إحدى وعشرون إطلاقةً متأخرةً لأدريان ريتش طباعة

سعدي يوسف
سنواتٌ عشرٌ عجاف
نعم يا عزيزتي أدريان ريتش .

Brera Café
نعم يا عزيزتي ، المقهى إيّاه حيث اعتدتُ أن ألقى أناساً قد لا يكونون أحبّةً ، لكني ألتقيهم على أي حال ، ليكونوا أحبّةً مع أنفسهم في الأقل .
في مقهى بريرا التقيتُكِ.
كنتِ أكرمَ من رأيتُ في هذا البلد الأمين.
أهديتِ لي كتابكِ
متضامنةً.
كان احتلالُ بلدي وشيكاً .

لكنكِ ملاكُ الحريّة . تضامنتِ معي ، يا أدريان ريتش ، بينما أبناءُ بلدي هنا ، في لندن ، وهناك في الأرض الأخرى ، كانوا مولعين بشتمي لأني ضد احتلال بلدي من جانب الإدارة الأميركية . هم لايزالون يشتمونني يا أدريان ريتش لأني ضد الاحتلال . ومن بين هؤلاء رفاقٌ لي لم يُسَمـوا الاحتلال احتلالاً حتى الآن.
ماذا أقول؟
القهوة التي شربناها كانت مُرّةً .
القهوة ، قهوتنا ، نحن المارقين ، ستظلّ مُرّةً .
تذكّرتِ كولونتاي التي نفاها ستالين إلى سيبريا.
أنا الآن في المنفى.
أتعرفين يا أدريان  ريتش أن لي في المنفى قرابة أربعين عاماً ؟
رقمٌ قياسيّ ؟
سارة ماغواير كانت معنا في المقهى.
كانت شاعرةً . هي الآن تشتغل في جامعة ذات سمعة . جامعة مثل جورج واشنطن التي تعرفينها جيداً .
عزيزتي أدريان ريتش
كنتِ في الحادية والعشرين حين اختاركِ أودن العظيم ، لجائزة الشعراء الشباب ، في جامعة ييل . بل أن الرجل كتبَ مقدمة ديوانكِ الأول !
لستُ أستعيدُكِ يا أدريان  ...
أنا أغنّيكِ
أغنّيكِ أيتها المرأةُ التي حرّرتْني من تفاهة الرجولة الرجولة .
سيظل طعمُ القهوة المُرّة في فمي.
طعمُ القهوة المـرّة سيظلّ في دمي .
لندن 07.09.2012

زمنٌ أميركيٌّ شــماليٌّ
قصيدة لأدريان ريتش  1929 16 أيّار- 29 آذار 2012
ترجمة سعدي يوسف

1
آنَ شرعتْ أحلامي تتبدّى
صحيحةً سياسيّاً
لا صوَراً مضطربةً
تَمْرُقُ عبرَ الحدود .
آنَ شرعتُ أمشي في الشارعِ
فأجد موضوعاتي جاهزةً لي
عارفةً ما لن أتحدثَ عنه
خوفَ أن يستخدمه الأعداءُ
بدأتُ أستغربُ .

2

كل ما نكتبه
سوف يُستعمَلُ ضدّنا
أو ضدّ مَن نحبُّ .
ها هي ذي الشروط ،
خذْها أو دعْها .
الشِّعرُ لا يَحتمِلُ إلاّ أن يكون خارج التاريخ.
بيتٌ مطبوعٌ قبل عشرين عاماً
سوف يتّقدُ على الجدار بالصبغ المرشوش
ليمجِّدَ الفنَّ سُمُوّاً
أو عذاباً لأولئك الذين لا نحبُّ
ولا نريدُ أن نقتلهم أيضاً.

نحن نمضي  لكن كلماتنا تظلُّ
وتغدو مسؤولةً
أكثرَ ممّا قصَدْنا .

إن هذا لامتيازٌ في الكلام.

3
جرِّبي أن تجلسي إلى آلةٍ كاتبةٍ
في أصيلٍ صيفيٍّ هادىء
إزاءَ طاولةٍ عند النافذة
في الريف ، جرِّبي التظاهرَ
بأن زمنكِ غير موجود
وأنكِ ، ببساطةٍ ، أنتِ
و الخيال يشطحُ مثل فراشةٍ هائلةٍ ، بلا مقصدٍ
جرِّبي أن تقولي لنفسكِ
إنكِ لستِ محاسَبةً
عن حياة قبيلتكِ
أو أنفاسِ كوكبكِ .


4

لا يهمُّ بماذا تفكّرين
الكلماتُ توجَدُ مسؤولةً.
كلُ ما تستطعينه هو أن تختاريها
أو أن تختاري الصمتَ . أو أن ليس لكِ من خيارٍ آخر.
لهذا تكون الكلماتُ التي نختارُ
مسؤولةً .

