ألْـبَـيـر مامي وثقافة التحــرير طباعة

ســـعدي يوســـف
يعتبَر كتاب ألبير مامي   Albert Memmi  " المستعمِـر والمستعمَــر "  The Colonizer and the Colonized ، من الكتب الأساسِ في مناهضة الاستعمار ، حتى لقد قال ليوبولد سيدار سنغور عنه : " إنه سيظل وثيقةً لا بدَّ أن يعود إليها مؤرخ الاستعمار في القرن الحادي والعشرين "  .
في مقدمة الكتاب الصادر في العام 1957 ، كتب جان بول سارتر  قائلاً :
" العمل يرسي حقائقَ قويةً . أولاً وقبل كل شيء  ، لا يوجد مستعمِـرون أخيارٌ ومستعمِرون أشرارٌ : هناك مستعمِرون .

الماكنة الاستعمارية تدور في حلقة ؛ ومن المستحيل التمييز بين تطبيقها والضرورة الموضوعية . الاضطهاد يعني أولاً ، كرهَ المضطهِـدِ المضطهَـدَ . وثمّتَ حدٌّ وحيدٌ لمغامرة الدمار هذه ،  هو الاستعمار نفسه . لا أحدَ يعامل الإنسانَ معاملةَ كلبٍ إنْ لم يعتبره إنساناً أوّلاً . ونزعُ الإنسانية المستحيلُ من المضطهَد ، يصبح ، من الناحية الأخرى ، اغترابَ المضطهِــد The alienation of the oppressor   . المضطهِد نفسُــه ، هو الذي يستردُّ  ، بإيماءته البسيطة ، الإنسانيةَ التي يريد تدميرَها ؛ وما دامَ ينكر الإنسانيةَ على الآخرين ، فإنه ليرى الإنسانية عدوّاً له في أي مكان . وللمُـضيّ في هذا ، على المستعمِـر أن يكتسب قسوةَ الحجَـر . وباختصارٍ ، عليه أن ينزعَ إنسانيتَـه هو أيضاً . مع مامي نجد أن الإستعمار سوف يصنع دمارَه بيده " .
*
الأطروحةُ الأساسُ في كتاب ألبير مامي  هي أن انهيار الاستعمار أمرٌ حتميٌّ ، وأن الوسيلة الوحيدة لهذا الانهيار ستتأتى عبر الثورة . ولغرض إثبات حتمية الانهيار ، يعمد ألبير مامي إلى استخدام التحليل النفسي استخـداماً واسعاً ، كي يرسُـمَ  أفراداً  يقعون في عيِّناتٍ للمستعمِـر والمستعمَــر ، ويشرحَ العلاقةَ بينهما في سياق الاستعمار .
المستعمِـرُ يتخذ السلوكياتِ القائمة في دوره ( القسوة ، الاضطهاد ، الاستغلال … الخ ) . يؤكد مامي أن المكسب الاقتصادي هو القوة الدافعة للاستعمار ، وهي بدورها تفسِّــرُ الاستغلالَ البشع الذي يمارسه المستعمِرون .
*
بعد وصْفِ المستعمِـرِ ، ينتقل مامي إلى الصورة الأسطورية للمستعمَـر ، من خلال عينَي المستعمِــرِ ، وتتضمّن الصورةُ  إسنادَ كلِ النقائصِ ، مثل الكسل والفساد وقلّـة التهذيب ، إلى المستعمَــر . ثم تأتي العنصرية التي يمارسها المستعمِــرُ  ، ليمضي بهــــا مامي إلى القول بـ " التشييء " وهو المبـــدأ الذي جاء به
إيـمَــيـه سيزير ، مبيِّناً أن المطمح النهائي للمستعمِــر هو تحويل المستعمَــر إلى شــيءٍ موجودٍ لغايةٍ واحدةٍ هي تلبية حاجات المستعمِــر .
بعد أن بيّنَ مامي أن العلاقة بين المستعمِـر والمستعمَــر هي علاقةٌ غيرُ مستقرةٍ ، بسبب نتائجها ، يشرح مامي السبب في أن الاستعمار لا يمكن إنهاؤه إلاّ بالثورة . فهو يرى أن هناك خيارَينِ لإنهاء الاستعمار ، إمّـا إدماج المستعمَر ، أو الثورة . وهو يرى أن الإدماج غير ممكنٍ لأنه يعني قلبَ الوضع الاستعماري القائم ، وهو أمرٌ لا يرضاه المستعمِـرون. وهكذا ، بالنتيجة ، لم يبقَ أمامَ المستعمَرين إلا نيل حريّــتِهم غِلاباً .

                                                             لندن 13/5/2005
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ولد ألبير مامي في تونس ، سنة 1920
    تخرَّج في جامعة الجزائر ( قبل الاستقلال )  وفي السوربون . من مؤلفاته :  "عمود الملح "  و  " غرباء " .
-          ليوبولد سيدار سنغور  ( 1906- 2001 ) : شاعرٌ ورئيس  لجمهورية السنغال .
-           إيـمَــيـه سيزير ( 1913 - ) من المارتنيك ، شاعرٌ وسياسيّ  .
-          جان بول سارتر ( 1905- 1980 ) فيلسوف الوجودية  .

اخر تحديث الخميس, 08 نونبر/تشرين ثان 2007 10:23