الله وليس القرآن طباعة

د. أفنان القاسم
ردًا على سامي الذيب أبو ساحلية وقرآنه بالتسلسل التاريخي
لأول مرة تصدر نسخة بالعربية من القرآن بالتسلسل التاريخي لسوره وآياته، يكفي أن تتصفح هذا العمل لتقف على الجهد الجبار الذي بذله الباحث في سبيل تحقيق ذلك، فما الغاية التي يرمي إليها الدكتور سامي الذيب أبو ساحلية؟ القرآن من تأليف شخص، "الوحي كلام البشر في الله وليس كلام الله للبشر"، ونتيجة للتشابه بين القرآن والإنجيل والتوراة هذا الشخص هو حاخام يهودي، "كل المراجع التي نُقل منها القرآن تقول إن مؤلفه كان ذا ثقافة دينية يهودية واسعة". طيب، وماذا بعد؟ هل يبرر عمل كهذا ما يدعيه الأستاذ أبو ساحليه: "أنه يقدم لثورة فكرية تفوق الربيع العربي والثورة الفرنسية وغيرها من الثورات التي عرفتها البشرية منذ بداية التاريخ إلى الآن"؟ هراء!

لا جديد فيما يخص مقولة بائدة "القرآن مخلوق أم منزل؟" ولا تحديد فيما يخص مؤلف القرآن، بينما للثورة الفكرية أسسها العلمية. وأكثر ما يلفت النظر في المشروع صاحبه، فهو يبقى داخل حدود الدين عندما يقول إنه "يعتبر نفسه مسيحيًا من تلاميذ السيد المسيح، ولكنه لا يعطي أية أهمية للاعتقادات الإلهية، الاعتقاد بالمسيح ابنًا لله، المهم لديه تعاليمه الأخلاقية"، وفي مكان آخر يقول إنه " لا يذهب إلى الكنيسة، ويعتبر كل مكان بيت الله"، وهو قد "اخترع دينًا جديدًا مع احتفاظه بالاسم الأصلي دينًا لا يقوم على الأباطيل والخرافات"... فأين الثورة والدين قديمه وجديده في كنهه الإبستمولوجي ضد الثورة؟ بسبب وجوده في الغرب (سويسرا) تعرّف أبو ساحلية على جماعة من المنادين إلى دين قائم على الحب والعقل والوعي الإلهُ فيه إلهُ الفلاسفة والعلماء وذلك للخلاص من النهلستية الغربية، وعندما نعرف أن النهلستية تنكر القيم الأخلاقية نجد مكانًا لهذا المنحى اليسوعي الأخلاقي لديه، دين فلسفي يأمل بانخراط ركام البشر فيه، مما يبرر ثورته الفكرية التي يراها، وبالتالي يرى نفسه، في ثوب ديني من الادعاء يضارع الاعتقاد الإلهي الذي يرفضه، ويلغو في مرايا عبث الخطاب.
لندقق في هذا الكتاب الذي يقدم لثورة فكرية لم تعرفها البشرية في التاريخ.
منذ العام 1874 أي منذ 138 عامًا قبل أن يخرج علينا الدكتور أبو ساحلية باكتشافه، قال أدولف فون هارناك، الأستاذ الروسي لعلم اللاهوت، بتأليف القرآن. وبعد بحوث دقيقة دامت أكثر من ثلاثين عامًا، أكد حنا زكرياس (مات عام 1959)، المؤسس الإيطالي للأرشيف العَقَدِيّ، أن مؤلف القرآن راهب يهودي مسيحي ينتمي إلى ملة الإبيونية، ملة تعتقد بالمسيح كالأستاذ أبي سماحة نبيًا وليس إلهًا. بعد ذلك، وسع الأب الفرنسي جوزيف بيرتويل ما قام به زكرياس من أعمال، وأكثر من هذا ما توصل إليه: "أن محمدًا هو كاتبها وهو حاخام مطرود من طرف هيراقليوس عام 628". بالطبع أنا هنا لا أؤكد شيئًا، فحياة محمد كان لها شواهدها العِيان منذ مولده إلى موته، لكني أريد إثبات أن ما جاء به أبو ساحلية عن بشرية القرآن ليس جديدًا، وأن تأويلات الحدث تتعدد حتى الوصول إلى تحديد هوية هذا الإبيوني في شخص ورقة بن نوفل. إذن لماذا لم يذكره صاحب القرآن بالتسلسل التاريخي حتى ولو بدافع الفرضية التي توجبها العلمية وأبقى الأمر مفتوحًا للتكهن والتأويل؟ علمًا بأن المهندس والكاتب الفرنسي جان-غاستون بارديه توصل إلى أن الحاخام الإبيوني ما هو سوى ورقة بن نوفل ذاته، من أبناء أعمام خديجة، زوجة محمد الأولى، يهودية اعتنقت المسيحية احتفظت بالتلمود.
