سعدي يوسف قبل حوالي سنواتٍ عشرٍ ، أظهرتْ إحصائيّةٌ أن أربعين بالمائة من البريطانيّين ، على غيرِ دينٍ . ويوم أمس ، تحديداً ، بيّنتْ إحصائيّةٌ جديدةٌ أن نسبة مَن هم على غير دينٍ من البريطانيّين بلغتْ خمسين بالمائة . في اسكندنافيا ، مثلاً ، قد تبلغ النسبةُ ، الستّين . مع الزمن ، تتحوّلُ أوربا إلى قارة من الوثنيّين . وثمّتَ مسارٌ تاريخيٌّ .
الثورةُ الفرنسيّةُ في 1789 مهّدت الطريق ، بإلغاء امتيازات الكنيسة وفصل الدين عن الدولة . ونابوليون الذي اجتاح أوربا بجيش من الحفاة تحت راية الثورة مثلثة الألوان ، رسّخَ هذا الفصلَ. الثورة الروسية في 1917 كانت أعمقَ راديكاليّةً ، حين اتّخذت الإلحادَ سبيلاً . لكن المملكة المتحدة كان لها سبيلها المختلف الذي بدأ بتمرد كنيستها على روما البابوية ، أواسط القرن السادس عشر ، أياّمَ هنري الثامن ( 1491-1547 ) . هذا السبيل المختلف ظلّ خفيّاً ، لا يكاد يُرى ، بل أن الكنائس ظلّتْ قائمةً كما هي ، وإن بدأ عددُ المؤمنين الذين يؤمّونَها يتناقص تدريجاً . وفي زعمي أن اليسار البريطاني ، على اعتداله ، أو بسببٍ من اعتداله ، كان السبب الرئيس في اضمحلال التديُّنِ . * أنا أسكن ، غير بعيدٍ عن وسط المتروبوليس ، لندن ، في ما يشبه الريفَ . قبالتي مبنى لكبار السنّ . أعياد الميلاد ورأس السنة تقترب ، لكني لا أرى على المنازل تلك الزينات المتّصلة بالمناسبة ( وبخاصّة الدينيّ منها) . * أنا ، المرء الوحيد ، الذي يضع على بابه إكليلاً ، هذه الأيامَ . يقول بدر العظيم مخاطباً سيدتَنا مريم : تاجُ وليدِكِ الأنوارُ ، لا الذهبُ ... * عصرَ هذا اليوم ، الثلاثاء ، الثامن من ديسمبر ، كنتُ أطِلُّ على المبنى المقابلِ ، مبنى كبارِ السنِّ . راعَني أن أرى امرأةً ممدّدةً عند المدخلِ ، وليس عليها سوى غطاءٍ شفيفٍ . كان شعرُها ، وهو في بياض الثلج ، يلتمعُ . هبطتُ عجِلاً ، أستطلعُ . كانت الأرضية شديدةَ البرودة . رجلٌ وامرأتان كانوا هناك . قيل لي إن المرأة العجوز تعثّرت ، وهي تدخل المبنى . الآن لا تستطيع الحراك . وهم بانتظار سيارة الإسعاف. * في مثل لمح البصر ، تذكّرتُ قصة لدوريس لسِنغ ( الحائزة على نوبل ) تُفَصِّلُ فيها كيف تأتي عربةٌ ، الفجرَ ، إلى مبنى مهجورٍ في هامستِد ، يلجأُ إليه المشرَّدون ، كي تجمع الموتى منهم . * كنت مع الواقفين إزاء المرأة الممدّدة . فجأةً تحدّرت الدموع من عينيّ . السيدة التي كانت واقفةً قربي ، فتحتْ عينَيها ، واسعتَين : أنت تبكي ! قلتُ لها : المسيحيّةُ الأولى ! 08.12.2015
|