مع الملكة آنْ ، وأنّا تْيَيْرْنِي ، في مسرح " البجعة " |
سعدي يوسف أمسِ ، كنت في ستراتفورد على الآفون ، بلدة شكسبير ، لأشهد مسرحية " الملكة آن " التي يجري تقديمُها في " مسرح البجعة " Swan Theatre . والحقُّ أن رحلتنا إلى ستراتفورد ، والعرضِ المسرحيّ ، لها أكثَرُ من سبب . لقد مرَّ وقتٌ طويلٌ على آخر زيارة لي . كما أنني أزور ، الآن ، البلدةَ ، مع إقبال ، للمرة الأولى . أندريا ، صديقتُنا النمساويّةُ الكريمةُ أوصلتْنا بسيارتها البولو ، وحضرتْ معنا العرضَ ، متلهفةً . أمّا اللهفةُ فـمَرَدُّها أن ابنتَها أنّا تمثل دورَ الليدي سومرسِتْ . وهو أوّلُ دورٍ لها في مسرحٍ شكسبيريّ . لقد عرفتُ أنّا تييرني منذ طفولتِها ، وتتبّعتُ سيرتَها الفنّيّة الجادّة التي بلغتْ ، أمسِ ، علامةً أساساً في ما سيكون تاريخَها الفنّيّ . أنّا ، هي ابنة أندريا ، ومالكولْم تييرني الممثل المرموق في السينما والمسرح ( توفّي قبل سنوات) . كتبتْ مسرحيةَ " الملكة آن " ، هيلين إدموندسُن ، وأخرجتْها ناتالي أبراهمي . * تدورُ المسرحية حول " آنْ ملكة انجلترا وأسكتلندة وإيرلندة " 1665- 1714 . كانت الملكة ذات شخصية قلِقة ، تعاني من عيوبٍ في الجسد والنفس ، كما أن زمنَ مُلْكِها كان مضطرباً ، ذا حروبٍ في الخارج والداخل ، وهي التي بسطتْ سيطرتَها على اسكتلندة ، وأعدمتْ أختَها ماري ملكة الإسكتلنديّين ، كما أنها اختارت الأنجليكانيةَ ، لا الكاثوليكية ، كنيسةً . * استطاعت مخرجةُ العمل ، ناتالي أبراهمي ، أن تسجِّلَ نجاحاً مرموقاً ، في الجمع بين أجواء العرض Show وبين مَهابة المسرح الرصين . كما تَمَّ التغلُّبُ على إشكالات تغيير الديكور ، عبرَ الإضاءة ، التي تُحَوِّلُ غرفةَ النوم الماثلة في مُعْظمِ المَشاهدِ إلى جدارِ قلعةٍ مثلاً . الممثلون ، أنفسُهم ، كانوا يحملون ، بأيديهم ، الأثاثَ الذي استنفدَ مهمّتَه ، إلى خارج المسرح ، بدون أن يشعرَ المُشاهدُ بأن الأمر غير طبيعيّ . * الموسيقى ، كان يؤدّيها عازفون محترفون ، في عِلِّيّةٍ ، بالمسرح ، على الأوبو والجلو والكمان . كما هي العادةُ في المسرح الشكسبيري التقليدي . * لقد اقتربَ العملُ المسرحيُّ ، من الحضور ، الذي كان يستجيب لما يقالُ على الخشبة . وهناك سخريةٌ ، وقصائد هجاء ، في حاناتٍ صاخبة يؤمُّها الشعراءُ والفنانون ، أيامَ الملكة آن . ثمّتَ صلةٌ خفيّةٌ بين الأحداثِ والأحاديثِ التي نشهدها على الخشبة ، وبين الوضع الراهن في المملكة المتحدة ، وما فيه من وقائعَ ، ومشكلاتٍ . لكنّ هذه الصلةَ تظلُّ خفيّةً ، توميءُ ولا تجْهرُ . تتّجهُ إلى الداخل ، لا إلى الخارجِ ، كأنها تتبعُ طبع الإنجليز المعروفَ بالتحفُّظِ والحِفاظ على ماء الوجه . * كان الجوّ صحواً ، حين بلغْنا ستراتفورد : الشمسُ ساطعةٌ ، ونهرُ آفون تتلألأ مياهه الهادئة ، التي يتهادى فيها البجعُ والطيرُ . طُفْنا بنُصبِ شكسبير ، وتقرَّيْنا تمثال الليدي ماكبث ، وهاملت في مشهد الجمجمة . دخلْنا قاعة المسرح هكذا . لكننا آنَ غادرْنا القاعةَ بعد ساعاتٍ ثلاثٍ ، كان المطرُ يهطلُ غزيراً . * وفعلْنا ما يفعله الناسُ ، في وضعٍ كهذا . لُذْنا بأقربِ موضعٍ مسقوفٍ : حانةِ غارِكْ التي عمرُها عُمرُ شكسبير . كان السمَكُ شهيّاً . وممثلتُنا الشابّةُ أنّا تييرني تحتفل معنا احتفالَينِ : عيد ميلادِها ، ودَورها في المسرح الشكسبيري !
لندن 14.01.2016
|
|||
اخر تحديث الأحد, 06 مارس/آذار 2016 19:25 |