خلاصة أولى:
تزوج محمد من خديجة وعمره 25 عامًا، وبدأ دعوته وعمره 40 عامًا، وأنا على عكس ما يقوله النافون لتأثير ابن نوفل وخديجة على محمد، وذلك باعتمادهم على موتهما بعد الرسالة النبوية ليس بكثير، أرى أن خمسة عشر عامًا بين زواج محمد ودعوته كافية لتعليم هذا الأخير وتلقينه، علمًا بأن محمدًا لم يكن أميًا كما يشاع بالمعنى القاموسي (لا يقرأ ولا يكتب) وإنما بالمعنى المذهبي (غريب عن أهل الكتاب وبالتالي يجهل (مصطلح الجاهلية يأتي من هنا) ما جاء فيه بوصفه كان كأي واحد لا يؤمن بالله)، والتفسير الأقرب إلى الصحة للأمر "اقرأ" "ما أنا بقارئ"، التفسير اللغوي هذه المرة لا التوراتي كما يقدمه الدكتور أبو سماحة، "اقرأ باسم ربك الذي خلق" قيلت لمن سيغدو من أهل الكتاب، من المؤمنين بالله، ولو كان الأمر موجهًا لأميّ لتبدل القول إلى "اقرأ اسم ربك الذي خلق".
خلاصة ثانية:
ما قال اقرأ لمحمد ليس الوحي جبريل وإنما ورقة بن نوفل، عندما دمر عثمان بن عفان كل نسخ القرآن بعد 12 سنة من موت محمد، وأبقى فقط على نسخته التي اعتمدها المدونون حسب أوامر الخليفة ونواهيه، وبمعنى آخر على الدين الذي يريده، فهو سيحكم بالقرآن، وبمعنى آخر بالخطاب، وبالقرآن سيحمي كل مصالحه وما أكثرها لعثمان، وبمعنى آخر السلطة، غدا ورقة بن نوفل الوحي جبريل، واختلطت السور والآيات فيما بينها، ليكون قرآن النخبة لا قرآن الأمة، تفسره كما يحلو لها وللناس التلاوة والتسليم بكلام قيل عنه كلام الله. موقف القرآن من المسيح البشري لا المسيح الإلهي لهو موقف ورقة بن نوفل ومن خلاله ملته، ولكن أيضًا، وهذا هو الأهم برأيي لأنه سياسي، موقف ورقة بن نوفل من اليهود وأصله اليهودي لما يتأكله من حقد على أناس لم يتبعوا مذهبه، فالتفريق واضح بين اليهود وأنبياء اليهود الذين يجلهم القرآن أكثر مما هو عليه في العهد القديم، والشاهد على هذا كل قصصهم المبالغ فيها: داوود قاطع الطريق وسليمان المصروع بفروج المرأة وخاصة جد اليهود والعرب إبراهيم المقدِّم لسارة أختًا له لا زوجة كي يجني الأموال والأغنام من فرعون وأبي مالك ملك جرار وأبي مالك ملك الفلسطينيين، كل هؤلاء الأنبياء هم في القرآن شيء آخر. أما الأهم من كل هذا، فهو القرآن كمصطلح لأنه الشيء ذاته لما يعنيه مصطلح التوراة باللغة الآرامية مع بعض التحريف في النطق، وعلاقة القرآن كمصطلح باقرأ كمصطلح بورقة (بن نوفل) كمصطلح شيء مذهل يؤدي إلى: اقرأ قرآن ورقة! والمذهل أكثر وأكثر في الأمر أن هذا القرآن هو من كان الحافظ للعربية لغة بني قريش، قرآن ورقة، فانتهت حروفها الأبجدية كما يعتقد الحاخام الذي كتب بها، أي ورقة بن نوفل، بثلاثة: الهاء والواو والياء، وهي معكوسة تعطي اسم إله اليهود "يهوه". لماذا معكوسة؟ للدلالة على أن الإله يهوه أرضي يهبط من السماء إلى الأرض قوانينَ وطقوسًا وعاداتٍ، وأن هذه القوانين والطقوس والعادات، التوراة في نهاية الأمر، من صنع بشري. ولماذا تكرار الهاء؟ الهاء الثانية هي الهاء الأخيرة من كلمة "الله"، ربط يهوه بالله جاء لنفس الغرض العملي الذي ذكرناه، ولنفس البرهان على صنعه البشري، ولكن أيضًا لغرض توحيدي، عندما نعلم أن الله كان إلهًا بين آلهة قبل الدعوة المحمدية، وأكبر دليل على هذا اسم محمد بن عبد الله، وتسمية آمنة أم محمد لمحمد تيمنًا بأحمد الذي كانه موسى كليم الله. بالطبع هذا لا يعني أن ورقة بن نوفل كان الكاتب الوحيد للقرآن، فهناك العديد ممن ساهموا في كتابته، وصاغوه أكثر من مرة لمتطلبات ظرفية مجتمعية وفكرية، عزاها محمد إلى جبريل. نذكر منهم باهرة النسطورية بالنسبة إلى المذهب المسيحي القادم من بلاد فارس، حسان بن ثابت الشاعر والصحابي المعروف، أُبَيّ بن كعب ناسخ القرآن، عبد الله بن الحارث يهودي اعتنق الإسلام، وبعض الصابئيين، وكل لجنة عثمان بن عفان، وغيرهم ممن لم أذكر.
ومن الناحية الأركيولوجية للعلاقة بين الدين والسلطة والخطاب، نحن لا نراها كما يراها فوكو، على عكس فوكو نحن نتساءل عن الأصول التي تجمع بين التوراة والقرآن مرورًا بالإنجيل وحتى باستباق التوراة إلى ما كان قبلها من معتقدات مصرية وكلدانية نسخت عنها، فنقترب بذلك من الحقائق الموضوعية للتشابه ما بينها، وليس لأن مصدرها كلها هو الله كما يدلل الرأي المناقض للدكتور سامي الذيب. وإذا تركنا مصدرها جانبًا، يكفي الوقوف على الصفة التي تُطْلَق للدلالة على سمو الله على المخلوقات ومفارقته لها، صفة واحدة في الأديان الثلاثة، تؤكد دون أن تقول على تشابهها، فالسمو من حيث الوجود ومن حيث المعرفة كما استعمله كانط ما هو سوى صفة للصور الفكرية السابقة على التجربة، تجربتنا، لهذا كان الله من بنات أفكارنا نحن البشر، وما فلسفة مدرسة أمرسون الأمريكية المتميزة بصوفية أحادية إلا من هذا النوع، لأنها تُبقي أقدامها على الأرض، وتجعل من التجربة البشرية شيئًا لاحقًا للخيالات البشرية التي منها الله، وكل هذا يصب في الأطروحة القائلة بالتكوين البشري للقرآن.
