القصيدة : أتتحمّلُ التخطيطَ ؟ طباعة

سعدي يوسف

منّا مَن يتذكّرُ قولةَ الفرزدق : واللهِ لَقَلْعُ ضِرْسٍ مني أهونُ عليّ من قول بيتِ شِعر  ...

وقولةَ مَن ردَّ عليه : يا هذا ، لقد شققْتَ على نفسِكَ . إن الشِعرَ لأيسَرُ ممّا تظنُّ .

أستعيدُ هذه الواقعة ، وأستعيرُها مدخلاً لحديثٍ عن القصيدة والتخطيط .

*

أنا في هذا المنزل بالضاحية اللندنية منذ خمسة عشر عاماً . في هذه الأعوام كتبتُ كثيراً ، وقرأتُ أكثرَ ، وراكمْتُ أحلاماً وخططاً .

المصادفةُ المحضُ جعلتْني أعثرُ على كرّاسٍ مجلّدٍ  جلداً أخضرَ خفيفاً ، فتحتُ الكراسَ ، وإذا بي أمام خطّةٍ عجيبةٍ لعملٍ شِعريّ لم أنجزْ منه حتى بيتاً واحداً !

الآن أظنني خطّطتُ للعمل غير المنجَز ، بعد قراءة متأنيةٍ لديوان ديريك والكوت " أوميروس " ، منذ سنواتٍ عشرٍ .

*

الخطة كانت كالآتي :

الأوذيســة

- تقع الأوذيسة في 500 صفحة.

- تضمّ الأوذيسة 10 كتُب.

- كل كتاب يبلغ 50 صفحة.

-الصفحات الخمسون تقسَم إلى5 أقسام.

- في كل قسم 10 صفحات.

-في الصفحة الواحدة 30 بيتاً.

- عدد أبيات القسم الواحد 300 بيت .

- 300×5 =1500 بيت في كل كتاب.

- 1500بيت×10 = 15000 بيت ( عدد أبيات الأوذيسة )

الكتاب الأوّل

أ- النهر - القرية.

ب- البحر.

ج- العاصفة.

د- شاطيء الهند.

ه- المعركة والأسْر.

*

وهكذا يمضي التخطيط العجيب حتى يبلغ نهاية العمل المتخيَّل في الكتاب العاشر !

*

قلتُ إنني لم أُنجزْ حتى بيتاً واحداً ممّا خطّطْتُ له بدمٍ باردٍ .

ولستُ متأكداً من قدرتي على إنجاز العمل .

*

في تجربتي الأقلّ مَطْمَحاً ، وجدتُ أن القصيدة تتحمّل نوعاً خفيفاً من التخطيط غير المتشدِّد . قد يَحْدثُ هذا بين اليقظة والمنام . قد يَحدُثُ في سرحةٍ أوتأمُّلٍ .

لكنْ من الضروريّ أن يمسكَ المرءُ باللحظة الهاربة .

ليكنْ في جيبك ، على الدوام  قلمٌ وورقة أو أكثر . دفتر ملحوظات صغير.

كان ماياكوفسكي يفعل هذا ، كي يحتفظ بالفكرة العابرة .

بول فاليري كان حريصاً على التقاط البرق الأوّل  للقصيدة ، إذ كان يرى أن ذلك هِبةٌ من  الآلهة.

*

هذا الضحى مترَعٌ بشمسٍ نادرة .

أنا أكتبُ .

لستُ أنتظرُ معجزةً .

هذا الضحى المترعُ بشمسٍ نادرةٍ هو معجزةٌ بذاته !

 

لندن في 28.11.2017