رحيل شاعر اليمن طباعة

 سعدي يوسف
 أواسطَ شباط ( فبراير ) ، وفي القاهرة ، حيث كان الملتقى الشعريّ ، التقيتُ الشاعر اليماني عبد الكريم الرازحي الذي تربطني به صداقةُ أعوامٍ وأعوامٍ . كان لديّ الكثير ممّـا يستدعي الأسئلة عن اليمن وأهلها ، وأصدقائي الكثار فيها . إلاّ أنني اكتفيتُ بسؤالٍ واحدٍ : كيف حال محمد حسـين هيثم ؟
أجابني الرازحي بلطفه المعهود : بخير . يعمل في مركز الدراسات كما تعرف . لكنه ازدادَ بدانةً ، حتى لم يَعُدْ يستطيعُ ارتقاءَ درْجتينِ إلى مكتبه في المركز .

والحقُّ أن هذا الأمر يعود إلى سنين خلتْ ، إلى أيامي في عدن التي امتدّت حتى نهايات 1986 ، إذ كنتُ ألحَظُ محمد حسين هيثم يسير نحو البدانة بخطى بطيئة . وقد قلت له ذلك . آنَها لم تكن المسألة خطيرة ، فالشباب شبابٌ ، ومحمد حسين هيثم في بدايات خطواته الشعرية الواثقة .
ترافقنا ، أنا ، وهيثم ، في رحلة استمرّت أياماً بين عدن وحضرموت ، في محاولةٍ لقراءة المكان الشعريّ الأول للعرب : دمّون . قطن . حومل ... إلخ .
وهيثم كان في محاولاته الشعرية الأولى .
وفي تلهُّفه للإطلال على أسرارٍ من الصنعة .
في رحلة الحجّ تلك  ، كنتُ أكتبُ قصيدةً طويلةً . أكتبُها مُـنَـجّــمةً ، حسب طريقتي في كتابة القصائد الطوال . حرصتُ على أن يتملّى هيثم ما أُنجزُه ، يوماً بعد يوم . كنتُ أريد أن أُطْـلِعَه على مكامن معينة في كتابة النصّ .
التجربة كانت نافعةً لنا ، نحن الإثنين .
مع الوقت ، ظلّ الرجل ، وقد اطمأنّ إليّ ، كما اطمأننتُ إليه ، يُطْـلِعُني على محاولاته .
والحقُّ أنه كان يتقدم في الطريق بخطوات متسارعة مذهلة . ولربما كان الأبرز حركةً بين رفقته من الشعراء الشباب في عدن : مقبل ، وعبد الرحمن ، وسالمين ، والحنَكي ، و حتى شوقي شفيق الأقدم تجربةً .
وتمضي الأيام والقصائدُ بمحمد حسين هيثم ليغدو شاعر اليمن .
نبأُ رحيله داهمَني كطعنةٍ في الخاصرة .

                                          لندن 05.03.2007