هل نفي القرآن ككتاب منزل سيؤدي إلى ثورة لم يشهدها التاريخ أم نفي الله؟

ما هو مفهومك لله؟ سأل الدكتور سامي الذيب أبا ساحلية سائل، فأجابه: "في الواقع، هذا الأمر لا يهمني لا من بعيد ولا من قريب، وليس هذا موضوع الحوار. المهم عندي هو عدم استغلال اسم الله لزجنا في ظلامية العصور الوسطى بذريعة تطبيق شرع الله معتمدين على أسطورة أن القرآن منزل من عند الله، بينما هو من تأليف حاخام يهودي. موقفي إذن من أسطورة القرآن هو بسبب عواقبها الوخيمة."

وفي مكان آخر يقول: "أعتبر مشروعي أهم من ثورة الربيع العربي وغيرها من الثورات لأنه سوف يقلب التفكير الديني رأسًا على عقب... ماذا قد تكون نتائج هذا التفكير الجديد على الأقل في العالم العربي الإسلامي؟"
نجيب حالاً لا شيء. بكل بساطة لأن التفكير الديني السائد يقول بتنزيل القرآن، وهذا التفكير لن يتغير حتى ولو قام أحدهم بإعطاء البرهان القاطع بصنع البشر له كما فعل الدكتور أبو سماحة، جمود هيكلي مرتبط "ببلاهة دينية" مُنغولية، أي بعدم إمعان العقل في أي شيء، وعلى الأخص في أمر ديني جسيم كهذا يتوقف عليه جوهر الإنسان ومعنى الوجود، هذا التفكير جزء من الفكر السائد الظلامي أي القمع الفكري، لهذا السبب جاءت الثورات بالإسلاميين، أنهت استبدادًا وأحلت محله آخر، وهي سعيدة بما تفعل. وموضوعة الله التي لا تهمك لا من قريب ولا من بعيد لهي قلب المشكل، مقاربتها ستؤدي إلى زجنا في ظلامية العصور الوسطى حتمًا، ومن هنا يجب البدء، لأن على الصراع أن يكون على أشده، وليس بمداعبة إليتي الدين نقضي على المتدينين ونؤسس لنهج جديد في التفكير ومجتمع جديد.
إذا تم نفي الله، سهل للفرد تقبل فكرة القرآن مكتوبًا بيد حاخام وحتى بيد شيطان، ودفع ذلك إلى فكر جديد وطريقة جديدة لرؤية العالم. لكن لهذا النفي شروطه الموضوعية إن لم تكن فلن يكون، وأهم هذه الشروط ترتبط بعلاقات الإنتاج: في الماضي كنا نرى، بشكل ميكانيكي، في انتقال المجتمع من طريقة في الإنتاج متدنية إلى أخرى أرقى ما يكفي لتغيير طريقة التفكير وشتى أنواع الممارسات دينية وغير دينية، لكن تجربة الاتحاد السوفيتي المفرغة للإنسان من جوهره ما عدا الدين الذي عاد بقوة في بلد لينين وغوركي وتروتسكي وبعد أكثر من ستين عامًا قال شيوعية جعلنا نربط هذا الانتقال ببرجزة الطبقات المسحوقة ودكتاتورية الدعاية كما يجري هنا في الغرب (تحت هذا الباب نضع كل أسلحة الأيديولوجيا السائدة) بمعنى إحلال دين محل آخر، عصري، لا يمكن الإفلات منه إلا شكليًا (التناوب في الغرب) بانتظار حدوث أزمة جذرية كما يحصل اليوم تدفع دون أن يشاء أصحابها من رؤوس الأموال إلى تغيير النظام نفسه، وبالتالي الإنهاء على كل ما تحويه بنية هذا النظام الفوقية الدين أول ما تحوي. لكن أبا سماحة لا يرى شيئًا من هذا، ولا يريد شيئًا من هذا، يعمل من داخل الدين الرسمي الإلهي تحت رداء بشري، لا يريد الخوض في غمار الغنوصية، أي إدراك كنه الأسرار الربانية، كما كان يفعل أجدادنا من المعتزلة والأباضية والأشعرية وغيرهم، الذين يبدون على الرغم من ضيق حججهم ومماحكاتهم أكثر تطورًا من صاحب القرآن بتسلسل تاريخي أعظم ثورة في التاريخ أعظم من أعظم ثورة في التاريخ الثورة الفرنسية، الثورة الفرنسية التي لولا عصر التنوير، الذي انتقد بشدة فكرة الوحي، لبقي الغرب في ظلمات العصور الوسطى. الدكتور أبو سماحة لأ، بدوش يزج نفسه في ظلامية العصور الوسطى لا من بعيد ولا من قريب -واخد بالك- ولا يريد أن يسمع إطلاقًا أن انتقاد فكرة الوحي يبدأ بانتقاد فكرة الله.
