ثقــافةُ التحريــر طباعة

الحركة الشيوعية حيّـةٌ في أفغانستان
حزب اليسار الراديكالي الأفغاني
ترجمة وإعداد: ســعدي يوســف

" لمناسبة الأول من أيار  2005 ، أصدر حزب اليسار الراديكالي الأفغاني بياناً في إحياء ذكرى شهداء الطبقة العاملة العالمية ، لكن البيان يقدم أيضاً صورةً عمّـا يجري في أفغانستان ، وتحليلاً للواقع الاجتماعي/ السياسي هناك . وبالنظر للكابوس الواحد الجاثم على أفغانستان والعراق  ، رأيتُ تقديم هذه المادة إلى القاريء " .
                                                                                                                 س.ي

 لمناسبة الأول من أيار
يوم العمال العالمي
بعد خشوعنا لدم عمال شيكاغو الغالي ، نودّ أن نحتفل بأول أيار ، لا بإطلاق الشعارات العاطفية ، وإنما في الإشارة إلى خمس نقاط هامّـة ، بُـغْـيةَ توعية العمال الأفغانيين ، في هذا الظرف الذي تدنّت فيه الثقافة السياسية الطبقية ليس فقط للعمال ، وإنما لمعظم المثقفين اليساريين أيضاً الذين ينتابهم الغموضُ إزاء مهمات الطبقة العاملة ، والأدب الماركسي ، وتضامن العمال الأممي ، ونظرية الاشتراكية العلمية ، إلخ …
1- مهمّـات البروليتاريا
قبل أن نشرح المهمات التاريخية والثورية للطبقة العاملة ، تنبغي الإشارةُ  إلى الآتي : ترى أعدادٌ من مثقفي اليسار أنه لا توجد أصلاً طبقةٌ عاملةٌ في أفغانستان ، لأن المعامل والمصانع قد دُمِّــرتْ . لهذا السبب ، ينتفي مبررُ الحديث عن ثورة اشتراكية عمّـالية . وينبغي تأجيل هذه المهمات إلى المستقبل .
لكن  رأي هؤلاء المثقفين لا ينطلق من تحليلٍ ماركسيّ . إنه ينطلق من مفهومٍ غير ماركسيّ حول العلائق الحقيقية بين رأس المال والعمل المأجور .
فهناك  ، أوّلاً ، عددٌ معيّنٌ من المعامل والمصانع لم يدمَّـرْ ، حيث يشتغل العمال بصورة فعّالة أو غير فعّالةٍ . ثانياً نرى أن فكرة هذه المجموعة من مثقفي اليسار عن العلاقة بين رأس المال والعمل المأجور هي مبتذلةٌ وتقليدية لدى المثقفين اليساريين في أفغانستان . وبمقتضاها ليس العمال سوى أناسٍ يبيعون قوّة عملهم إلى المعامل . طبيعيٌّ أن العلاقة بين العمل ورأس المال في  الميدان الصناعي تمثل علائقَ حديثة ومنهجية ، حيث بيعُ قوة العمل وتراكمُ رأس المال جسيمانِ ، وحيث يضطلع العمالُ بضبطٍ معيّنٍ . لكن علينا تأكيد أن العلاقة بين العمل ورأس المال في المعامل والمصانع ليست العلاقة الوحيدة في الرأسمالية ، فهذه العلائق يمكن أن تؤسَّس في المزارع والمؤسسات الإنشائية والتحميل والنقل ومدّ الطرق والأسواق والمراكز التعليمية وأفران القرميد وأماكن العمل الأخرى . لذا ففي أفغانستان نرى أن العمال المؤقتين والدائميين موجودون بالفعل ، بل لقد تضاعفَ عددهم ، مراراً ،  مقارنةً بحرب السنوات الخمس والعشرين .
لهذا عجزَ هؤلاء المثقفون ، بسبب ضعفهم النظري ، ونواقص بحثهم ، عن فهم الحقائق السابقة .
لقد اكتسحت الرأسمالية كل العوائق التي استندت إلى اقتصادٍ محليّ منهار . لذا لم يعد النظام الإقطاعي يكتب تاريخ بلادنا وقَـدرَها  . العلاقة بين العمل ورأس المال هي التي تصنع تاريخ أفغانستان .
الطبقة العاملة ليست فقط كتلةً هائلةً تحت اضطهاد الرأسمالية يكلِّـفُها المثقفون بمهمّـات وأحاسيسَ إنسانية لتنجذب إلى الثورة . الطبقة العاملة المضطهدة – الأرقّاء والفلاحون وعمّال الصناعات الخفيفة الأولى ، هي كتلةٌ ثوريةٌ هائلةٌ حديثةٌ  ، إن اشتدَّ وعـيُـها ، ونُظِّمت باعتبارها طبقةً لِذاتِــها  ، ولسوف تحطم السلطة السياسية للرأسمالية  ، وتزيل علائق العمل ورأس المال ، وتُنهي المِلْكيةَ الخاصة ، مسببةً انهيار وتداعي كل العلائق اللاإنسانية الناشئة عن الأنظمة الاجتماعية الطبقية . هذه هي بالتأكيد مهمة الشيوعيين والاشتراكيين الثوريين ، أن يحاولوا توعية وتنظيم الطبقة العاملة ، لبلوغ الثورة ، وخلْقِ مجتمعٍ إنسانيّ   بجسم هذه الطبقة ، لا بهم ، ولا بأي طبقةٍ أخرى . نحن ، في أفغانستان ، نفهم أن المثقفين اليساريين الحاملين وباءَ الانحراف الماضي يسقطون  فـي عادات المعتقدات البورجوازية ، مثل القومية والشعبوية وإنشاء الجبهات وأفانين الديمقراطية …
لهذا السبب يرون الكلام عن ثورةٍ تعتمدُ نظريةَ الاشتراكية العلمية ، بديلاً غريباً ومستحيلاً .

