
بالمقابل : لا أرى مقامي في المملكة المتحدة ، منفىً .
أنا مواطنٌ كاملُ الحقوق هنا .
لا أشعر بالغربة . و لا أعتبرُ نفسي مؤقّتَ الإقامة .
بل إنني أشعرُ بالحنين ليس إلى العراق ، بل إلى ضاحيتي اللندنية ، حين أسافرُ طويلاً ...
هكذا ، إذاً ، راح المنفى !
أنا أهتمُّ بتفاصيل الحياة : البشر . الشجر . الشوارع . الحانات . أثواب النساء ...
وعليّ أن أتوطّنَ في المكان .
أتوطّن كي أكتب !
                                          قاربُ نجاةٍ للذات
لن أكون شاهداً حيّاً !
سوفَ أُقْتَلُ حتماً ، و في وقتٍ قياسيّ .
أو أنني سأكون رهين مَحابسَ عدّةٍ .
العراق ، الآن ، أرضُ الـمَـقْتلـة ...
                                                تائهون في فـهم الشاعر
أنا شيوعيٌّ ...
أعتزُّ بالشيوعيّة فلسفةً وسلوكاً وموقفاً .
عروبيٌّ لأنني عربيٌّ . أكتبُ بأجمل لغةٍ في العالم ...
لا أدري سبباً لمأخذٍ عليّ أو استغراب ، حين أقول : العراق العربيّ !
                        
                                                     جنّة منسيّات في زمن القتَلة

قد كنتُ ذكرتُ في هذه المقابلة أنني لستُ عائداً إلى العراق المحتلّ .
القتَلة هم من احتلّوا البصرة.
القتلةُ هم من نصّبَهم مَن احتلّوا البصرة ، حُكّاماً !
لكني نجوتُ !
ليس بمقدور أحدٍ الإجهازُ عليّ ، وعلى منجَزي الفني ، وأمثولة حياتي العجيبة !
وكما يقول شاهدُ الألفيّة ( ألفيّة ابن مالِك ) :
عدَسْ !
ما لِعَبّادٍ عليكِ أمارةٌ
نجوتِ ، وهذا تحملينَ ، طليقُ !
*
سأرحلُ في قطار الفجرِ :
شَعري يموجُ ، وربيشُ قُبّعتي رقيقُ
تناديني السماءُ  لها بُروقٌ
ويدفعني السبيلُ به عروقُ
سأرحلُ ...
إن مقتبَلي الطريقُ .

سلاماً أيها الولدُ الطليقُ
حقائبُكَ الروائحُ والرحيقُ...
ترى الأشجارَ عند الفجرِ زُرْقاً
وتلقى الطيرَ قبلكَ يستفيقُ
سلاماً أيها الولدُ الطليقُ ...
ستأتي عندكَ الغِزلانُ طوعاً
وتَغذوكَ الحقولُ بما يليقُ

سلاماً أيها الولدُ الطليقُ
سلاماً ، آنَ تنعقدُ البروقُ !

لندن 10/11/2013