في كتابي "أربعون يومًا بانتظار الرئيس" الصادر منذ أكثر من عشرين عامًا والذي بيعت منه أكثر من مليون نسخة أنسنتُ المسيح بحيث راح يرفض كل قيمه، في سياق روائي يتطلب ذلك، دافعًا الرعاع إلى القيام بثورة في تونس كالتي حصلت في العام الماضي لم تنجح بعد أن أصابهم التعب وقد غدا أحد الملاذ الحسية، وجعلتُ من مريم عاهرة في شارع الحرية في سياق روائي آخر، وألبست إبراهيم "أبو رُهم في الرواية" لباس راسبوتين الضارب بعرض الحائط لكل القيم، فماذا فعل هذا الكلام من تغيير في الفكر الديني السائد؟
في كتابي "تراجيديات" أعدت كتابة غلغامش والنبي لجبران خليل جبران بعد أن قلبته وجعلته يقف على قدميه وجئت به من السماء إلى الأرض وكذلك الأوديسة وألف ليلة وليلة والملك لير، فماذا فعل هذا الكلام من تغيير في الفكر الديني السائد؟
في كتابي "كتب وأسفار" أعدت النظر في الكثير من قصص العهد القديم وابتكرت مثلها الكثير، فماذا فعل هذا الكلام من تغيير في الفكر الديني السائد؟
في كتابي "الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون" أعدت كتابة حي بن يقظان، وفصلت الطبيعة عن الله، فماذا فعل هذا الكلام من تغيير في الفكر الديني السائد؟
في كتابي "شيطان طرابلس" فهمت أخيرًا أن الله (الوجه الآخر لله الشيطان فكلاهما نتاج بشري الأول قضيبي والثاني شرجي) هو من يجدر بي الإجهاز عليه، وتم ذلك في القسم السادس عندما تعرضت "للبانتييزم"، الحلولية، ونفيت ما يقال إن الكون المادي والإنسان ليسا إلا مظاهر للذات الإلهية، فتحرر البطل مما ليس صحيحًا لأن الحرية هي التحرر من كل سلطان سلطان الله أول سلطان، وفي القسم التاسع أثبت أن الله ما هو سوى ظاهرة من ظواهر الطبيعة الطبيعة كل الحقيقة والله كل الوهم. كما أنني عرضت الله كغريزة جنسية لم تُشبع (في التوراة الوصايا العشر عشر طرق للجماع بين الله وموسى بعيدًا عن صفوريا، في الإنجيل الله ومريم يخترقها وتبقى عذراء دون أن تنال حق الأنوثة الذي هو اللذة أحد حقوقها، في القرآن قول محمد وهو في سرير عليّ "دثريني دثريني" بعد أن ينزل عليه الوحي جبريل له أكثر من مدلول جنسي مقموع في سرير الجميل عليّ، ومعذرة من الأصدقاء والإخوة الشيعة) عرضت الله إذن كغريزة جنسية في نواحٍ عديدة من الرواية، وأنصفت المرأة عندما وضعتها والرجل على قدم وساق، فللمرأة أهليتها الربانية تمامًا كما للرجل أهليته الربانية.
