نعم ! أحببْتَها ... من نصفِ قَرْنٍ ، وأنتَ تئِنُّ ؛ تذكرُ كيف أسرى بوجْدِكُما قطارُ الليلِ ... لم تُحبِبْ سواها وإنْ عاشرتَ سبعاً من العَبِقاتِ وُدّاً . أنت تدري ... كأنك لم تُقَبِّلْ غيرَها ! ما زال طَعْمٌ من الجوريّ في شفتيكَ ، منها ... لقد أدميتَ منفتَحَ الطراوةِ ، أين تمضي بكل الوردِ ؟
لم يذبلْ ولم تذبلْ كأن القطار يظلُّ من بغداد يسري إلى نخلِ الجنوبِ ... كأن ماءً شفيفاً من عيونِ الله يجري . هذا القطارُ الذي مضى بكما ، القطارُ ذو السكّة الضيّقة القطارُ ذو مقصورة النوم الصغيرة مثل غرفة أطفالٍ ... سوف يحملك ، يوماًما ، من البصرة إلى بغداد ، مكبّلَ اليدين. كم حاولتَ أن تؤنسَ الشرطيّ المكلَّف ! كنتَ فتىً آنذاك ! نعم ... أحببْتَها كانت فتاةً لها طَعْمُ العجينِ وكان فيها من الطّلْعِ المفَتَّحِ ما تَقَطَّرَ ... كنتَ تدري بأنكَ لن تنامَ وكنتَ تدري بأن فتاتكَ انتظرتْ طويلاً لتهنأَ بالقطارِ . لقد وصلْنا ! عربات الدرجة الثالثة ، التي تنقل الجنود والفلاّحين والطلبة الفقراء العرباتُ التي يئنُّ فيها الخشبُ ، ويئزُّ الذبابُ والسعالُ والـصهدُ ، هذه العربات تتنقّل بالسجناءِ ، ليتوزّعهم العراقُ العميقُ . كنتُ مع الرفيق سامي أحمد ، رسغي اليمين مُوْثَقٌ إلى رسغـه الشمال . أخيراً تعلّمتُ أن الحياةَ التي قُدِّرَتْ لي ، هيَ الصورةُ ! الأمرُ أعسرُ من أن تقولَ : لقد عشتُ ... أبسطُ من أن تقولَ : سلاماً ! إذاً ، فلْنكُنْ في القطار ... نعم ... أنت أحبَبْتَها ! لندن 22.06.2013
|