2- الأدبيات الماركسية
يرى عددٌ غير قليلٍ من المثقفين اليساريين في أفغانستان أنه  ينبغي في النضال ضد الطبقات الحاكمة ، ألاّ تستخدَم المفاهيمُ والأدبياتُ الماركسية ، مثل : الشيوعية ، الاشتراكية ، الطبقة ، رأس المال ، فائض القيمة ، بيع قوة العمل ، إلغاء الطبقات ، وهدم الدوَل .  وكذلك ينبغي ألا تُذكَـرَ  أسماء ماركس ، إنجلز ، لينين ، في ما يُكتَبُ أو يُلقى .
وحجّـتُهم هي أن أفغانستان مجتمعٌ متخلفٌ وتقليديٌّ ، هُزِمت فيه أحزاب مثل خَلْق- بارشام ( حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني ) ، و شــولا ( المنظمات الماويّــة ) بسبب السياسات الراديكالية المتطرفة التي أدّت إلى انهيارها . من هنا تأتي الحاجةُ إلى خلق أدبياتٍ غير ماركسية .
مع حرب السنوات الخمس والعشرين ، التقى المثقفون اليساريون والمثقفون المتدينون المهووسون ، نتيجةَ الانحراف والنظريةِ / الممارسةِ الرجعية ، وعن طريقَينِ متناقضَينِ ، في نقطة واحدةٍ ، هي الهزيمة . الفئة الأولى ردّت الهزيمة إلى الممارسة اليسارية المتطرفة ، والفئة الثانية ردّتْــها إلى الأداء الديني المجنون . وهكذا ، قررت الفئة الأولى أن تكون انتهازيةً نظرياً وعملياً أكثرَ من السابق ، لكي تمسح عن وجهها وصمةَ اليسار . وعلى النقيض من ذلك تحاول الفئة الثانية نظرياً وعملياً أن تستبدل بجهلها وفاشيّتها الدينية  ، " التحديثَ " والديمقراطية .
اليسار المنحرف لا يفهم أن الأدبيات الماركسية ليست إبداعَ فيلسوفٍ أو نتاجَ خالقِ كلماتٍ . هذه الأدبيات تعكس علاقة العمل ورأس المال ،  والممارسة الموضوعية لنضال الطبقة العاملة الواعية ضد الرأسمالية المتعفنة . ولهذا لا يمكن تحدِّي الرأسمالية ، بأدبيات أخرى ، مثل المفاهيم البورجوازية الدينية  ، والأفغانية محبة الديمقراطية ، آيَرانْ ومولاي . نعم ، بمقدور البحّــاثةِ أن يصنعوا   نظرياتٍ من صمتهم واستيائهم وخوفهم واعتناقهم المعتقدات الخرافية  ، وأن يختبئوا وراء هذه النظريات  ، وينتحروا . لكن نظرية الاشتراكية العلمية تريد ، وبإصرارٍ ، ثوريينَ ،
مسلّـحينَ بأدبياتٍ طبقيةٍ واضحةٍ ،  كي تتحقق أهدافُنا .

3- تضامنُ العمّـال الأممي
العمل الدؤوب في سبيل الأممية البروليتارية مهمةٌ تسبق أياً من  المهمات الوطنيةَ الأخرى . و علينا ألاّ ننساها أو   نرتابَ فيها . لكن علينا أيضاً القولَ إن الجهد العمالي  على نطاق الوطن هو الجهد نفسه المتحقق على نطاق الكوكب .
لكنْ ، لماذا يكلِّف الشيوعيون أنفسَـهم  هذه المهماتِ العظيمة ؟
الجواب بسيطٌ : العالَـمُ مقسَّـمٌ بين مجموعاتٍ رأسمالية ، ومعنى هذا أن رجال بلاط العالَم ينتسبون إلى الرأسماليين لا إلى العمال . ولهذا ، يتعيّــن عليهم جميعاً ، أن يؤدّوا واجباتِهم بصورة طبيعية ، المتابعة ، والسيـطرة ، والتحقُّق ، وتوسيع النظام الرأسمالي ، والدفاع عنه ، كبلدٍ مُـعَــوْلَــمٍ . وهكذا تكون مهمة الشيوعيين أن يتخذوا الإجراءاتِ وينشطوا أيضاً . وإلاّ فإن البديل سيكون للستراتيجيا البورجوازية قصيرةِ النفَسِ ، مثل القومانية والشعبوية المبتذلة ، التي ليس لها إلا خدمة الرأسمالية المحلية وبقايا الإقطاع .

