" مقلوبة " غالب هلَسا ... طباعة

سعدي يوسف

أواخرَ السبعينيّات بدأتْ في بغداد ، الهجرةُ نحو الشمال .

وعندما وصلْنا بيروت لائذينَ بالخيمة الفلسطينية ، وجدْنا غالب هلسا هناك . لقد سبِقَنا ، هو المناضل المحترف ، بينما كنا ، نحن الهواة ، نتناقش ، شأنَ حكماء بيزنطة ، في طبيعة صدّام حسين وطبائعه .

كان أقربَ إلى " الجبهة الديموقراطية " ، فهو من الأردن ، والرفيق أبو النوف من الأردن أيضاً .

علاقة غالب بالمكان ذات خصوصيّة فنّيّة .

روايته " وجوه بغداد الثلاثة " تُفْصِحُ عن تلك العلاقة  ، الدقيقة والصعبة ، في آن.

*

على أي حال ...

نحن في صيف 1982 . في بيروت المحاصَرة .

كانت دروع شارون توقفتْ عند الضواحي الجنوبيّة ، بانتظار رحيلنا .

كانت لدينا خطوط تَماسّ .

وكان من واجبنا الأخلاقي متابعة المشهد الخطِر ، بالمُضِيّ إلى خطوط التماسّ ، ولقاء المقاتلين .

*

" الجبهة الديموقراطية " خصّصتْ لغالب ، ولي ، سيّارةً نتنقّل بها ، عبر المواقع .

في أحد الأيّام قال لي :

اسمعْ يا سعدي !

سنأكل اليوم ، مقلوبة ...

أين يا غالب ؟

في بئر العبد !

*

الطيَران الحربي الإسرائيليّ كان يحلِّقُ خفيضاً .

ولكي نبْلغ بئر العبد ، حيث المقلوبة ، كان علينا أن نمرّ بالليلكي ، وحيّ السلّم .

توقّفْنا في حيّ السلّم المهجور إلاّ من موقعٍ للمقاومة .

هبطْنا إلى الموقع .

كان الآمرُ ضابطاً سودانيّاً ، فارع الطول ، اسمه عبد الناصر .

قال لنا : نحن في موقع تعويق ، لا في موقعٍ قتاليّ . انظُرا ترَيا الدبّابات الإسرائيلية .

تطلّعْنا .

كانت الدبابات الإسرائيلية عند كلية الهندسة المهجورة ، بينما يتمشّى جنود شارون بين أشجار الرمّان .

*

أخيراً ، بلغْنا بئر العبد .

جاءت المقلوبة .

طائرة حربية إسرائيلية اندفعتْ قريبةً من رؤوسنا .

كنا نعرف أن الذخيرة مخزونة تحت مستديرة الساحة ، حيث نجلس ، حول المقلوبة .

سائق سيّارتنا قال متوسِّلاً :

يا عمّي لنتركْ هذه المقلوبة ! أنا عندي عائلة ...

قال غالب : لقمة أخيرة !

 

لندن 19.12.2017

اخر تحديث الثلاثاء, 19 دجنبر/كانون أول 2017 18:40