لا حرية تحت نصب الحرية طباعة

موفق محمد

Image


في الغروب الذي تلون الغربان أصواتها
من وحشته..
وتقيم أعراسها
فالعراق عصائب غربان تهتدي بعصائب
وقبل أن نفترق
وأمي حفنة من سواد فوق العتبة..
قال لي عزرائيل
وكانت المدينة خالية إلا من وجهه
إذا كنت راغبا فأصعد معي.. وأبتسم

وهو يشد العلم العراقي على دراجته الهوائية
التي يستعملها مقلدا ساستنا للحفاظ على البيئة
ناظرا إلي بجمرتين لاهثتين تحترقان في جسدي
شكرا لدعوتك.. ولكنّي لم أنضج بعد
فلم أنل حصتي الكاملة من الجحيم..
فما زلت ألهط وألطم
حاسداً شمهودة لأنّي لم أجد صغاراً ولا عشاءاً
ومازلت بين نيوب الكبار
أنصاف الآلهة..
أُقتل عضّاً ودفراً وصلخاً وشيّا
ولم أتفحم بسيارة مفخخة أو عبوة لاصقة
من صنع جيراننا..
ولم يتشرف رأسي بعد بتوقيع الأستاذ (كاتم)
ولم أُكمل أغنيتي عن (عنيد)
الذي تمنت زوجته أن يموت بدلاً من عجلها
الذي داسه الشمندفر..
وتعني القطار النازل إلى الجحيم أو الصاعد إلى العالم السفلي
وهو يعرض الفيلم العراقي الرهيب
(جئنا لننتقم)..
منذ سقوط العهد الملكي وإلى يومنا هذا
وبقتل باهر
وهو يخطف الأوسكار لممثليه اللذين يخمطون
المليارات من خزائن هذا البلد المحروق
تاركين الكومبارس في الأرض الحرام
يعضون أصابعهم ندماً إن بقيت لديهم أصابع..
فبأي وجه سأقابل أصدقائي في مقبرة السلام؟
المدن مدن سلامٍ.. والمقابر مقابر سلامٍ
ونحن نفوج في طوفان الحروب
حفاةً عراةً..
وكيف سأعتذر عن هذه الميتة
التي نسيها العراقيون؟
وكانوا يسمونها أيام الخير (ميتة الله)
فلابد من ميتة تليق بي..
حيث لا قبر ولا وذرة أقف بها أمام الله
وأعتذر منك سلفاً لأنك لن تجد عندي ما تقبضه
سوى حفنة من رمادٍ تذرو بها الرياح..
 
قل لي أيها الموت
هل تسمع أنين الأطفال..
وهم يرضعون الحليب المعسل بالسرطان
من أثداء أمهاتهم؟
وهل تسمع دموع الآباء
وهم يبيعون بناتهم على الحدود؟
وهل تسمع دماء الأنهار
وهم يقطعون رقابها قبل أن تصل العراق؟
وهل أنت وحدك من يفعل كل هذا؟
أم إن لك عمالاً مهرة..
وهل تسمعني وأنا أغني لـ(عنيد)
الذي.. يسوى هلي وكل الكرابة؟
والذي هو نحن..
وأنا أغنيها على عناد زوجته
وشماتة بالمرحوم عجلها..
 
أفنيت عمرك لم تقم من وجعة إلا وطحت بأخرى.. سرمهر وأنكس
وما تخلصت من بورٍ لطمت به إلا تمنيته.. فالجاي جان أنكس
وما تحررت من وغدٍ قُتلت به إلا وجاءك وغد.. سرسري وأنكس
وتظل تقارن عمر مابين ذاك.. وذا
والصافي الك تصطلي بنيران شره.. وأذاه
لوكتله فدوة الشعب محروق كللك.. وإذا
ماطول أنا بالحكم حيل وعساه.. بأنكس
(لو كتله فدوة الشعب مجمور كللك.. وإذا
ماطول ماحصلت منصب عساه.. بأنكس)
 
وها أنت تهرس بين وغدين مبتهجين
منتشيين من فرط إحتراقك وإنتظارك..
شلّوا يمينك وأستعانوا بالذئاب على يسارك
هذا جزاءك أن تموت فدىً لصوتك وأختيارك
فإذا أدلهم دم الشهيد
وطغى الظلام على نهارك
ورأيت من كان المؤمل والمرجى والمقدس
لا يريد سوى أنكسارك..
فأقرأ على البلد السلام.. وقف الحداد على صغارك
 