4 – النظرية الاشتراكيـــة
في أفغانستان ، حيث الأمّــةُ تغرق قي الخرافة اجتماعياً وسياسياً ، تلحُّ الحاجةُ لأن يأخذ المثقفون اليساريون مكانهم في فضاء الأمّــة . لكن اليسار البورجوازي يريد إخفاءَ بؤسِ الوعي السائد  ، لا الشيوعيين .
إن التخلف النظري لليسار الأفغاني كان واضحاً منذ البداية – وهذا أمرٌ طبيعيّ -  لكن بعد خمسٍ وعشرين سنةً من الحرب ( بين الأميركيين والسوفييت )  ، واعتناق يساريينَ الإسلاميةَ ، تحوّلَ البؤسُ النظري وعبادة الخرافة إلى مباديء ساميةٍ يحظى حمـلَـتُها بالتشريف ، باعتبارهم " قوماً عمليين " . وعلى النقيض من ذلك ، اعتُبِـرَ من فهموا النظريةَ  وأنفقوا ما أنفقوا من وقتٍ في دراستها  ، " ديدانَ كتبٍ " . وتأسيساً على هذا الانحراف ، لم يأخذ قادة اليسار لهذه البلاد ، الاشتراكيةَ ، باعتبارها علميةً ، وتركوا أنفسَهم وأعضاءَ هم ، ينخرطون في تبني معتقدات القرون الوسطى والنظريات البورجوازية .
من هنا ، آخذين بنظر الاعتبار ، الحالةَ المؤلمة المشار إليها ،  نعتبر من مهمّتنا ، ومهمة اليساريين الآخرين ، والشباب بخاصّـةٍ ، دراسة الكتب  الكلاسيكية والمجـدَّدة للاشتراكية العلمية ، والاقتصاد السياسي ، والفلسفة ، والأدب والفن الثوريَينِ ، علينا إعادة تثقيف أنفسنا ، بوعيٍ ومعرفةٍ . وإلاّ ، وكما يقول ماو ، لا حقَّ  لأحدٍ في الحديث عن الماركسية وإفلاســها .
 
5- مســتقبلُ العالَــم
الشيوعية تراجعت ، لأسبابٍ تاريخيةٍ معيّــنةٍ ،  لكن طبول الرأسماليين تدقُّ معلنةً هزيمتَـها النهائية ، لكن ينبغي القول إن التناقض بين العمل ورأس المال ، لايزال ، التناقضَ الأساسَ في العالَم ،  والقضيةَ  الموجِّهة لتاريخ الأرض . الرأسمالية بكل تطوُّرِها وتقدُّمها في العلم والتكنولوجيا غير قادرةٍ على أن تقدمَ شيئاً غير الدفاع عن وجودها المتعفن واضطهادها البلايين من بني الإنسان ، والبؤس ، والبطالة ، والتفاوت ، والعنصرية ، والعنف ، والحرب ، والهجرة ، والتهديد النووي ، وتلويث البيئة …
في هذه الأيام ، لا يجد الملايين من البشر ، في حياتهم ، إلا أن يبيعوا قوّةَ عملهم . ملايينُ البشر يعانون من انعدام المأوى ، والرعاية الصحية ، ومن الأميّـة ، وقلة الملبس والمشرب والمأكل ، والأمان ، والعمل . انتشار وتهريب المخدرات ، والأيدز ، والبغاء ، وتهريب النساء والفتيات والأطفال ، الإرهاب ، والرقابة ، والحرب الدموية في العراق وأفغانستان وفلسطين … كل هذه من صُنع النظام الرأسماليّ . إن طبيعة نظرية تطور رأس المال والسوق الحرة ليس لها سوى تطوير الاضطهاد، والجريمة ، والنهب الرأسمالي ، في كل أرضٍ مهما بَـعُـدَتْ .
هكذا تقف الشيوعيةُ ، البديلَ الأقوى ، والأشدَّ مضاءً ، ومنطقيةً إزاءَ الرأسمالية .
عاشت راية تضامن العمال العالمي !
 
                                               حزب اليسار الراديكالي الأفغاني
                                               أول أيّـار 2005
ــــــــــــــــــــ
* المصدر :> <
www.antiimperialista.org
* تمّت الترجمة بتاريخ 17/5/2005 ، في لندن

اخر تحديث الخميس, 08 نونبر/تشرين ثان 2007 10:23