عــرَبـةٌ ذاتُ ثلاثةِ جِــيادٍ طباعة

 ســعدي يوســـف
قد كنتُ أوردتُ في كلمةٍ ســابقةٍ نُشِرتْ لمناسبة مرور ثلاثةِ أعوامٍ على انطلاقة " الحوار المتمدن " ، أننـي
أكتبُ باللغة العربية ، لكني لا أقرأُ فيها ، وبَـيّـنتُ أسبابي الخاصة  ، غيرَ القابلـةِ لإغراء التعميم من جانبي .
والـحَــقُّ أنني أشعرُ منذ اتخذتُ القرارَ بأنني أزدادُ غِـنىً روحياً ( طبعاً )  ، وغبــطةً بما حولي ومَن حولي مِن أهل الأدب والفن .
للـمبدعِ الحقُّ في أن يصون نفسَــه وفضاءَه الـمحـيطَ من كل تدخُّـلٍ خارجيٍّ غيرِ مُـعِـينٍ  في المسعى

 الإبداعي . بلوغُ تخومِ الفنّ يحتاجُ إلى أكثرَ من حياةٍ واحدةٍ ملأى ، فكيف إذاً إنْ كانت هذه الحياةُ الـمتاحـةُ
مبدَّدةً في ما لا يعِــينُ ولا ينفعُ ؟
حين تصون نفسَكَ وفضاءكَ تجد أنك في جنةٍ دانية القطوف  ، وتشعرُ بشــهيّــةٍ نادرةٍ لالتهام كل تلك الثمار العجيبة …
أنت – مثلاً – لن تكتفي بقراءة كتابٍ واحدٍ في الوقت الواحدِ .
قد تســألني : ألا تحدِّثُـني قليلاً عمّـا أنت قاريءٌ ؟
*
أنا أقرأُ الآنَ في ثلاثةِ كتبٍ :
1-    ماندولين النقيب كوريلِّـي ( رواية ) لويس دي بيرنييرCaptain Corelli’s Mandolin – Louis de Bernieres

2-    أرضُـنا ( رواية) كارلوس فوينتِس Terra Nostra – Carlos Fuentis
3-    في قلب البحر ( سرد ) ناثانييل فِـلْـبْـرِك In the Heart of the Sea – Nathaniel Philbrick
*
أمسِ ، أتممتُ قراءةَ  " ماندولين النقيب كوريلِّـي " ، ربما لأنّــها رواية ، وربما لأنها  أُخرِجتْ شـريطاً في السينما معروفاً .
أحداث الرواية تدور في جزيرة من الجزر اليونانية احتلّــها الإيطاليون في الحرب العالمية الثانية  ، والألمان كذلك ، ثم حرّرَها الحلفاءُ بمساعدةٍ من السكّـان المحليين  . آلةُ الماندولين الموسيقية تواكِبُ شخصيةَ ضابطٍ إيطاليّ برتبة نقيب كان مع قوّة الإحتلال الإيطالية ، وأحبَّ شابّـةً يونانية هي بيلاجيا ، ابنةُ طبيب الجزيرة …
القصة طويلة ، تتمتّــع بقاعدةٍ راسخة من البحث في جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية في اليونان وإيطاليا ، كما تغتني بتفاصيلَ
عن الحرب تمنحها طابعاً وثائقياً ما .
أحببتُ في الرواية جانب البحث الشاقّ ، والروحَ الرومانسية التي تشِـفُّ بالرغم من كل تعقيدات الواقع الذي كهربتْـه الحربُ .
لكني لم أُحبِبْ الموقفَ شـــبْـهَ الـمُـسْـبَقِ  ، موقفَ العداءِ ، إزاءَ الشيوعيين اليونانيين ودورِهم في تحرير بلادهم . أحياناً يتّخذُ هذا الموقفُ شكلاً غيرَ مبرَّرٍ  ، في السياق ، أو في المقتضيات الفنية البسيطة . وأتَـمَثَّـلُ هنا مشهدَ النصيرِ الشيوعي العائد إلى الجزيرة ، حيث يضعه الكاتبُ في موضعٍ كاريكاتيريّ ، موضعٍ  يحاولُ فيه النصيرُ اغتصابَ خطيبته ، بيلاجيا  ، صديقة النقيب الإيطاليّ  بل يجعل بيلاجيا تطلق النارَ على خطيبها !
