من أينَ تؤكَـلُ الكتِف ؟ طباعة

 ســعدي يوســـف
في أواخر آذار هذا ، وفي دمشق ، أقيمت ندوةٌ متخصصةٌ حول الترجمة المتبادلة بين العربية والإنجليزية ، بمبادرة من " المجلس الثقافي البريطاني " ، ودعوةٍ من وزارة الثقافة السورية .
وقد كنتُ واحداً من المسهِـمين في هذا الجهد الثقافي المسؤول ، وكانت لي مداخلتان .
من محاور الندوة سؤالٌ :
ما الذي يساعد الكاتب ( العربي ) على نشر مؤلّـفاته في الغرب ؟
لقد أوضحتُ أن أول ما يساعد الكاتبَ العربي في نشر مؤلفاته في الغرب  ، أن ينشر كتاباته في وطنه الأمّ أوّلاً .

وأعني بالنشر في الوطن الأمّ ، الإعترافَ بأنه كاتبٌ أوّلاً  ، في لغته ، وبين قومه .
وأرى أن من المستلزمات البدَهيـة للكاتب في لغته ، وبين قومه ، أن يعرف لغته ، ويحترم قومه ، ويعتبِـر تراتبية الواقع الإبداعي الوطني .
أقول هذا لأنّ ظواهرَ مقلقةً ، أخذت تظهر على السطح ، منذ بدأت عملية التهميش التاريخي الراهنة للأمّـة العربية وثقافتها .
لماذا يكون محمد شكري- وهو صديقي بالمناسبة –  ، لا محمد زفزاف مثلاً ، الأنموذجَ المنتقى للثقافة المغربية ونصِّـها الإبداعي ؟
أردُّ الأمرَ إلى سببينِ :
أوّلُـهما ، أن محمد شكري لم يكتب نصّـه بالعربية . لقد أملى " الخبز الحافي " إملاءً بالدارجة المغربية ، وتلقّـفه بول بولز ساخناً .
وثانيهما ، أن محمد شكري يقدم مجتمعه كما يشتهي الآخر ، ضمن معادلة المستعمَـر والمستعمِـر                 The colonized and the colonizer
الآخر لا يريد أن يكون المهدي بن بركة وجه الشعب المغربي ، لأن الآخر نفسه ، هو من أمر بتصفية المهدي بن بركة في باريس واختطافه ، ثم تذويبه بالأســيد في المملكة المغربية .
الآن…
كل من لا تعرف العربية ، ومن لا يعرف العربية ، أو مَـن لم يُعترَفْ بها ، أو به ، في الكتابة ، صارا العملةَ النادرةَ التي يتهافت عليها ناشرون وذوو مؤسساتٍ ثقافية ، غربيون .
ومثل الفِـطْــرِ ، تنجُـمُ الكلماتُ التي لا معنىً لها ، ولا مقابل ، بالعربية : جَـنْـدَر Gender  مثلاً ، وإذا بعشرات الـ N.G.O’s تختلَقُ اختلاقاً وتموَّلُ ، وكلّــها حول الجندر !
وبرزَ ، فجأةً ، شعراء من الجنسَــينِ ، يكتبون نصوصاً مهلهلةً ، ميسّـرةً ، كي تترجَـمَ رأساً ، إلى لغاتٍ أوربيةٍ ، دونَ أن يجرؤوا  على نشرها باللغة العربية ، مخافةَ الفضيحة !
وظهرَ حكّــاؤون ، يلفَّــقون ، ويبشِّــعون سوءاتِ مجتمعهم ، بصورةٍ كاريكاتيرية ، كي تترجَـمَ هذه التلفيقاتُ باعتبارها أعمالاً طليعيةً في القصة .
*
علينا ، نحن الكتّـابَ العربَ ، أن نحترمَ أنفسَــنا أساساً
كي يحترمنا الغربُ …
لكن الأمرَ الواضح جداً ، يبدو صعباً جداً ، في متاهتنا ، القائمة الآنَ ، كيوم القيامة !
 
                                                                لندن 2/4/2005