ثلاث قصائد مُـبْـتــلّّة طباعة

 ســعدي يوســف
 
" نابِــل "  في الشتاء

تتجمّع الأمطارُ في كانونَ ...
طولَ العامِ تنتظرُ المدينةُ قطرةً ، وتَئِنُّ  . يبدو الـمَرْجُ بُنِّـيّـاً وأزرقَ في المساءِ .
وفي المساجدِ سوف تَستسقي الصلاةُ الـنَوءَ . هل تأتي إلينا القيروانُ ثقيلةً بالقَحْطِ
والتاريخِ ؟  نحنُ هنا  السواحلُ ، عِرْقُنا ذَهبٌ : أغارقةٌ ، ورومانٌ ، أمازيغٌ  ...
هنا ، في المعبدِ المنهارِ  ، في ليلِ اليراعاتِ الـمُضيءِ  ، نقومُ  : حوريّاتُنا يضحكنَ
في الـحَـمّامِ ، يستعجِلْننا .
تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ...

في الكورنيشِ ، صيّادونَ لم يَحْنوا الجباهَ لسطوةِ الأنواءِ ، بضعةُ فِـتْـيَةٍ تــاهوا
مع الفتَياتِ . في الكورنيشِ ذكرى أو رسائلُ . كان كِشْكُ مثلّجاتٍ يحتمي بالريحِ .
سوف نكون ، في مَغْنىً ، هنا !
" الروتوندُ " ماثلةٌ ،  هي الكورنيشُ والبحرُ ، الـمَقامُ  بلا وَلِيٍّ ،  والولايةُ دونَ والٍ .
إنّ " نابلَ " تحتمي بالبحرِ ،
" نابلُ " تدفعُ الصحراءَ  عنها ، والأذى ...
تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ...
كان السوقُ مفتوحاً ،  وكان المطعمُ الشعبيُّ ( لَبلابي وصحنٌ تونسيٌّ ) مقفراً .  هيَ جَوعةُ
 الزرزورِ . لا سوّاحَ . لا أشباحَ . أحياناً يوَدُّ الـمـرءُ أن يُصغي إلى ما ليسَ يُسمَعُ ....
هل صليحةُ ههنا ؟ سأسيرُ في السوقِ . الدكاكينُ الصغيرةُ  مثقلاتٌ . قالَ لي ولدٌ يُرَبِّي لحيةً :
إن البضائعَ كاسداتٌ . لا زبائنَ .
" نابلٌ "  ، كالنسوةِ الإغريقِ ، تهجعُ  بانتظارِ البحرِ ...
مَنْ يأتي غداً ؟

تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ...

لندن 06.01.2008
* نابل ( نيابوليس الإغريقية ) مرفأٌ تونسيّ على الرأس الطيّب .

رياح الأطلســيّ
 
تأتي رياحُ الأطلسيّ وقد جلبْنَ الماءَ
محمولاً بآلافِ الصهاريجِ التي صُبِغَتْ بلونِ الغيمِ ...
ثمّتَ سِــربُ طيرٍ جاءَ من إفريقيا
ومصائدٌ للأرنبِ البرّيِّ ؛
ثمّتَ غفلةٌ ،
وســعادةٌ ليستْ تبِيْــنُ
ومَوطِيءٌ في مَسْلَكِ الأحراشِ للسّـارينَ فـي الليلِ ...

الرياحُ وئيدةٌ
حتى كأنّ الغيمَ يَـثْقُـلُ فوقَ داري
ثم يدخلُ في الحديقةِ ...

كانت الأزهارُ ( جيرانيوم ) تلمُســهُ ، وتشربُ ماءَه العذْبَ ،
العناكبُ لا تزال تُقِـيمُ ، واثقةً ، مصائدَها
وتَكْــمُنُ ...

والرياحُ وئيدةٌ
ماذا سيَحْدُثُ  لو أخذتُ عصايَ ، بعد دقيقةٍ ،
وهجرتُ ما  أنا  فيهِ
منطلقاً إلى ما لستُ أدري ؟
كلُ ما في الكونِ يرتحلُ :
الكواكبُ ، والأفاعي ، والثعالبُ ، والضفادعُ ، والزرازيرُ
الذئابُ ، ودودةُ الأرضِ ، الخنافسُ ، والجذورُ ، وزهـــــرةُ
الخشخاشِ ، والموتى ، وأوراقُ الخريفِ ، وبذرةُ الــــتفّاحِ
إني الآنَ أخطو خطوتي الأولى
الرياحُ وئيدةٌ
وعصاي تمضي بي إلى ما لستُ أدري ...

لندن 30.9.2006

قصــيدةٌ مبتلّــةٌ
 
لثلاثةِ أيامٍ ، وثلاثِ  ليالٍ ، ظلَّ المطرُ الصامتُ
يدخلُ في الجِـلْدِ ، ويســـري في الدمِ  ،
حتى ابتلَّ  إطارُ الألـمنيومِ  وأوشكتِ الصورةُ
- مجرىً جبليٌّ – أن تغرقَ . كان العشبُ يميلُ
ويَخفُقُ ، كان يسيلُ . الغرفةُ باردةٌ . لا صوتَ
ولا امرأةٌ . والغرفةُ باردةٌ تَلتفُّ بزُرقـتِها وتنامُ .
السجّادةُ تُنْبِتُ أزهارَ البوشْناقِ الواسعةَ . الضوءُ
الذّرِّيُّ يرشُّ على الأزهارِ غباراً ذهباً . تَسّاقَطُ
أوراقٌ بيضٌ من سقفِ الـغرفةِ . والريحُ تدقُّ
على الشبّاكِ . المطرُ الصامتُ ينطقُ . مـاءٌ  في
الـمرآةِ ، وماءٌ سِــرّيٌّ في العينيـــنْ .

لندن 09.01.2007

اخر تحديث الثلاثاء, 08 يناير/كانون ثان 2008 11:48