من وحي مقالات غير عابرة طباعة

عبد المجيد حرب

الشاعر الكبير سعدي يوسف :
تحية قارئ لم يعش من حياته أجمل من  الأيام التي صادف فيها كاتباً يملأ أفقه...
كبير أنت يا سعدي ، وشاعر ، شاعر رؤيوي !!وشيوعي حقيقي حتى نقي عظمك..لكنّك لست حزبياً ..فالحزب الذي قدمت من سيرتك مثالاً
عن الملتزم فيه لم يؤسس بعد ، ما زال في ضمير الغيب بعيداً عن عصرنا ..
لقد تأخرتُ في قراءتك، فاكتشفت سبباً من الأسباب الرئيسة في تأخري في اكتشاف ذاتي عبر الآخر، أو جانب منها على الأقل ..
وأعترف لصديقي سامي أحمد – الشاعر – صاحب دار التكوين بجميل لا ينسى إذ قرأت من بين إصدارات داره – وضمن آخر ما قرأت –
بعض كتاباتك ، ويقيني أن كل ما كتبته حتى الآن هو بواكير أعمالك !!

ليس غريباً أن تبدو متعباً يا سعدي ،فأنت قادم من مستقبل بعيد !! نعم وليس من ماض يذهب البعض – وما أكثرهم – باتجاهه ليلاقوك، فتتسع المسافة بينك وبينهم – ولا غرابة – إن هم مروا بك عبر كتاباتك فلم تصل إليهم ولا وصلوا إليك !!
ما زلت أذكر ، ولعل سواي مصرُّ على الهروب من ذاكرته، أو ليس تواقاً إلى بناء ذاكرة تدفعه إلى الأمام ، أو مازال مشدوداً إلى ماض يقعد به عن تخطي بؤسه الذي هو فيه، فبدلاً من أن يخلّف ذلك الماضي وراءه ، وضعه أمامه وراح يسعى سعياً حثيثاً ليلاقيه كأن فيه الخلاص !!
أتراها مأساة العرب أم مأساة الممسكين بدفة سفينتهم التي تتقاذفها الأمواج وهم يقتادونها – في الأعم الأغلب – بكل اتجاه فلا يزورّون بها إلا
عن اتجاه المستقبل الذي يضع أمتنا في عالم الحياة والتقدم والإبداع !!
أقول : مازلت أذكر أنني منذ سنوات  غير بعيدة – حين وقعت بيدي نسخة من العدد الأول من مجلة شعر ، تلك المجلة التي كانت شعلة إبداعية وستبقى متوهجة في تاريخ فكرنا المعاصر – أذكر أن القصيدة الأولى التي قرأتها في ذلك العدد هي لسعدي يوسف .تلك من آيات مجدك بلا ريب !! هل كان قدرك بذلك أن تطلق الطلقة الأولى في المعركة التي خضتها  إلى جانب أدونيس ويوسف الخال ومن كانوا معكم – ولم ينصفوا بعد ولا هم ينتظرون ، والمعركة ما زالت مستمرة ..ازداد أنصاركم فيها وما زال الخصوم أكثر من الأصدقاء ولا ضير في ذلك ، فليس عدد الأنصار هو الذي يحدد شرعية موقف في معركة !!
دائرة شعرك أوسع من دائرة قرّائك، وأضيق من دائرة قرائك دائرة الذين يقرأون ما بين السطور ، وأقل منهم أولئك الذين يلمسون الفكر في شعرك ، أو يهزهم الشعر في تفكيرك ...
لقد شعرنت نصوصاً ماركسية في قصائدك أحياناً ، وما أكثر ما حفلت قصائدك بما يثبت أن القصيدة يمكن أن تنتمي إلى عقيدة قد ينوء بحملها حزب كشف الزمن عن زيفه الأسطوري فتحول إلى مؤسسة للإفتاء والتبرير، وربما رفع راية الاستسلام على جثث شهدائه ، بينما بقيت القصيدة في ميدان المعركة دليلاً على أنّ الشعر – في حقيقته – تمرّد وثورة ورؤيا للحياة وصعود بها وارتياد لآفاق الخلق والإبداع !!