وثمّتَ تعميماتٌ سخيفةٌ عن موقف الحزب الشيوعي اليوناني .
نالت الرواية سنة 1995 جائزة كتّـاب الكومونويلث لأفضل كتابٍ .
عدد الصفحات : أربعمائة وخمسون من القَطع المتوسط .
*
لا مقارنةَ ، بإطلاقٍ ، بين " ماندولين النقيب كوريلِّـي "  ، وهذا العمل الهائل لكارلوس فوينتِس ، كاتب المكسيك العـظيم .
إنّ  Terra Nostra لا يمكن أن يحيطَ بها تعبيرُ كتابٍ . صفحاتُها التسعمائة هي دليلٌ في العمقِ ،  إلى كل ما هو مستغلَــقٌ .
أقولُ كل ما هو مستغلَـقٌ بدون أن أترددَ لحظةً !
هذا العمل ُ باختصارٍ غيرِ لائقٍ ،  يدور حول فيليب الثاني ، ملك إسبانيا ،  باني الأسكوريال ، وزوج الإنجليزية إليزابث التيودوريّـة  وشــاهِـدُ اكتشافِ العالم الجديد .
لكنّ البانوراما الخطيرة التي يشكِّلُها الكتاب تمتدُّ إلى جميع الأسئلة التي راودت الإنسانَ على هذه البسيطةِ ، وما وراء هذه البسيطة .
أقول : جميع الأسئلة  ، بلا أيّ تراجُعٍ أو إعادةِ نظرٍ في التعبير .
كارلوس فوينتِس يضع الحضارة الغربية موضعَ تســاؤلٍ قاسٍ ، تساؤلٍ لا يرحم ، ربما لأن الأمرَ يستحقُّ هذا  .
إنْ لم يكشف الكاتبُ الحقيقيُّ عوراتِ قومــه ، فمن سيكشفـها يا تُرى؟
في رحلتي عبر الصفحات التسعمائة ، بلغتُ ، اليومَ ، صباحاً ، الساعة العاشرة ، الصفحة الستمائة والخمسين !
أقدِّمُ هنا ترجمةً أمينةً لـموردٍ من الرواية :
 
القصْـبة في الإسكندرية
وَدَّعَ لودوفيكو فقيهَ الكنيسِ ، ورحلَ بعيداً ، بعيداً جداً ، مع الأطفال الثلاثة .
قد كان قرأَ في النصوص بِـطُـلَـيطِـلةَ ، مخطوطةً يتحدث فيها بـليني عن قومٍ بلا نساءٍ ، بلا حُبٍّ ، وبلا نقود – مجتمعٍ بأسرهِ ،
لا يولَــدُ فيه أحدٌ إطلاقاً .
هؤلاء القوم يسكنون قريةً على ضفاف البحر الميت ، هاربينَ من المدن الكبرى ، بُـغْـيةَ أن يعيشوا حياتهم البسيطة ، الصامتة ، المتقشـفة .
هناك ، رغبَ لودوفيكو ، في أن يترعرعَ الأطفالُ الثلاثةُ  الذين بعُـهدته  ، حتى يغدوا رجالاً .
أبحروا من بَـلَـنسِــيةَ  ، في سفينةٍ مسيحيةٍ ، بَـلَّـغَـتهمُ ، في إحدى الليالي ،  ميناءَ الإسكندرية .
وسـرعان ما  تاهوا في الأزقّة المتلوية لتلك المدينة . أرملُ الآلهةِ والناس ، بأسمال الشحّـاذِ ، وبالرغم من قوّته ،  وهو يجهدُ
في حملِ أطفاله الثلاثة بين ذراعَـيه ، لفتَ انتباهَ الناسِ إليهِ . لكنه استُـقبِـلَ بحفاوةٍ . تحدّثَ باللغة العربية  ، ودفعَ مأواهُ ومَطْـعمَـه  ؛ والأولادُ الثلاثةُ كانوا  وديعينَ .
