عدن … كمدينة راسخة في لُبّ شاعر طباعة
أصيل القبّاطي
كثيرون ، ممن عاصروا عدن مركزَ إشعاع ثقافي تبوأ ركن الجزيرةِ العربية ، ما زالوا يحملون ذكرى تلك الأيام معهم ، ما زالت عدن كنموذجِ مدني في محيطِ إقليمي غلب عليه طابع يعد الثقافة المدنية ضرباً من الخطر . 
سعدي يوسف ، الشاعر العراقي ، ذائعُ الصيتِ ، ما الذي يدفعهُ الأن ، من لندن كما ذيّل قصيدته الأخيرة ، وفي 14 / 2 / 2014 ، إلى تذكر عدن ؟ ، هكذا قد نتساءل ، جاهلين ـ ربما ـ علاقةً بين سعدي يوسف و عدن ظهرت جليةَ تلك الحقبة ، وما زالت ، لا يكاد يمر ديوان إلا ذكرَ فيه عدن قصيدةً أو بيتاً . 
محتفظاً بتفاصيلِ خاصةِ بعدن ، يتغنى سعدي يوسف بالمدينة ، "ماذا لو اني الآنَ في عدنٍ ؟ / سأمضي ، هادئاً ، نحو " التواهي " / والقميصُ الرّطْبُ ، يعبَقُ ، من هواءِ البحرِ" ، هوذا يتذكرُ عدن و درجةَ حرارتها ، القميصُ الرطبُ ، التواهي ، هو يعلم جيداً عدن ، يعلم ، جيداً ، دارَ الهمداني و ما ألت إليهِ من مجهول ، يعلم ما كانت عليهِ عدن تلك الفترة مقارنةَ بمدنِ أخرى ظلت ترزح تحت وطأةِ التخلفِ رغم إمكانياتها المادية . 
هو ، كشيوعي عراقي لا مكان له في العراق أنذاك ، إحتضنتهُ عدن بقلبِ مفتوح ككثيرين وجدوها منارةَ للتحرر و منبراً للنضال و التقدمية ، ما زال يتذكر عدن و ما زال وفياً لها ، عدن الجميع التي لا تعرفُ عنصريةً ، يتذكر رفاقه بأسمائِهم منادياً " أرى ، هنالكَ ، بينَهم ، لي رفقةً / وأصيحُ / أحمدُ ! / يا زكيّ ! / ويا سعيدُ ! / ويا يا ... / إني قطعتُ الكونَ من أقصاهُ ، كي آتي إليكم يا رفاقي / فَـلْـتُـفيقوا لحظةً " ، و يُكمل " إني أتيتُ لكم بماءٍ سائغٍ من رأسِ رضوى / جئتُكُم بالرايةِ الحمراءِ / رايتِكُم / سأحملُها ، وإنْ وهنتْ ذراعي" ...
هو الوفاء يحمله سعدي يوسف بشعرهِ ، وبكنهه ، و بالرايةِ الحمراءِ ما زال يحملها ، وذراعُ لم تهن . 
يَذكر سعدي يوسف عدنَ بالزمنِ الجميل ، عدن أيضاً ـ كما عنون سعدي قصيدته ، يحتفظُ بها ، كمستقبلِ سابقِ لأوانهِ حل في هذه المنطقة ، كمستقبلِ مأمولِ و كنموذج . 
كيف هي عدن الأن ؟ و كيفَ ببضعةِ تحاولُ تزويرَ تاريخها و يتهربوا منها مدينة حضرية ومدنية أن يتحدثوا بإسمها ؟
عدن لم تنته بغزو 94 ، ما زالت ثقافةَ ومدينةَ هوية يحملها كل الطامحين .. كل المبحرين إلى محارات اليقين .