قصيدتان من أنّا أخماتوفا |
ترجمة : سعدي يوسف حكايةُ الخاتمِ الأسوَد أنّا أخماتوفا (1) جَدّتي التتريّةُ نادراً ما منحتْني هدايا ؛ بل كانت حانقةً عليَّ شديداً لأني عُمِّدْتُ . لكنّها رقّتْ عليَّ ، قبل موتِها وأسِفَتْ ، للمرة الأولى متنهِّدةً : " يا لَلسنين ! هاهي ذي حفيدتي ، غدت امرأةً ! " لقد غفرتْ لي حماقاتي وأهدتْني خاتمَها الأسودَ مُعلِنةً : الخاتمُ لها ، ولسوفَ تُسعَدُ بهِ خيراً مني .
(2) قلتُ لأصدقائي : " ثمّتَ من الحزنِ عميمٌ ، ومن السعادةِ قليلٌ " ، وغادرتُ ، مُخْفيةً وجهي ؛ لقد أضعتُ الخاتمَ . وقال أصدقائي : " بحثْنا عن الخاتمِ في كل مكانٍ ، في الرملِ على امتدادِ البحرِ ، وفي المرْجِ بين الصنوبرات " . * الأشجعُ بينهم ، لحِقَ بي في الزُّقاقِ وأرادَ إقناعي بالتلَبُّثِ حتى المساءِ . دُهِشْتُ لنصيحتِه ، وغضِبْتُ على صديقي لأن عينَيهِ كانتا رقيقتَينِ . " لِمَ أحتاجُكمْ ؟ كلُّ ما تفعلونه أنكم تضحكون وتتنافجونَ حول تقديمِ الزهورِ " . لقد طردتُهم جميعاً .
(3) وحين عدتُ إلى غرفتي انتحبْتُ مثلَ طيرٍ جارحٍ منطرحةً على الفِراشِ لأتذكّرَ للمرّةِ المائةِ : كيف جلستُ إلى المائدةِ البلّوطِ أتعشّى ، كيف نظرتُ إلى عينَيه السوداوينِ وكيف لم آكُلْ ولم أشربْ ... كيف تحت مفْرَشِ المائدةِ المُفَوَّفِ خلعتُ الخاتمَ الأسودَ ، كيف نظرَ ، هو ، في عينَيّ ثم نهضَ ، وخرجَ إلى الرُّواقِ . ......................... هُمْ لن يجدوا كنزاً يأتونَ بهِ إليَّ ! في البعيدِ فوقَ القاربِ السريعِ تُمْسي السماءُ قرمِزاً ويُمسي الشراعُ أبيضَ ...
1917 ______________________________________ تمّتْ ترجمة النصّ بلندن في الرابع والعشرين من تمّوز ( يوليو ) 2015
في ذكرى م .ب
أمنحُك هذه ، بدلاً من الزهور على قبرك ، بدلاً من إيقادِ البخورِ ؛ لقد عشتَ على الكفافِ واحتفظتَ حتى النهايةِ بتلك الكبرياء . شربتَ النبيذَ ، وأطلقتَ الدعابةَ كما لم يطْلِقْها أحدٌ واختنقتَ بين تلك الجدرانِ الضاغطةِ ، وأنت ، نفسُك ، أدخلتَ تلك الضيفَةَ الرهيبَةَ وبقِيتَ وحيداً معها . أنت لم تَعُدْ ، ولا شيءَ يُسمَعُ ، في أيّ مكانٍ عن حياتك النبيلةِ الأسيّةِ ، صوتي ، وحده ، مثل نايٍ يعلو في جنازتك الصامتةِ . آهٍ ... مَن تُراه يصدِّقُ ، أني ، نصف المجنونة ، أنا المنتحبة على الأيام الخوالي ، أنا المتأجِّجة على اللهبِ الخفيفِ ، أنا التي فقدتُ كلَّ شيءٍ ، ونسِيتُ كلَّ أحدٍ - سوفَ أتذكّرُ الشخصَ المـفْعَمَ قوّةً وإرادةً وتطلُّعاً لامعاً الذي حدّثَني ، حتى أمسِ ، كما بدا لي ، متكتِّماً على ارتجافةِ الألمِ المميتِ .
آذار 1940
|
|||
اخر تحديث الأربعاء, 04 نونبر/تشرين ثان 2020 09:05 |