ريحانُ " شهرزاد " ... طباعة

سعدي يوسف

قبل أعوامٍ ، تذكّرتُ أغنيةً عراقيّةً قديمة من الموروث الشعبيّ ( الفولكلور ) ، مطلعُها : يا نبعة الريحان ، حِنِّي على الولهان ...

وفي مُنتآي اللندني ، في مَوهِنٍ من ليلٍ رطبٍ ، طفقتُ أترنّم :

يا نبعة الريحان

 

يا نبعةَ الريحانِ

حِـنِّــي!

إنني أمسَيتُ في الوادِ المقدَّسِ ، في طُوىً

لكنني أرنو إلى غيرِ المقدّسِ

إنني أرنو إلى مَن جاورَتْني في دمي

أرنو إليكِ

إليكِ وحدكِ: لا شــريكَ و لا شــريكةَ

إنني أرنو إليكِ

بكل ذُلّي

كلِّ حٌبّي

كلِّ ما يسَعُ الأذى

يا نبعةَ الريحان ...

..................

.................

.................

يا نبعةَ الريحانِ

حِــنِّـي...

إنني الولهانُ

حِنِّي!

الليلُ أقسى ، والحياةُ أشَـقُّ  إنْ لم تصطفيني

أو تَحِــنّي

يا نبعةَ الريحان !

لندن 14.10.2011

 

*

في البَرّ الغربيّ ، قُبَيلَ عودتي إلى لندن ، ونحن نبحث هناك عن " أوتيل" قد نتّخذه مقاماً لنا في عودتنا إلى  "الأقصُر " ، العامَ المقبل ، قادتْنا خُطانا المتعثرة إلى " فندق شهرزاد " غير البعيد عن العَبّارة .

والحقُّ أن الفندق كان جميلاً ، ذا طرازٍ محلّيّ من العمارة ، مزداناً بحدائق ، ومُنَعَّماً بحوض سباحة رائق .

لكنه خاوٍ من النزلاء  ، شأن أمثاله من فنادق البر الغربيّ ، في هذه الفترة المؤلمة من حال السياحة .

تعرّفنا على كنَدِيّين  من فانكوفر : رجل وامرأة .

امتدحا الفندق  ، إقامةً وإدارةً . قالا إنهما جاءا مصادَفةً ، بعد أن وجدا هذا الفندق على الإنترنت .

كان يجلسان في باحةٍ صغيرة  ، عند باب غرفتهما الأرضية ، تكاد تكون جزءاً من الحديقة البهيّة .

السيّدة كانت تجاهد مع الحاسوب المحتضَن ( اللابتوب ) ، والسيّد كان يحاول القراءة ...

كانت سعادتهما بالغةً حين تحدّثا مع كنديّة من تورنتو ، اسمُها إقبال !

النهار رائقٌ ، شأنه أبداً ، هنا في البرّ الغربيّ .

شرعتُ أتملّى الحديقةَ وأشجارَها ، وشُجيراتِها ، ونبتَها . فركتُ ورقَ نبتةٍ ، حسِبتُها شُجَيرةً ،  وشممتُ الورقَ وإذا بها نبتة ريحان !

يا نبعةَ الريحان ...

*

الريحانُ في العراق عشبٌ ، لا شُجيرة .

نحن نأكل الريحانَ غضّاً ، مع  الكباب ... شأنه شأن البصل الأخضر !

لكن للريحان في البرّ الغربيّ منفعةً كبرى . الريحانُ هنا مُلَطِّفُ للجوّ . زينةٌ في الحديقة . عبّقٌ عميمٌ .

الناس في البرّ الغربيّ يقدِّسون الريحانَ ، ولا يأكلونه  ، مثل ما نفعل ، نحن ، العراقيّين !

*

قلت لنوبي أحمد وأنا أفركُ ما تيبّسَ من زهرٍ على الريحانة : أريد أن أزدرعَ الريحان في لندن !

قال لي : سآتيك بالغَلّة ( يعني البذور الناشفة ) ...

ثم جاءني بحفنةٍ .

*

في أوتيل لوتس حيث أقمتُ ، عقدتُ صداقةً شبه صامتة مع البستانيّ ( الجنايني كما يقال في مصر ) .

أحيّيه كل صباح  ، وأسأله عن النبت والعناية بالنبت .

قلت له : معي بذور ريحانٍ سأحملها إلى لندن ... أتظن الريحان ينبتُ هناك ؟

أجابني واثقاً ، وهو يمسِّدُ أوراقاً من نبتة ريحان في حديقة اللوتس : تنبت !

*

ولقد صدقَ حُرٌّ ما وعدَ .

في أصيصٍ بنافذة لندنيّة ، تفتّحت البذورُ ، بذورُ ريحان البرّ الغربيّ!

هكذا ، كالمعجزة ...

بعد سبعة أيّامٍ !

*

إذاً ...

سأعود إلى الأقصُر . إلى برِّها الغربيّ ، وسوف أقيم في فندق شهرزاد ، حيث حديقة الريحان !

 

لندن 10.03.2017

اخر تحديث السبت, 18 مارس/آذار 2017 16:39