لقد وجدوا مأواهم في بُرجٍ للحــمامِ على سَــطيحةٍ يمكنُ للودوفيكو أن يرى منها  ، النهرَ ذا الأذرعةِ المائةِ  ، يُفرِغُ أمواهَـهُ في البحرِ غيرِ الـمَــرئيّ .
في إحدى الليالي ، وبسببٍ من الحرارةِ ، كان ينامُ  على حَـجَـرِ السطحِ الذي أبْـهَـقَــتْـهُ  الشمسُ ، وحَلمَ بأنه ينحدرُ
في قاربٍ صغيرٍ  ، مجــذِّفاً نحو منبع النيل . لم يكن ثمّتَ إلاّ ثلاثُ نجومٍ . لا نورَ ســواها  ، والصمتُ العميمُ  يُـطْــبِقُ على أرض مصرَ .
في تجذيفه ، صار يقتربُ من النجوم الثلاثِ  ، المنعكسةِ في المــاء ، حتى أمستْ في متناوَلِ يده .
غمسَ يده في النهرِ ، واصطادَ نجمةً .
للوهلةِ الأولى ، ارتجفت النجمةُ . ثمّ تكلّـمتْ .
نطقتْ : شمسٌ .
طلعت الشمس .
قالت: قمحٌ .
واكتست الضفافُ بالسنابل .
قالت: مدينةٌ .
فانتصبت مُرتَـبَــعَــةٌ  بيضاءُ من رمال الصحراء .
قالت: أطفالٌ .
فظهرَ ثلاثة شخوصٍ  ، شابّـانِ وفتاةٌ .
سبحوا نحو القارب ، واقتادوه إلى ضفة النهر .
قال أحدُ الفـتَـيَـينِ :  " هذا أخي ، وتلك أختي "  .
في اليوم الأول ، بذرَ المتكلِّـمُ الأولُ الأرضَ ، وجنى غَـلَّـتَـها ،  وحوَّلَ مياهَ النهرِ لتروي الصحراء ، وصبَّ طابوقاً من حمأِ الشاطيء ، وشــادَ منزلاً  ، مهيِّـئاً بذلكَ معاشاً ومأوىً لأخيه وأختــه .
تلك الليلة ، امتناناً ، اتّـخذتْــه أختُـهُ زوجاً ، وناما معاً في ذلك المنزل . الأخ الآخر نام في هواء الليل ، لكن رقاده كان قصيراً. نهضَ ، ومشــى عند النهر ، يقِـظاً ، مستاءً ، لا يكاد يخفي غضبــه وحســدَه .
فجرَ اليومِ التالي ، دخلَ الأخُ الحســودُ المنزلَ  ، حيث يرقد الزوجانِ ، وقتلَ أخاه النائم ، ثم سحبَ جـثّــتـه إلى النهر وألقاها في الماء . بكت الأختُ الزوجةُ ، وسارت على الضفة الموحلة باحثةً عن جسد أخيها وزوجها . الأخُ القاتلُ قال للودوفيكو . أنت تنام على السطح . أغلِقْ شفتيكَ ، وإنْ فضحتَ أمري قتلتُكَ أنت أيضاً في الحُـلم . لن تفيقَ  أبداً .
ومضى سائراً في الصحراء ، عارياً  حســيراً .
ذهب لودوفيكو يبحث عن المرأة . بعد بُـرهةٍ رآها عند الأسَــلِ الذي أمسكَ بجســدِ أخيها الميت . ضغطت المرأةُ شفتيها على شفتَـي الميتِ ، فأحيَـتْـهُ بأنفاســها ، ناقلةً الحياةَ من فمها إلى فمه . ثم قالت : الشفاه حياةٌ . الفمُ ذاكرةٌ . الكلمة خلقت كل شــيءٍ .
وعاد الميتُ إلى الحياة ، لكنه كان الميتَ الحيَّ  ، لا الرجلَ الذي كان  من قبلُ .
