نِزار قبّاني شاعرُ القرن العشرين الـمـُغَنّى... |
سعدي يوسف في العام 2005 كنت في سوريّا ، ضيفاً على المركز الثقافيّ العربيّ بالرقّةِ ، أيّامَ كان المركز المتألقُ على الفرات ، بعهدة حمود الموسى ، الكريمِ ( أظنُّه في دمشق الآن ) . كان الفرات يسيل الهوَينى . وكانت الحياةُ رخيّةً رضيّةً . والبُحيرة ذات أسماكٍ ونوارس . رقصتُ مع صديقتي أندريا تييرني على ضفة الفرات ... في حفلة رقص على النهر العظيم ! اغتنمتُ فرصة وجودي هناك ، لأعودَ د. عبد السلام العجَيلي ، فنّان القصة القصيرة ، والطبيب ، ووزير خارجية سوريا يوماًما . بلَغَني أنه مريضٌ ، مُلازِمُ فراشٍ . تذكّرتُ قصته " ساعة المـُلازم " ... ( كنت التقيتُه للمرّة الأولى في مقهى " لاتَيرنا " الدمشقيّ مع صديقي الراحل، الشاعر علي الجندي " أبو لهَب" ) قال لي مُرَحِّباً : يا سعدي ... كنتُ أعالجُ أهل الرقّة جميعاً . لكني الآن مريضٌ أحتاجُ إلى مَن يعالجني ! كان الحديث مع عبد السلام العجيلي رائقاً . وأتذكّرُ أنه أسَرّني أمراً . قال : حين كنت وزيراً للخارجية ، رجاني نزار قبّاني أن أعيِّنه في وزارة الخارجية دبلوماسيّاً. نزار قبّاني ، لا أدري أين هو الآن ... * ظلّ نزار قبّاني في السلك الدبلوماسي السوريّ حتى تقاعُده. وقداختار بيروت مقاماً بعد طول ترحال ، وأسّسَ هناك دار نشره الخاصّة " منشورات نزار قبّاني " بعد أن ضاق ذرْعُه بالناشرين ، وبمُزَوِّري دواوينه ، ومن بين هؤلاء " أكرم الطبّاع " المشهور بسطوه التاريخي على روايات نجيب محفوظ . ماذا فعلَ نزارٌ ؟ أرسلَ مَفرزةً من " قوّات الردع العربية " ( اقرأ السوريّة ) ليصادروا النسخ المزوّرة من كتبه ، ويحبسوا أكرم الطبّاع أيّاماً معدوداتٍ ! * التقيتُ نزاراً ، لكنْ ليس كثيراً . واشتركتُ معه في قراءاتٍ شِعريّة ، أيّامَ القيروان البهيّة . قال لي نزار ناصحاً : لا تُرْبِكْ نفسَكَ وجمهورَ القاعة . اختر قصائدك بدقّة . اطبعْها . ضعْها متسلسلةً . ثم اقرأْ قصائدكَ ، واحدةً بعد أخرى ! لا تكن مثل موزعِ بريدٍ مرتبِكٍ ... * أصدرَ نزارٌ ديوانه الأوّل " قالت لي السمراء " فكان لصدوره رعشةُ الفُجاءةِ . كنا اعتدْنا عفّة اللسان لدى علي محمود طه وإبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل ، بل حتى الأخطل الصغير، كما اعتدنا صوفيّة إلياس أبو شبكة المترجِّحة بين جحيم بودلير وطُهرانيّة نوفاليس . أمّا أن يأتي شاعرٌ فتىً ليعلِّمَنا كيف نتعامل مع المرأة فقد كان الأمرُ عجَباً ما مثله عجبٌ ! * وتتوالى دواوينُ الشاعر ،ويُخَوِّضُ في مياهٍ هي بين الضحالة والعُمْقِ ، لكن ما يجمع مسعاه ، على اختلاف مستوى ، كان تحرير المرأة العاشقة من التستُّر على أحاسيسِها، وتحرير القاريء من ضبابِ النظرِ إلى المرأة . * لقد أوصلَ نزارٌ ،القصيدةَ العربية ،ببهاء فصاحتِها ، إلى الناس ( فتَياتٍ وفتياناً ) ... وهكذا تألّقتْ نصوصُه أغانيَ : أمّ كلثوم . عبد الحليم حافظ . فيروز . نجاة الصغيرة. ماجدة الرومي. فائزة أحمد. أصالة . لطيفة . طلال مدّاح. إلهام المدفعيّ . لكنّ أسوأ مصيرٍ لقِيتْهُ قصائدُه كان في ما " غنّاه " كاظم الساهر ! كان الأمرُ كارثةً فنّيّةً ... كيف تحمّلَ نزارٌ، هذه الوطأةَ كلَّها ؟ لِمَ لمْ يوقف الرجلَ عند حدِّهَ ؟ * نزار قبّاني أوصلَ القصيدةَ الفصيحةَ بامتيازٍ إلى الأغنية ، إلى ما تحفظُه البنتُ والفتى . لم يكن شاعرَ عاميّةٍ . لم يدمِّرْ ذائقة الناس كما فعلَ " الشعراء الشعبيّون " كما يقال عنهم في العراق . الشعراءالشعبيّون في العراق ، هم دمارُ الذائقة . " شعراء " أمثال عريان السيّد خلف ...الذي لا يفرِّق بين صدّام حسين ولينين ! ليس من ذائقة فنّيّة في العراق . كلُّهم يعود إلى المبتذَل . العاميّ والأمّيّ . الشيوعيّون ، بخاصّة ، كان لهم دورٌ بارزٌ في انحطاط التربية الجماليّة لدى الجمهور العراقيّ . مرّةً كنتُ في عاصمةٍ أوربية . ألقَيتُ قصيدةً . بين المستمعين كان كوكب حمزة . قال لي : قصيدتك جميلة . لكنْ لماذا لا تردُّها إلى العاميّة ، لأُلَحِّنَها ؟ تْفو ! لقد تعِبْتُ على الفصيحةِ ، عشراتِ السنين ، لأروِّضَها ، والآن يأتي تافهٌ ، ليردّها إلى العاميّة . * أحَبُّ دواوين نزارٍ لديّ ، ديوانه المبكِّر ، " قصائد " هكذا . في هذا الديوان شيءٌ يجمعه مع " شجر الليل " لصلاح عبد الصبور ، هو البحث عن الكمال . قصيدته : مع جريدة ... أخرجَ من معطفه الجريدة ... يقال : جاك بريفير ! وماذا ؟ أليس الفنُّ تعَلُّماً دائباً ؟
تورنتو 12.06.2017
|