سيمفونيات ناقصة حقاً .... طباعة

 ســعدي يوســف
 لِحصاها فضلٌ على الشُّهُبِ      وثراها خيرٌ من الذهبِ
لستُ أرضى السماءَ  لي وطناً   بدلاً من جزيرةِ العربِ
إنْ بدا الآلُ في مفاوزها          قُلْ لنهر المجرّةِ احتجبِ
أو ( بدا ؟ ) البرقُ ....
تتمنى ( العروسُ ؟ ) لو لبِسَتْ   حُلّةً من طرازِها العجبِ

                                " نشيدٌ في المدرسة الابتدائية "
*
يا أوروبّا  ، لا تغالي     لا تقولي ( الوقتُ ؟ ) طابْ
سوف تأتيكِ الليالي      نورُها  لَـمْع ُ الحِرابْ 

                                   " نشيدٌ في المدرسة الابتدائية "
*
الروحُ بعدَ فراقِها الوطنا   لا  ساكناً ألِفَت ْ ولا  سكَنا
                           " خير الدين الزركلي "
                              شاعرٌ سوريّ في حاشية فيصل الأول 
ـــــــــــــــــ
مديح جزيرة العرب ، الذي تلقّيتُهُ في المدرسة الابتدائية ، بالعراق الجنوبي  ، نشيداً ،  آنَ تحية العَلم الصباحية ، كلّ
خميسٍ ، هذا المديحُ تحوّل مع  مَرِّ الأحداث والسنين  ،  من نشيدٍ ،  إلى أغنيةٍ . هذه الأغنيةُ ، بدَورِها ،  تحوّلتْ ، في
الحُلمِ ، والكابوسِ ، في تفكُّراتِْ الليالي الطوالِ ( ما أطولَها حقاً ! )  ، إلى سيمفونية ، سيمفونية ناقصة ...
الطفولة ُ تُختَرَمُ
جزيرة العرب  ،  البهية في الأغنية – النشيدِ ، تُختَرَمُ
الذاكرةُ ، ذاكرة الطفل والنخل ،  والرملِ المتلأليْ ماءً سحرياً مثل نهر المجرّة ...
هذه الذاكرةُ تُخترَم ...
الآنَ :
من يأتيني بالقصيدة ؟
مَن يأتيني بالنصّ الأول لمديح جزيرة العرب ؟
سأكونُ ممتنّاً .
أرجوك ، أيها الصديق ....
*
هنا أيضاً ،  أعودُ إلى ساحة المدرسة الابتدائية ، في تحية العَـلَـم   .
كنتُ - في ما أستعيده الآن -  أتصوّرُ  أوروبا  امرأةً  بدينةً ، ذات شَعرٍ كثيفٍ منفوشٍ . أتصوّرُها جالسةً على كرسيٍّ ضخمٍ ، وحولها حرّاسُــها . إنها تلَـوِّحُ  ، من عصبيةٍ ، بيدَيها  . ثم تصيح صيحةَ فرحٍ  .
صورةُ الحِراب إذْ أضاءت الليل لا تزال تبهرني .
ومن جديدٍ ، أرجو ممّـن لديه نصُّ النشيد أن يتكرّم بإرساله إليّ .
سيساعدُني في أن أعود إلى فتوّةٍ  مبتغاةٍ .
*
الصورة بالأبيض والأسود ، طبعاً .
الملك فيصل الأول ، في أيامه البغدادية الأولى ، تحفُّ به حاشيته ، من ضبّاطٍ شــريفيين ، ووزراء ، وموظفين .
اثنانِ كانا الرهيفَينِ حقاً ( نحافةً )  بين مَن في الصورة :
الشاعرُ والملك .
أمّا الشاعرُ فهو خير الدين الزركلي ، من أهل الشام .
كان في سيماه  ،  و في ملبسه الأنيق جداً  ، وفي قامته ، شبيه فرناندو بيسوا ، شاعر البرتغال ، ذي الأسماء الأربعة .
حين كنتُ في باريس ، ابتعتُ ، ذاتَ يومٍ ، من سوق براغيث شهير Marche’ aux puces ، في ضاحية مونتروي   Montreuil  ، الأعمالَ الكاملةَ  ،  لبيسوا  ،  باللغة البرتغالية  !
أيّامَها كان  العمال البرتغاليون  المهاجرون كثاراً في فرنسا ،   يعملون في الإنشاءات ، وشَـقّ الطرق .
هل  جاء ببيسوا ، إلى سوق البراغيث  ،  أحدُ هؤلاء العمال بعد أن أرهقته الحاجة إلى بضعة  فرنكات ؟
أنا لا أعرف اللغة البرتغالية ، لكني أعرف فرناندو بيسوا .
والبرتغالية لغة لاتينيةٌ ، على أي حال .
إنها ليست عسيرة الــمَغالِق .
خير الدين الزركلي ، شبيه فرناندو بيسوا  ، في الصورة ...
مَن يأتيني  بالنصّ الكامل لقصيدته التي مطلعُها :
الروحُ بعد فراقها الوطنا   لا ساكناً  ألِفَتْ ولا سَــكََــنا   !

                                                          لندن  11.9.2006