مُــلْـحَــقونَ بالقوّات EMBEDDED طباعة

ســـعدي يوســف

ا لبارحة  ، الثامن من تشرين أول ،  الساعة السابعة ، كنت في مســرح " شــاطيء النهر "   Riverside Theater، بمنطقة هامرسميث اللندنية ، التي لا أبلغها ، عادةً ، إلاّ  حين تبديل القطارات تحت الأرض … أو لزيارة  المسرح الغنائي

Lyric Theater ؛          لكني قصدتُ هامرسميث  ، وبالتحديد مسرح " شــاطيء النهر "  ، كي أحضر عرضاً لمسرحية 

" ملحَـقون بالقوّات "EMBEDDED  تقدمه الفرقة المسرحية الأميركية  ، عُصبةُ الـممثلين ،  The Actors Gang .

الفرقة ، مهتمة بما يمكن أن يسمّــى المسرحَ السياسي  ،  وهذه المسرحية  التــي كتبها وأخرجــها تِــمْ روبـنز

Tim Robbins ، تتناول شأن الصحافيين الأميركيين الذين أُلـحِــقوا بالقوّات تأميناً لسلامتهم ، ولسلامة تقاريرهم الصحافـية من وجهة نظر الضبّـاط  الـميدانيين .

حظِيتْ هذه المسرحية باهتمامٍ ، وقُـدِّمتْ في أماكن عدّةٍ من شــرقيّ الولايات المتحدة  ، ولسوف تؤدي جولةً  على الجامعات الأميركية  ، حيث الـمَـرْبَـعُ الطلاّبي الأميركي  The American Campusالشهير براديكاليّــته الدائمـة في الفنّ والشِّــعرِ والسياسة . كما قدّمَ التلفزيون البريطاني لقاءً  حيوياً مع المخــرج شاهدتُــه مصادفةً .

تعود المسرحية إلى الجذور ( الغائرة أحياناً ) لتأصيلِ موقفها من الحرب والاحتلال الاستعماري للعراق  ، ويَــرِدُ  في هذا السياق اسمُ  لِــيو شــتراوس Leo Strauss ( وهو ليس كلود ليفي شتراوس ! ) .

تذكر مجلة هاربر  Harper’s Magazine في عددها الصادر في حزيران 2004 ما يأتي :

في الخمسينيات ، وداخل جامعة شيكاغو  ، كان  الآتي مصادفةً ليكونَ أباً لِـما هو الأســوأ في السياسة الأميركية  ، يدرِّس افلاطون ومونتسكيو وسبينوزا وميكيافيللي وهوبز . كان له حواريّــون  ، وكان للحواريين واجبان : الجُـثُـوّ عند قدمَي المعلِّـم ، ونشــر كلمة حِـكمتِــه . ولقد أبدعَ " الشتراوسيون " في عملهم . إذ أن ليو شتراوس هوالكاتب الأكثرُ ذيوعاً

في المناقشات المهتمة بالفلسفة .

مارَسَ شتراوس تدريسَ أعمال الآخرين ، وليس لديه ، هو ، سوى تعاليقَ ، واتجاهٍ أصابَ بالعدوى الشبّـانَ المتحلِّـقين حوله .

حواريّــوه ، بدورهم ، لحِـقَتْ عدواهُم ، بصورةٍ منهجيةٍ ، بحكومة أقوى أمّـةٍ على وجه الأرضِ ، وأفســدتْها .

لقد بدأوا ذلك منذ ربع قرنٍ ، أي منذ الأيام الأولى لرونالد ريغان ، وبخاصة في وزارة الدفاع .

ومن كبرى الخدمات التي قدّمَـها شتراوس وحواريّــوه إلى نظام بوش ، فلسفة الكذب النبيل ، وتعني أن الأكاذيب ليست ضرورةً مؤسفةً في الحياة السياسية  ، بل انها وسائلُ للسياسة الحكيمة  ، فُضلى ،  ونبيلةٌ .

لقد وُصِفَ الشتراوسيون الذين قدّموا النصيحة ( بغزو العراق ) إلى إدارة بوش بأنهم قبَلانيون .

والحقُّ أن نصيحتهم هذه تجعل من الأفضل وصفهم بأنهم  ســفينة حمقى .