إن هذا لامتيازٌ في الكلام .

5

افترضي أنكِ ستكتبين
عن امرأةٍ تضفِرُ شَعرَ امرأةٍ أخرى –
مُسَرَّحاً إلى أسفل ، أو بقواقعَ وخرَزٍ
في ضفائرَ ثلاثٍ مسترسلةٍ
أو في سنابل  صفيفةٍ –
فإن عليكِ أن تعرفي الكثاثةَ
الطول  النوع
لماذا تقرِّرُ أن تصففَ شَعرَها
وكيفَ كانَ
في أي بلدٍ
وماذا جرى أيضاً في ذاك البلد.

عليكِ أن تعرفي هذه الأشياء .

6

يا شقيقتي ، الشاعرة : الكلماتُ
أحببناها أو لم نُحببْها -  تَشْخَصُ في زمنٍ لها.
لا جدوى من الاحتجاج    كنتُ كتبتُ ذلك
قبلً أن تُنفى كولونتاي
قبلَ أن يتمّ اغتيالُ روزا لكسمبورغ ، مالكولْم
أنّا ماي أكواش
قبل تريبلينكا ، بركناو
هيروشيما ، قبل شارلفيل
بيافرا ، بنغلادش ، بوسطن
أتلانتا ، سويتو ، بيروت ، آسام
تلك الوجوه ، الأسماء والأماكن
جُزّت’ من المفكّرة
في الزمن الأميركيّ الشماليّ.
______

الكسندرا كولونتاي 1872-1952 شخصية حكومية هامة في الفترة المبكرة للسلطة السوفييتية . نفاها ستالين إلى سيبريا.
مالكولم أكس1925-1965  مسلم أميركي أسود اغتيل في21 شباط 1965 . روزا  لكسمبورغ  ثورية ماركسية ومنظِّرة
                1871-1919 ، ومن مؤسسي الحزب الشيوعي الألماني.قتلها الجنود البروسيون في   .1919
أنا ماي أكواش : شابّةٌ مدافعة عن الهنود الأميركيين ، قُتلت بطلقة في مؤخرة الرأس ، في العام 1967
أوشويتز – بركناو  ، بلدة صغيرة في وسط بولندا . في المعسكر هناك قُتِل مليونان من اليهود والبولنديين على أيدي النازيين.
شارلفيل ، بلدة في جنوب إفريقيا قرب جوهانسبرغ . في 1960  . قتلت الشرطة العنصرية 70 متظاهراً . هيروشيما مدينة يابانية دمّرها
الأميركيون بقنبلة نووية  في آب 1945.
اضطرابات حول الحافلات المختلطة حدثت في بوسطن أواسط السبعينيات. جمهورية بيافرا أعلنت في 30 أيار 1967 حركة تقسيمية راح ضحيتها
مئات الآلاف. بنغلادش كانت في شرق باكستان حتى1971 . كلّف استقلالها عن باكستان 3 ملايين قتيل.
أسام ولاية في شمالي غرب الهند . حدثت فيها اضطرابات دموية بين الهندوس وأهل آسام في 1959-.1960

7

أنا أفكرُ بهذا  في بلدٍ
تُسرَقُ الكلماتُ فيه من الأفواه
كما يُسرَقُ الخبزُ من الأفواه
في بلدٍ حيثُ الشعراءُ  لا يذهبون إلى السجن لأنهم شعراء
بل لأنهم داكنو الوجوه ، نساء ، فقراء.
أنا أكتبُ هذا في زمنٍ
يمكنُ فيه أن يُستخدَم كلُ ما نكتبُ
ضد مَن نحبُّ.
حيث لا سياقَ
مع أننا نحاولُ أن نشرحَ ، مراراً وتكراراً
من أجل الشِعر في الأقل
عليّ أن أعرفَ هذه الأشياء .

8

أحياناً، وأنا أنزلقُ ، ليلاً ،
في طائرةٍ على نيويورك

أشعرُ كأنّ أحداً
يدعوني إلى مناجزة هذه الساحة من ضوء وعتمة.
فكرةٌ رائعةٌ
ولّدَها الطيَرانُ.
لكنْ تحت الفكرة الرائعة
فكرةُ أن ما كان عليّ أن أناجزَه قد ارتطمَ بالأرض المبلّطة
لقد صعدتُ درْجاتي العتيقة
وجلستُ عند نافذتي العتيقة .
وهاأنذا أنكسرُ ، وأخلُدُ إلى الصمت.

