البرُّ الغربي ... حيث حسن فتحي طباعة

سعدي يوسف

قالت لي سوسن بشير ، وأنا في القاهرة :

لِمَ أنت في القاهرة ؟

لِمَ لا تذهب إلى " الأقصُر" ؟

قلتُ لها : لأرى الكرنك ؟

قالت: لا ...

أنت تذهب إلى الأقصُر ، لتشهد الغروبَ على البرّ الغربيّ !

*

هكذا ، بالطائرة ، من القاهرة إلى مطار الأقصُر اللطيف ، الجميل ، الذي صمّمه صديقي المهندس عبّاس.

بعد أيامٍ و ليالٍ من التأمُّلِ وهدهدة النيل وتصوُّفِ المعبدِ الجليل ، قطعتُ النهرَ العظيمَ إلى البرّ الغربيّ ، منَفِّذاً وصية سوسن بشير .

ولأني كنت في فندقٍ ينظم جولة سياحية  في وادي الملوك ، انضممتُ إلى مجموعة الحافلة السياحية ، لكني كنت أطمحُ إلى أن  أرى قرية حسن فتحي ، معماريّ البناء الفقير ، القرية التي كنتُ أظنُّها قائمةً في البرّ الغربيّ .

غير أن القرية لم تكن على طريق الحافلة ، أو أن الحافلة لا تتوقّف عند تلك القرية الموعودة .

بلغْنا وادي الملوك .

صديقتي أندريا تييرني ، النمساويّة ، دخلت إلى المقابر الفرعونية ، أمّا أنا فقد آثرتُ البقاء في الحافلة ، أثرثرُ مع مساعد السائق المرِح .

عادت الحافلة إلى المَعبَر ، وعُدنا إلى " الأقصر " بدون أن أرى قرية حسن فتحي .

لكني كنت مصمِّماً على الأمر .

وهكذا قطعنا ، الغداةَ ، النيلَ ، إلى البرّ الغربيّ .

قلنا لسائق سيارة أجرة أن يمضي بنا إلى قرية حسن فتحي .

وقد أوصلَنا الرجل ، إلى مقصدِنا .

لكن المفاجأة أن القرية لم تَعُدْ قائمةً .

القرية لم يتبقَّ منها سوى حجرة لها قُبّةٌ بيضاء .

قيل لنا إن القرية تهاوت بسببٍ من إهمالٍ وتجاوزٍ .

إذاً ، خسِرتْ مصرُ كنزاً من كنوزِها ، كنزاً لا يقِلُّ أهميّةً ، في رأيي ، عن الكرنك ، لأن حسن فتحي كان يؤسس لحاضرٍ ومستقبلٍ ، بينما رمسيس الثاني يحتفي بماضٍ عظيمٍ فقط .

*

في " الأقصُر " كنت أستمتع بالحديث مع الناس .

لهجة أهل الأقصُر ، مثل لهجة مدينتي ، البصرة .

وفي الأقصُر ، النخل .

في الأقصُر ، النهرُ ، الصاعدُ شمالاً . وفي البصرة ، النهرُ ، الهابطُ جنوباً .

وثمّتَ السُّمرةُ الشديدة التي توحِّدُ مدينتَين .

كنا نجلسُ إلى الأعمدة الهائلة ، نتأمّلُ ، ونستريحُ من حاضرٍ مريرٍ ، إلى ماضٍ أميرٍ .

رمسيس الثاني يُلَوِّحُ لنا ، أنّى جلسْنا .

*

والغروب ؟

الغروب على البَرّ الغربي ؟

أكادُ أُقْسِمُ أنني لم أرَ الشمسَ أجملَ في مشهدِ غروبِها غروبها هنا .

أنا ، أخالفُ ، في هذا التفصيل ، بدر شاكر السياب ، القائل : الشمسُ أجملُ في بلادي من سواها ...

 

27.03.2016 تورنتو

*

رمسيس الثاني

 

ستّ عشرةَ منحوتةً حملتْ وجهَكَ ...

البهوُ أنت

الجنود المحيطون بالبهوِ أنت

المسلّةُ أنت

البحيرةُ ، حيث اعتلى قاربُ الشمسِ أنت

لك الأقصُرُ

النهرُ والبَرُّ

والكرنكُ الضخمُ أنت

السلالاتُ والطيرُ أنت

وأنت المسمّى بما لستَ أنتَ

كأنّ التواريخَ لم ترَ وجهَكَ

لم تلمس الطفلَ في شفتَيكَ

ولم تبصر النورَ في مقلتَيكَ

..............

..............

..............

لماذا أقول لك الآنَ :

إني أُسَمِّيكَ

أنت المسمّى بما أنتَ

أنت الجميل !

 

لندن 17.02.2008

اخر تحديث الإثنين, 15 أكتوبر/تشرين أول 2018 08:10