لا يوجد مفكر عربي ولا يوجد ظرف موضوعي لثورة عربية إسلامية بالفعل، عزمي بشارة؟ هذه هي عينة من مفكري الثورات التي جاءت بالإخوان المسلمين أو الذين جاء الإخوان المسلمون بهم، عينة رثة، أي إفلاس كلي. مهدي عامل؟ أينه؟ الطيب تزيني؟ ربما لكنه مثلي يقع فريسة حصارين إعلامي وحياتي كليين. أما الظرف الموضوعي فهو شيء آخر لا يشبه الظرف الموضوعي الذي كان للثورة الفرنسية عند نهاية القرن الثامن عشر لما تنامى الدور الاقتصادي للبرجوازية، وغدت قادرة على الإفضاء إلى السلطة، وكانت أفكار مونتيسكيو وفولتير وديدرو وروسو (لن أقول لك فيصل دراج وجابر عصفور وكمال أبو ديب ومحمد حسنين هيكل وبرهان غليون يا حرام!) أولئك الفلاسفة الذين قاتلوا ضد الاستبداد والحكم المطلق، كانت أفكارهم قد انتشرت بسرعة، إلى جانب أزمة اقتصادية حادة وعجز مالي، كل هذا تطلب إصلاحات لن تقوم بها سوى ثورة تهيأت لها كل الشروط الموضوعية، فكانت الثورة الفرنسية، أول ثورة في التاريخ. الثورات العربية إذن دون فكر ثوري ودون قوى ثورية شروطها الموضوعية شروط موهمة لأنها مرتهنة بفكر لا ثوري وقوى لا ثورية على الرغم من كل الأزمات التي تعاني منها مجتمعاتنا.
وعلى العكس، كانت الديانات التوحيدية الثلاثة في بداياتها تمثل ثورة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القائمة، قبل أن تتحول من دعوة إلى التغيير باسم الله إلى دعوة إلى الله باسم الله، لهذا حورب موسى من طرف العجول، وحورب عيسى من طرف الكهنة، وحورب محمد من طرف أرستقراطية بني قريش، وفي الحالات الثلاث لأن محمدًا وعيسى وموسى أرادوا تأسيس نظام جديد أكثر عدلاً وأكثر إنسانية، وجاءت ردود فعل أعداء التغيير شديدة لخوفهم على الامتيازات التي كانت لهم والمصالح التي كانوا ينتفعون منها، مما اضطر موسى إلى تسليم زمام الأمور إلى أخيه هارون، وتم صلب عيسى، وشنت الحروب الوحشية على محمد (أسرد من داخل النص الديني) ولهذا السبب في حالة محمد كانت السور المدنية جهنمية بالنسبة للسور المكية المبشرة بالعدل والمساواة والمحبة لجهنمية الأعداء، وهي صالحة لوقتها في القرن السابع، كما يقول محقًا الدكتور سامي الذيب، وليس لوقتنا، ففي وقتنا تبدو هذه السور، هذه "الأقوال" بالكلام الألسني، من خارج معطياتها المكانية والزمانية، ومن خارج السياق التاريخي الذي أنتجها، لا تتناسب ومتطلبات عصرنا، تنفي الآخر نفيًا قاطعًا، وتؤسس لفاشية جديدة.
أريد أن أنهي هذا العرض بأمنية عزيزة على قلبي بخصوص ليس القرآن فقط بل الإنجيل أيضًا والتوراة وكتب الهندوس وكتب الحكمة الصينية وكتب المجانين الحلمية وكل الكتب الدينية كل هذه الكتب الجميلة جد الجميلة كل هذه التحف الخالدة، لا أتمنى أن تكون للباحث محل درس فقط وتأويل، فهذه الأمنية غدت بالية، وهي أقرب إلى تبرير ما لا يبرر خوفًا من ظلامية المتزمتين كما ردد الدكتور سامي الذيب أبو ساحلية أكثر من مرة، وإنما أن تكون كأي كتاب يُقرأ للاستمتاع به، ثم يُترك في المكتبة، ويُنسى، شأنه شأن الكتب الأخرى.

باريس-     عنوان البريد الإلكترونى هذا محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تفعيل الجافا لتتمكن من رؤيته