9

في أميركا الشمالية ، يتعثّرُ الزمنُ
إنه لا يتحركُ
إنه يُطْلِقُ ، فقط ،  ألَماً أميركيّاً شماليّاً.
جوليا دي بورغوس كتبتْ :
أحزنُ لأن جَدّي كان عبداً ؛
لكني سأشعرُ بالعار لو كان سيّداً.
كلماتُ شاعرةٍ
عُلِقَتْ على بابٍ
في أميركا الشمالية ، في العام
1983.
القمر شبه المكتمل يطْـلُـعُ
ناطقاً أبديّاً للتغيير
خارج البرونكسْ
خارج نهر هارلم
خارج مدن الكوابين الغارقة
خارج المدافن المستباحة
والمـَناقع المسمومة ، وميادين التجارب على الأسلحة .

أعودُ إلى الكلام .

1983

-----
جوليا دي بورغوس شاعرة وثورية من بورتو ريكو (1917-53 ) ماتت في شوارع مدينة نيويورك.
مدن الكوابين : خمس بلدات أُغرِقَتْ عند إنشاء سد في غربيّ ماساشوستس في 1937

Image

إلى سعدي يوسف
مع المودّة
والتضامُن
ولْنلتقِ ثانيةً.
أدريان ريتش

لندن 16 أيّار 2002

مـــلْــحَـــــق


  ثلاث قصائد سُحاقـيّـــة

أدْرِيان رِيتشْ 
Adrienne Rich

ترجمة : سعدي يوسف

*
 
القصيدة الأولى
“على العموم فضّلت ريتش أن تجعل للقصائد السحاقية هذه ،  أرقاماً لا عناوين "

نائمتين
مثل أجرامٍ سماويّةٍ
تدور في  مرْج منتصف الليل :
لمسةٌ واحدةٌ تكفينا لنعرفَ
أننا لسنا وحيدتَينِ في الكون ، حتى في المنام :
تهاويلُ أحلامِ عالمَينِ
يرودانِ  تهاويلَ بلداتهما ، كأنهما تتخاطبان.
لكنّ لنا صوتينِ مختلفَينِ  ، حتى في المنام.
وجسدانا ، متماثلان  ، لكنهما مختلفان
والماضي الذي يئزّ في عروقنا
محمّلٌ بلغةٍ مختلفةٍ ، بمعانٍ مختلفةٍ –
مع أن أيّ سجلٍّ للعالَم الذي نقتسمه
سيُكتَب  بمعنىً جديدٍ
نحن كنا عاشقينِ من جنسٍ واحدٍ
كنا امرأتَينِ من جيلٍ واحدٍ .

القصيدة الثانية

مهما حدثَ لنا ،
سيظلّ جسدُكِ يسكنُ جسدي – رخيّاً ، رقيقاً
وفِعْلُكِ الحـُبَّ  ، كالسعفةِ نصف المقوّسة
لسرخُسِ الغابةِ
الغسيلةِ توّاً بالشمسِ .
فخذاكِ المترحلتان ، السخيّتان
اللتان جعلتُ وجهي كلّه، بينهما ، مِراراً _
بَراءةُ وحكمةُ المكانِ الذي وجده لساني هناك –
الرقصةُ العنفوانُ العطشى ، لحلمتَيكِ في فمي –
لَـمْستُكِ عليّ ، قويّةً ، حاميةً ، تستخرجُني
لسانُكِ القويّ ، وأناملُكِ الرقيقةُ
تبلغُ ما كنتُ أنتظرهُ منكِ ، سنينَ ، في كهفي الرطب مثل وردةٍ
ولْيكُنْ ما يكون .

القصيدة الثالثة

لو استلقيتُ معكِ على ذلك الشاطيء
أبيضَ ، خالياً ، ذا ماءٍ أخضرَ ، صافٍ،  دفّأهُ تيّارُ الخليجِ
لو استلقَينا على ذلك الساحل فلن نستطيع المكثَ
لأن الريح تدفع رملاً ناعماً علينا
كأننا ضدّها
أو كأنها ضدّنا
لو حاولْنا  العنادَ وأخفقْنا –
لو ذهبنا بالسيارة إلى مكانٍ آخر
لننام بين ذراعَي بعضنا
وكان السريران ضيِّقَينِ مثل مَهاجع السجناءِ
وكنا متعبتَين ، فلم ننمْ معاً
هذا ما وجدناه ، وهذا ما فعلناه –
أكان ذلك ذنْـبَنا ؟
إنْ تشبثتُ بالظروف فبإمكاني الشعورُ بانني لستُ مسؤولةً.
فقط ، تلك التي تقول إنها لم تخترْ
هي الخاسرة في نهاية الأمر .

اخر تحديث الأحد, 09 شتنبر/أيلول 2012 16:04