تُـحِــبِّـيـنَ بْــرامـــز ؟ طباعة

  ســعدي يوســف

يومَ رحلتْ فرانســواز ساغان ( 1935- أيلول 2004 )  ، أحسستُ بأني فقدتُ صديقةَ صِـبا . ربما لأننا
- نحن الإثنين – بدأنا مسيرتنا الكتابية في وقتٍ واحدٍ  ، أو لأنّ " صباح الخير  … يا حُــزْنُ " كانت مأثُرةَ فُـتُـوّةٍ  كنا نريدُ اجتراحَــها  ، ونحن في خطوتنا الأولى . لكنّ السبب الخفيّ لموقع " صبـاح الخير … يا حزنُ " في نفوسنا  آنذاك ، هو أن فرانسواز ساغان أنزلت الرواية من عَـليائها  ، وجعلتها في متناول أعمارٍ ما كانت لتهتمّ بالرواية ( الفرنسية تحديداً ) ذات التقاليد الصارمة كالرواية الروسية : تولستوي ودستوييفسكي.

 أرواية ســاغان ، عموماً ، هي مونولوج حرٌّ ، في نهارٍ حرٍّ ، لدى امرأةٍ تنشــدُ الحريةَ والتنويعَ عليها .

ليست أعمال ساغان في سياق ما يدعى كتابة النفخ على الزجاج . أعني أنها ليست كتابةً غائمةً أو مُـوهِمةً .

لكنّ الـيُــسْــرَ الذي تعالج به أدقَّ الأحاسيس قد يوهِـمُ بالطفُـوِّ على السطح ، وفي رأيي أن هذه نقطةٌ إيجابية تماماً في الكتابة جعلت ساغان تقارِبُ  إشكالاتٍ ومشكلاتٍ ، وتُــقَــرِّبُ هذه الإشكالات والمشكلات إلى قاريءٍ عامٍّ مفتــرَضٍ .

بالمصادفةِ الـمَـحْـضِ ، التقطت عيناي ، بُـعَـيدَ رحيل ساغان ، عملَها " أتحبــين بــرامز ؟ "  على أحد رفوف مكتبتي .

كان باللغة الإنجليزية ، لكن العنوان ظل باللغة الفرنسية Aimez-vous Brahms…

لِــمَ أبقى المترجِــمُ على العنوان الفرنسي؟
النقلُ إلى الإنجليزية بسيطٌ واضحٌ ؛ لكنه سيكون بلا معنى لدى القاريء الإنجليزيّ ، سيكون خارجَ الـمُـدرَكِ

الإجتماعي  ، لأنه ( أي العنوان الأصلي ) لصيقٌ بحياةٍ معيّــنةٍ  ، وتعبيرٌ خاصٌّ بها ، وعنها  .

إنه – إلى حدٍّ ما – يشبه قولَ شابٍّ مصريّ لصديقته : أتذهبين إلى القناطر؟

أعني أن العبارة : أتحــبيــن برامز ؟ ليست محددةً أو محدودةً بالموسيقى ، مع أن الموسيقى هنا تدخل قوّةً

إشــاريةً أكثر من دخولها قوّةً دلاليةً .

تقول بُــول  Paule بطلة الرواية :

" أتحبين برامز؟  إنه سؤالٌ من الأسئلة التي وجّـهها إليها الشبانُ حين كانت في السابعة عشرة  . ولا شك أنها تلقّت السؤال نفسه في ما بعدُ ، ولا أحد ينصت إلى جواب . هكذا ، وفي هذا العمر ، من ينصت إلى مَــن؟

لأفكِّـرْ في الأمر : أأنا مهتمّــةٌ ببرامز؟ "

هي إذاً ، دعوةٌ إلى التغيير ، إلى التخفيف والخِـفّــةِ ، إلى حريةٍ كالتي تمنحها موسيقى عاطفيةٌ رومانسيةٌ  ،

موسيقى برامز …

ولسوف تمضي بُــول مع ســيمون الفتى ، بعيداً ، وهي ابنة التاسعة والثلاثين  …

سوف ترقص خفيفةً ،

وتعود إلى شقتها تحت المطر مع سيمون …

ولسوف تعود إلى روجيه ، صديقِها ، بعد أن ســئمتْ سيمون …

وتتذكّــر زوجها  السابق مارك ، وهما في نزهةٍ بحريةٍ  .                        
                                                                           لندن 2/10/2004