محمّــد عـفـيـفي مطَــــــر |
سعدي يوسف الشعراءُ يرحلون هكذا ، صامتينَ ، منسيّينَ. هل سيذكرُهم أحدٌ ؟ في هذا الكرنفالِ الجنازيّ لأمّـةٍ أُخرِجَتْ ، قهراً ، من التاريخ ، لا أحدَ يذكرُ أحداً . مصرُ ذاتُ خصوصيّةٍ هنا أيضاً. قبل محمد عفيفي مطر، مَن كان يتذكّرُ محمد صالح؟ وقبل محمد صالح ، مَن كان يتذكّر صلاح عبد الصبور ؟ * محمد عفيفي مطر ، مات بما مات به ملايينُ المصريين ، منذ كانت مصرُ ، ومنذ كان النيل . مات بفايروس الكبِد الوبائي. ربما كان عفيفي أكثرَ تعرُّضاُ للإصابةِ بالوباء ، بسببٍ من طبيعةِ غذائه ، اللصيقةِ بفقرٍ حقيقيّ. محمد كان يعيش في القرية ، في الغيط ( بتعبيره ) ، وكان إذا حلَّ بالقاهرةِ جلبَ معه غذاءه: جُبناً قَريشاً ، وأعشاباً من الحقل ، بصلاً وثوماً وكّراثاً وجرجيراً . كان يقول لي : ظلَّ الفلاّحُ المصريّ ، لا يتناول من الساخنِ غيرَ الشاي. * لا أعتقدُ أن شاعراً مصرياً لقِيَ من العنَت والظلمِ ، ما لقيه محمد عفيفي مطر. لقد اعتُقِلَ ، وعُذِّبَ ، حتى كاد جسده يتهدّمُ تماماً. ظلَّ أعواماً خاضعاً لعلاجٍ قد يُصلِحُ ما أفسده التعذيبُ من عصبٍ وعظمٍ ولحمٍ. أمّا تهمتُه فهي انتماؤه إلى حزب البعث. * كان بيني وبين الرجلِ بُرودٌ ما ، بسببٍ من سياجٍ سياسيّ صفيقٍ كان بيننا. في إحدى زياراتي ، للقاهرة ، اعتذرتُ له ، وقرأنا معاً في أمسيةٍ من أماسي معرض القاهرة الدوليّ للكتاب. وأظنني ، بِتُّ ليلةً ، ضيفاً عليه ، في شقّته المتواضعة ، التي تحاذي النيل. وكان غذاؤنا بعضَ ما جاء به من " الغيط " : الجبن القَريش والجرجير. * رحلَ محمد عفيفي مطر. عفيفَ اليدِ واللسانِ. 30. O6.2010
|