والله لقد كانت زوجتي على حقٍ في أمنيتها
كون عناد ميت والعجل ظال.. يكابلني يا داده وياكل نخال
وهي تراني آكلاً ما لا أستطيع أن أسميه الآن
بكى صاحبي ملسوعاً من هذا الضيم العاصف بالناس
فلا حرية تحت نصب الحرية..
ولا خمرة في كأس أبي نواس
والمدارس بلا صفوف ولا موسيقى ولا كركرات..
هم يرفلون بسياراتهم المظللة رباعية الدفع
ومكاتبهم المبالغ في أناقتها
ومدارسنا تزدوج على أطفالنا مثنىً وثلاثاً ورباعاً
ولم تعد من أخي الذي خرج مثل ملاكٍ
سوى يد محروقةٍ في زنبيل..
وأمي تتوسل كل ما تبقى من صوتها
وتولول.. كل ما أرجوه من قاتلي
أن لا يطرق إلا بالكاتم رأسي.. فأطفالي نائمون
 
أمن أجل هذا تطيل الذئاب لحاها؟
أسوة بالنبي محمدٍ سيروا  في الأسواق
وتفقدوا الرعية بلا (ألف الصلاة) و(وخّر وخّر)
ولا رشاشات ولا حمايات..
إنهم يتعطرون على مدار الساعة
خوف أن تهبط عليهم الملائكة  ناقلة تشكرات الخالق
لما أسدوه لهذا الشعب الغارق في الظلام..
 
الآباء رحلوا.. والبيت الذي لمنا صغاراً
فرقنا كباراً
أللأرحام لعنتها حين تصير أوطاناً
وتكنس ساكنيها حطباً إلى الأرض الحرام أو المنافي؟
أنّى تطير
وقد خلقت بلا قوادم او خوافي
فأزحف فديت
خذ الفحيح من الزواحف والأفاعي
وأنسَ البلاد
فما البلادَ؟
إزاء تنور الطوائف
أنسَ البلاد التي أرضعتك حليب النخيل
ورأيت أنهارها تسيل مآذناً وكنائس
وبغداد التي تجري الأنهار من جدائلها
هي الآن معصوبة العينين واليدين
وأنا مدمنك ياعراق
لا أتوازن في الصباح
إلا حين أشرب كأسين من شمسك
وأتوضأ من رائحة قداحك
وأصحو في قاعة الدرس
أتهجى حروفك ياعراق
فتبتسم الأسئلة
وأنجح في الأمتحان
 
لست مجنوناً
فالشمس تنغرس مثل مخيط
في عمودي الفقري
وظلي لا يتقدمني
وأنا أتلفت عليه
خوف أن يفلت
فعلى أي رصيف سينام حين تغيب الشمس؟
وأنّى له أن يصل إلى دارنا
والسونار يتنشق الضائعين في السيطرات
تاركاً المفخخات تعصف بأجسادنا
المنخورة من صراع الديكة الهابطين علينا
محفوفين بالملائكة..
من عواصم الثلوج..
ومن مزابل السيّدة..
ومن صناديق القمامة في قم.. للمعلم وفّه التبجيلا
وهم يحملون معهم وظائفهم الألهية
تحت شعار (لو وزير.. لو ميصير)
وصاروا وزرا
وتصايحوا.. عراق أتجمع.. أسترح.. أستعد
إلى الوراء در
وتوقفوا عند تلّ حسون
وكونوا زاهدين
وأخشوشنوا لتستريحوا في الكهوف
وأفرنقعوا عنا في الطرقات
فإننا لا نرحم..
إنهم يرموننا أرضاً
ويلعبون الدومينو على مؤخراتنا المكشوفة
عندما تمر مواكب الآلهة
وقبل أن ينفتح السير في السيطرات
 
اللهم إنا نشكو إليك سوء ساستنا
فقد قتلوك فينا
وها هي دماؤك..
تنز من أسماعنا وأبصارنا
وهم ينظرون إلينا مبتسمين..
 
قال لي بلبل فضل عدم ذكر إسمه
كلما خمرتُ تينة
أستهدفها غرابٌ مدلهم ظلامه
وبكى..
فإلى من أرفع شكواه؟
سنصنع من النحيب الذي
يولول في صدور أمهاتنا.. ناياً
يصل إلى عنان السماء
لنُسمع شكوانا إلى من يهمه الأمر
 
فما زلنا في المربع الأول
واضعين الحصان خلف العربة
وعندما نتفق أو نختلف..
لا فرق
نقتل الحصان والسائق..
ونحرق العربة
ويقتل بعضنا بعضاً
في الفيلم العراقي الرهيب
(جئنا لننتقم)..
فمن ينتقم من من؟
ولا رابح في العراق
سوى المقابر.. .

اخر تحديث الإثنين, 12 دجنبر/كانون أول 2011 18:24