حين عاد إلى الحياة قال: أنا الأمس ، وأنا أعرفُ الغدَ . مثلي ، سـيحيا أبنائي موتَــهم ، وسيموتون حياتَــهم . لن نكون ثلاثةً البتةَ . سنكون وحيدينَ في العالَـم ، مكتفين بأنفسنا ، لا أبَ ينجِـبُـنا ، ولا أُمَّ تســمِّـينا .
وعمرت الأرض بالناس .
في اليوم الثالث للحلم ، وحد لودوفيكو نفسه يمشي بين أخلاط الناس في مدينة الإسكندرية . العمائم مفوّفة الألوان ،  والوجوه المنقَّـبة ،  والعباءات الخافقة ، والأقدام الحافية ،  والأيدي المتلصصة … لا أحدَ انتبَــهَ إليه ،  لكنه أحسَّ بأنه مهدَّدٌ  بالعجلـة والأصوات الخشنة والصيحات الـمُـعْـوِلة .
عند العتبة الحجرِ لبابٍ أبيضَ  تعرَّفَ القاتلَ . كان يجلسُ متربعاً إزاءَ بَـسْـطةٍ مترنِّـحةٍ  ، يكتبُ بلا توقُّفٍ  ، كأنه محكومٌ عليه بالكتابة ، وكأنّ عيشَــه معتمدٌ على ما يخطّــه من حروفٍ عربيةٍ على أوراق البرديّ . وكأنه بالكتابة يؤجِّـلُ لعنتَـه .
اقتربَ لودوفيكو من الكاتب . لم يتعرَّفْــه . كان الذباب يحطُّ على وجه المجرم  ، وهو يذبُّ بيدٍ واحدةٍ ، دونَ أن تَـطرُفَ عيناه . مرَّرَ لودوفيكو يده أمام عيني الكاتب ، فلم تَـطْــرُفا . وقرأَ لودوفيكو على كتف الكاتب الأعمى :
" في إحدى الليالي قتلتُ أخي . انتبهوا . اقرأوا وافهَـموا . سأخبركم  لِـمَ حدثَ ذلك ، وكيف ، ومتى ، والأسباب ؛ ما تراءى لي آنذاكَ ،  واليوم الذي أتذكّــرُ  ، وما الذي أخشاه غداً . انتبهوا . قفوا . ألا تثيرُ حكايتي فضولَـكم ؟ "
رأى لودوفيكو في الحلم أن الأخ القتيلَ وزوجته الأخت ينامان تلك الليلة في القبر . استيقظتْ وقالت : بمقدورنا أن نغادر الآن .
الآنَ ستعرفُ مصيرَ أولئك الذين يعيشون خارجَ القبر .
أجابَ القتيلُ : نعم . لكنْ ســرّاً . لا تدعي أحداً يرانا .
تملّـصا من أكفانهما الملتفّــة طِـباقاً  ، كأنهما ينزعانِ جِـلدَهما  . نفضت المرأةُ رداءَها ذا الألوانِ الألفِ فبزغَ النهارُ من طيّــاته ، وهبطَ الليلُ  ، شـعَّ النورُ ، واستطالَ الظلُّ  ، الرداءُ اندلعَ لهباً منهمراً على جســدها كالماءِ  ، ومع ملمســه  يموت الأحياءُ ، والموتى يُـبْـعَــثون . وطوالِ هذا الوقت كان الزوجانِ يسيران في الطرقات نفسها من الإسكندرية نحو الأفواه التي لا تُـعَـدُّ ولا تـحصى  للنهر العظيم .
أخيراً رآهما .
الأخُ القاتلُ يتمددُ ميتاً في زقاقٍ مهجورٍ ، وجهُــه ملطّـخٌ بالحبْـرِ الـمراقِ  ، ويدُه تـطْـبِقُ على قلمه ، والمخطوطاتُ الورقُ متناثرةٌ حول جســده ، بيضاء ، عذراء ، لا حرف عليها ولا كلمة .