سعدي...
غير الذي يعرفك لا يمكن له أن يجيب عنك :كيف استطعت أن تقطع كل هذه الرحلة ، وأن تتحمل عذاباتها وأنت تحمل العراق في قلبك وعلى كتفيك حقائب المنفى ، وتمضي ((من سفر مضن ٍ إلى سفر أضنى)) كأنك على يقين بأن(( طريق الراحة التعب)) أظن أن البحث عن الراحة لم يكن في يوم مدرجاً في برنامجك ، وفي ذلك ما يشف عن بعض ثوابتك الخفية التي من بينها أن الراحة في التعب مادام التعب آية العطاء !!
أقصر من رحلتك ، وأقل من عذاباتها تلك الرحلة التي اكتشف فيها ماجلان رأس الرجاء الصالح ، فحطّ رحاله ، وقال للناس : أعيدو  النظر في الخارطة و..ضعو عنكم بعض أوزاركم !!بينما أنت ماض في رحلتك ، غير آبه بكل المخاطر التي لاقيت – وأدهى منها ما ينتظرك- ما دمت مصراً على البحث عن وطنك وعالم يليق بالإنسان – فيما تتقحم من مجاهل ربما ما ارتادها من قبل خاطر ملاح، وما كان لك أن تقطع كل هذا الشوط وأنت مازلت حياً تشعُّ ألقاً وتفاؤلاً وفي كل يوم بل في كل عمل إبداعي تبدو أكثر ازدراءاً للأهوال لو لم يكن زادك من عذاب الإنسانية !!
مبرر أولئك الذين كانوا ينتظرون غرقك وأنت تسبح بين هذه التيارات المتلاطمة الهوجاء وفي مختلف الأنواء إذ لم يروا انك بقيت ومازلت مشدوداً إلى صليب انتمائك الإنساني بوثاق من مبدئيتك لم ينفك عبر تلاطم الأمواج وتغيرات الأنواء في كل المحيطات التي مخرت عبابها!!
سعدي..
أستأذنك لأشكو معاناتي منك حين أكون بصدد قراءة عمل من أعمالك فأجدني موزعاً بين فضولي العارم الذي يدفعني لألتهم سطوره دون توقف وبين خوفي من أن أفرغ منه قبل أن يكون بين يدي عمل آخر لك أنتقل لقراءته ، وأركنه في زاوية مشرقة من مكتبتي فأجدني ما زلت مقيماً بين سطوره لا رغبة لي في أن أبرح مكاني!!
مرة واحدة التقينا فيها دون تعارف ، كانت في المركز الثقافي العربي في المزة يوم رحيل الجواهري ، كنت بين متقبلي التعازي وكان في يدك أوراق بيضاء فيما بعد أدركت أنها ما بقي على طاولة أبي فرات الذي سعدت بمعرفته قبل وفاته بسنوات قليلة وكم كانت لقاءاتنا مفعمة بالشعر والبهجة والشموخ ..
أتمنى أن نلتقي في دمشق وفي الزبداني بلدتي التي ترحب بك وسأقف على بابها لاستقبالك فذلك بعض حقك عليّ وإلى ذلك الحين سأغالب انتظاري بتتبع ما أقع عليه من أعمالك لأقرأه وأنتظر العمل الجديد ..مناي أن لا تترك أوراق بيضاء على طاولتك فقلمك بيدك ومداده من نسغ قلوب تنشد الحرية والخلاص .فلتكن كتاباتك دائماً نشيدها العذب .
أبلغك محبتي وأحييك 
تحية مفعمة بكل تقدير واحترام .
سورية – دمشق -  الزبداني مقابل مبنى السرايا
هاتف : 7114227
0944783211

عبد المجيد حرب – محام

اخر تحديث الخميس, 14 أكتوبر/تشرين أول 2010 16:51