في البرّ الغربيّ ، مع حَسَن فتحي أيضاً طباعة

سعدي يوسف

ارتطامي بمعمار حسن قتحي ، أي ببقاياه ، كان قبل أربعة عشر عاماً ، أو نحوها ، حين عبرتُ ، بمُعَدِّية الحكومة ، النهرَ الخالدَ ، إلى البرّ الغربيّ .

ميراث حسن فتحي ، ليس على قائمة الرحلات السياحيّة .

ميراث حسن فتحي ، مجهولٌ أو يكاد .

حسن فتحي ليس رمسيس الثاني . إنه أعظمُ وأجَلُّ .

رمسيس الثاني  غير محتاج إلى صيانة ، إذ تكفيه صلادةُ الحَجر . لكن رِقّة عمارة حسن فتحي ، ومادتَها الحسّاسة ،محتاجتان إلى صيانةٍ ، صيانةٍ من نوع خاصّ جداً ، قد أسَمِّيه صيانة الحنان .

أقول : هذا العامَ ، وفي شهر فبراير ( شباط ) ،   2017 ، عبرتُ بمعدِّية الحكومة أيضاً ، النهرَ الخالدَ ، إلى البرّ الغربيّ ، حيث حسن فتحي .

أنجزَ الرجلُ العظيمُ حلمَه بقرية مصريّة جميلة ، حين شرعَ سكَنةُ المغاورِ  في جبال البر الغربيّ يهبطون من مغاورهم ليسكنوا منبسَط الأرض .

حلمُ الرجلِ  كان من الطين والتِّبْن:

ساحة صغيرة .

قصر ثقافة .

مسرحُ نصف دائريّ .

رواقٌ تنفتح عليه دُورٌ ودكاكينُ .

مسجدٌ .

*

كان مؤسَفاً أن يظل المسرح مغلَقاً منذ 2009

وكذلك المسجد ،وقصر الثقافة .

حين دخلتُ الأقصرَ ، شاهدتُ مبنى حديثاً بلا هويّة ، يحمل لافتة " قصر الثقافة " ، بينما يظل حلمُ حسن فتحي مغلَقاً !

*

مئذنةُ  مسجد حسن فتحي ، مناقشة جادّة لمبدأ " الأيْر " المتَبَع في المئذنة المألوفة  .

مئذنة حسن فتحي ، مربّعةٌ ، هي أقرب إلى " خِيرالدا " ما . إنها خيرالدا الغَيْطِ ، خيرالدا الريف المصريّ العميق . المئذنة هنا هي مأوى الحمام والطير .

منها تنطلق الأجنحة إلى السماء الصافية أبداً .

منها ، أيضاً ، يتعالى الأذان ، والتهجُّدُ ، وتمجيدُ الخالق .

*

المسجدُ مغلَقٌ .

لِمَ أُغلِقَ ؟

للبيت رَبٌّ يحميه .

*

الحقُّ أنني أحسستُ بإحباطٍ لا حدَّ له .

لِمَ أُغْلِقَ كلُّ شاخصٍ يدلُّ على عبقرية مصر في العمارة الفقيرة ، عمارة حسن فتحي ؟

لِمَ كلُّ تلك الأقفال الصدئة على قصر الثقافة والمسرح والمسجد وبيوت الرواق ؟

الأنّ مهندسي السمنت والحديد هم القوّامون على كل شيءٍ؟

وحضارة الطين والتبْنِ ؟

أين نذهب بها ؟

إنها حضارتُنا . هويّتُنا ...

إنْ أغلَقْنا عليها ، أغلقْنا على أنفسِنا في جحيم العولمة .

 

الأقصُر 19.02.2017

اخر تحديث الأربعاء, 10 أكتوبر/تشرين أول 2018 07:03