أربع قصائد طباعة

ســعدي يوســف
العودة إلى البارِ الإيرلنديّ
كان البارُ الإيرلنديّ ، وأعني حانةَ فيتزجيرالدَ
انتقلَ الليلةَ من دَبْلِن
كي يفتحَ ذاتَ البابِ الضيّقِ في لندن ...
لي أن أحسَبَ كلَّ الأمرِ هُراءً
أو معجزةً ؛
قُلْ ما شئتَ
ولكنّ البارَ هنا بالفعلِ :
مقاعدُهُ الخشبُ
العَتْمةُ في العُمْقِ
وأسماءُ زبائنِهِ
والزهرةُ تَنبتُ في رغوةِ بيرتِهِ السوداءِ

كأنّ كتابَ خيالٍ عِلْـمِيٍّ أدخلَــني مختبَراً
وكأني في أرضِ عجائبَ ...
...........................
...........................
...........................
هل كان البارُ الإيرلنديُّ ، هوَ ، البارَ الإيرلنديَّ ؟
أكنتُ الجالسَ حقّاً عند البابِ ؟
وهل كان زبائنُهُ أشخاصاً بشــراً ؟
ومقاعدُهُ الخشبُ ؟
هل كانت خشباً أمْ محضَ ضَبابٍ ؟
هل كانت تلك الجدرانُ الملأى بالإعلاناتِ حوائطَ من قرميدٍ
أم كانت ورقاً في الريحِ ؟
وتلك المرأةُ ذاتُ الثوبِ الأسودِ ...
أهيَ الساحرةُ ؟
*
الضوءُ الباهتُ يَبْهُتُ أكثرَ عندَ أريكةِ مالكةِ البارِ
ومن زاويةٍ لم أعهَدْها جاءَ الكلبُ الألمانيُّ الراعي بعصا  ،
من زاويةٍ أخرى جاءتْ فاختةٌ ...
ثم أتى رجلٌ يحملُ أفعى تلتفُّ على يُســراهُ .
العَـتْمةُ تشتدُّ
ومالكةُ البارِ تردِّدُ أغنيةً لقراصنةٍ غرقوا في مرجانِ الكاريبيّ ...
العَتْــمةُ تشتدُّ
الألوانُ تغيمُ
وعيناي تغيمانِ .
......................
......................
......................
البحرُ بعيــــد .

لندن 28.03.2007

حـــريرٌ ســاخنٌ

مَـرِّغْ عينيكَ وجبهتَكَ ...
ادخُلْ في طيّاتِ حريرٍ لم تنسجْه يدانِ
وأدخِلْ هُدبَيكَ الجنّــةَ .
 أنتَ اللائبُ
 واللاعبُ
أنتَ المتمرِّغُ في عشبِ الليلِ
المتحدِّرُ في السيلِ
وأنتَ المنجرِفُ ، الضائعُ ، في أمواجِ حريرٍ لا تهدأُ ...
أنت  ، الآنَ ، تحسُّ بأن رطوبتَها الساخنةَ التصقتْ بكَ .
أنت ، تحسُّ بأنّ حريراً دبِقاً  أوشكَ أن يجعلَ جسمَكَ نوراً وحريراً .
هل تتأكّدُ ؟
هل تشعرُ أنكَ ناءٍ ، تتفصّدُ ؟...
 هل تشعرُ أنكَ ناءٍ وسعيدٌ ؟
ما أجملَها !
ما أجملَها من طيّاتِ حريرٍ نسجتْـهُ ، ورائحةَ الخمرِ القرويّ ، يدانِ
إذاً ، بَدَنان ...

لندن 13.03.2007

الصبّــارُ في الحديقة المنزلية
                     
يباغتُني الصبّارُ ...
في كل نظرةٍ وملتمَسٍ ألقاهُ صُلْباً و لامعاً !
........................
........................
........................

ويُقْلِقُني الصبّارُ ...
أهجِسُ أنني ضعيفٌ وقد أنبَــتُّــهُ في حديقتي قويّاً كأكوازِ الصنوبرِ
ربما تَعاورَهُ ثلجُ الشمالِ
وربما تناوَبَــهُ القَـرُّ الـمُشِتُّ
وربما أمَضَّ بهِ بولُ الكلابِ
وربّما  تناستْــهُ مَن تهوى الزهورَ
وربما ...
ولكنه الصبّارُ
صُلْباً ولامعاً يظلُّ
ومرأىً للحديقةِ
ملعباً وملتجَـأً للعنكبوتِ
وقطرةً مخبّأةً للنحلِ ،
بيتاً مقدّســا ...

لندن 10.04.2007

سأحاوِلُ ألاّ أقولَ شيئاً

كانت غيومُ الصُّـبحِ باردةً ، مخلخَــلةً
وكان الماءُ يصعدُ  من حشيشِ الـمَـرْجِ نحوَ  الغيمِ ،
ثَمَّتَ ترتعي الخيلُ …
الـمَراكبُ في القناةِ
وفي الـمَراكبِ كان شايُ الصُّبحِ خيطاً من دخانٍ في الـمَداخنِ ؛
لا طيورَ هُنا  .
غرابٌ كان  يَنقرُ ، باحتدامٍ ، جُـثّـةَ السنجابِ .
والورقُ الذي قد كانَ حتى أمسِ بُـنِّـيّـاً على وجه الحديقةِ ، صارَ يَسْــوَدُّ .
النوافذُ رُقِّطَتْ بِـنَـثِــيرِ  بلّــورٍ .
أيأتي الثلجُ ؟
سوف يدورُ في دفءِ القناني
في جذورِ الكَـرْمِ
والليلِ
النبيــذُ …

لندن  11.12.2006