بول وولفوفيتز ، وريتشارد بيرل يتصدّران القائمةَ .

أعودُ إلى العمل المســرحيّ –

بالإمكان القول إن الجهد المسرحيّ مقسَّــمٌ بصورةٍ منضبطة ، تكاد تكون متساويةً  ، على ثلاثة مَـحاور .

-    الصحافيون وعوائلهم.

-     الضباط الأميركيون الميدانيون في العراق المحتلّ .

-          المفكِّــرون الشتراوسيون  The Think-tanks

هكذا نتابعُ الصحافيين يودعون عوائلهم ، ثم نتبع رسائلهم إلى العوائل المتضمنة انطباعاتهم الحقيقية ، وهي ليست الرسائل الموجهة للنشر في وسائل الإعلام .

ونتابع الضباط الميدانيين وكيف يُخضِــعون الصحافيين لأوامرهم ونواهيهم  ، معتبرين إياهم جنوداً في وحدةٍ عسكريةٍ خالصة ،

خاضعين للتأديب والتعنيف لدى أي زلّــة لسان . إخفاءُ الحقائق مهمّـتهم .

وتأتي حكاية المجنّــدة التي أنقذها طبيبٌ عراقيٌّ في مستشفى الناصرية  ، وكيف اختُــلِقتْ أسطورة إنقاذها على أيدي وحدةٍ من المَـغاوير الأميركيين .

نرى المجنّــدة ، في المستشفى ، يحيط بها أبَــواها ، ليقنعاها بأن تؤكد الأسطورةَ ، لقاءَ مبالغ تدفَــع .

إنهما يرددان الأسطورةَ ، لكنها تقول لهما : لكني ، أنا ، كنتُ هناك . أنا رأيتُ …

المفكرون الشتراوسيون ، تتقدمهم كوندوليزا رايس بشعرها الفاحم المتصلِّــب  .

إنهم يناقشون أعجبَ الآراء  وأكــثرَها إضحاكاً  ، بجديّــةٍ تدفع إلى مزيدٍ من السخرية .

*

الديكور متقشفٌ ، وتَـمَّ تعويض هذا التقشُّـفِ بالجهد في الإضاءة ، وفي المؤثرات الصوتية أيضاً  ( شـيءٌ من المبالغة هنا )  .

الأزياء عادية ، محددة بالملبس العسكريّ في الغالب ، باستثناء المفكرين الذين استعملوا أقنعةً كالمسرح الياباني .

*

لـم تستطع المسرحية الإلمامَ بالمشكلة العراقية إلماماً متوازناً ، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في العمل الفني ، وقد أشار إلى هذا الأمر المخرجُ في المناقشة التي تلت العَـرضَ حين قال إن العمل يقدمُ أسئلةً ومنطلقاتٍ كي يمضي الـمُـشاهِـدُ  بها إلى أبعدَ . وأوضَحَ أن الحاكمينَ منذ شكسبير ، هم هم ، والشعب هو هو  ، والولايات المتحدة ليست استثناءً . نحن الآنَ في منطلَقِ حركةٍ شعبيةٍ واسعةٍ  ضد الإستعمار .

أحد المشاركين في النقاش الذي تلا العرضَ اقترحَ على الفرقة تقديمَ عروضٍ للمسرحية في بغداد  ، وقد أيّـدتُ الاقتراح ، متمنياً ألاّ تُلحَقَ الفرقة المسرحية بالقوّات ( قوات الاحتلال ) ‍‍‍‍ ‍…

سُــئلتُ في النقاش نفسه عن الأصولية في العراق .

قلتُ إن المجتمع العراقي ، كما عرفتُــه ، مجتمعٌ متسامحٌ ، وإن الأصولية اختراعٌ أميركيٌّ  استُخدِمَ في الحرب الباردة  ، وفي الحرب الساخنة بأفغانستان .

الأصولية ليست ظاهرةً عراقيةً .

إنها أميركيةٌ  … وبامتيازٍ ، كما يقول الفرنسيون .

 

                                                          لندن    9/10/ 2004

اخر تحديث الثلاثاء, 23 أكتوبر/تشرين أول 2007 19:56