أبحرَ الزوجان في أعالي النهر  ، في زورقٍ نـورانـيّ . الرجلُ يسـمِّـي الأشياءَ سـرّاً ،  ماءً ، رملاً ، قمحاً ، حجراً ، بيتاً ؛
و المرأةُ  تسألُ المياهَ  : لماذا استسلَـمَ أخونا إلى إغراءِ الكتابة عن جريمته هو ؟
أفاقَ على أصابعَ تفركُ أصابعــه . كانت امـرأةٌ تتمدد إلى جانبه ، غير محددة العُـمرِ  . وجهها مغطّـى وجسمُـها باستثناءِ فُرْجةٍ على شفتيها .  الفُرجةُ تتبعُ مَـعالـمَ شفتيها .  كان الفمُ مختوماً بألوانٍ عدّةٍ .. . نطقتْ قائلةً للودوفيكو :" اهربْ سـريعاً إلى المكان الذي سأخبرك عنه . هنالك غضارةُ عيشكَ . هنا سيكون أطفالُكَ في خطرٍ لو اكتُشِفت العلامة التي يحملونها .
ستنطبقُ عليهم نبوءةٌ  مقدّســةٌ . سـيُـفصَـلونَ عنكَ  ، وسيظلّـونَ أســرى ، ينتظرون بلوغَهم الرحولةَ فقط لكي يؤدّوا ، ثانيةً ، صراعَ الأخَـوَينِ اللدودَينِ …"
سألها لودوفيكو :  وما هذه النبوءةُ ؟
لكنّ المرأةَ التفّتْ بغلائلها الملوّنة – مثل شفتيها -  واختفتْ في العــتمـةِ .
*
علاقـتي بهِـرمان ملفيل ومؤلَّــفه " موبي دِك " قديمةٌ جداً . حاولتُ قراءته بالإنجليزية  ، قبل أن ينقله د. إحسان عباس إلى اللغة العربية  ، مسجِّـلاً مأثُـرةً في الترجمة  حافظتْ على بهاء معجزة الكتاب . أحياناً أقول مع نفسي إن هذه الترجمة هي أسـمى ما فعله أستاذُنا إحسان عبّــاس في مجهوده العلميّ .
على أي حالٍ …
قبل فترةٍ ، كنتُ أقرأُ  ، ربما للمرة الثالثة ، رواية غابرييل غارسيا ماركيز " الجنرال في متاهته "  ، لأكتشف أن ملفيل التقى صديقة سيمون بوليفار التي هجرت موطـنها  ، بعد وفاة بوليفار   ، لتسكن منتبَـذاً في مرفأٍ  صغيرٍ من مرافيء صيد الحيتان .  في هذا المرفأ الصغير  جاء ملفيل يزور السيدة .
لقد اشتغل ملفيل أشغالاً مختلفة ذات علاقة بصيد الحيتان ، ولسنواتٍ طويلةٍ ، كي يتمكن من تدوين معجزته  ، في سرعةٍ عجيبة .
كتاب ناثانيل فلبرِك " في قلب البحر "  ذو علاقةٍ بـ" موبي دِك " .
إن فلبرِك هو مدير معهدإيجان للدراسات البحرية بجزيرة نانتاكيت .
وكانت الجزيرة من أهم مراكز صيد الحيتان في القرن التاسع عشــر .
في تشرين ثاني 1820 أغرقَ حوتٌ هائجٌ سفينة صيد الحيتان " إيسِّـكْـسْ  Essex"  في الباسيفيك .
كانت السفينة هذه من نانتاكيت  عند شاطيء نيو إنجلند  _ وكانت الجزيرة لأكثر من قرنٍ عاصمةَ العالم لصيد الحيتان ، يومَها كان الباسفيك في مركز الشرق الأوسط الآن حيث احتياطيّ زيت العالم . لقد كانت الحيتان هي مصدر الزيت الذي ينير الشوارع ويُشِـحِّـم مكائن العصر الصناعي .
القصة الواقعية لغرق السفينة إيسّكْسْ  ألهمت هيرمان ملفيل معجزته الفنية .
أردتُ القول إن العمل الفني مهما كان غرائبياً  فإن أســاســه يظل واقعياً ، وليس علينا إلا اكتشاف الجذور .
ملحوظة : كتاب " في قلب البحر " يقع في ثلثمائة صفحة واثنتين .

                                                                 لندن 21/12/2004