القصيدة : أتتحمّلُ التخطيطَ ؟ |
سعدي يوسف منّا مَن يتذكّرُ قولةَ الفرزدق : واللهِ لَقَلْعُ ضِرْسٍ مني أهونُ عليّ من قول بيتِ شِعر ... وقولةَ مَن ردَّ عليه : يا هذا ، لقد شققْتَ على نفسِكَ . إن الشِعرَ لأيسَرُ ممّا تظنُّ . أستعيدُ هذه الواقعة ، وأستعيرُها مدخلاً لحديثٍ عن القصيدة والتخطيط . * أنا في هذا المنزل بالضاحية اللندنية منذ خمسة عشر عاماً . في هذه الأعوام كتبتُ كثيراً ، وقرأتُ أكثرَ ، وراكمْتُ أحلاماً وخططاً . المصادفةُ المحضُ جعلتْني أعثرُ على كرّاسٍ مجلّدٍ جلداً أخضرَ خفيفاً ، فتحتُ الكراسَ ، وإذا بي أمام خطّةٍ عجيبةٍ لعملٍ شِعريّ لم أنجزْ منه حتى بيتاً واحداً ! الآن أظنني خطّطتُ للعمل غير المنجَز ، بعد قراءة متأنيةٍ لديوان ديريك والكوت " أوميروس " ، منذ سنواتٍ عشرٍ . * الخطة كانت كالآتي : الأوذيســة - تقع الأوذيسة في 500 صفحة. - تضمّ الأوذيسة 10 كتُب. - كل كتاب يبلغ 50 صفحة. -الصفحات الخمسون تقسَم إلى5 أقسام. - في كل قسم 10 صفحات. -في الصفحة الواحدة 30 بيتاً. - عدد أبيات القسم الواحد 300 بيت . - 300×5 =1500 بيت في كل كتاب. - 1500بيت×10 = 15000 بيت ( عدد أبيات الأوذيسة ) الكتاب الأوّل أ- النهر - القرية. ب- البحر. ج- العاصفة. د- شاطيء الهند. ه- المعركة والأسْر. * وهكذا يمضي التخطيط العجيب حتى يبلغ نهاية العمل المتخيَّل في الكتاب العاشر ! * قلتُ إنني لم أُنجزْ حتى بيتاً واحداً ممّا خطّطْتُ له بدمٍ باردٍ . ولستُ متأكداً من قدرتي على إنجاز العمل . * في تجربتي الأقلّ مَطْمَحاً ، وجدتُ أن القصيدة تتحمّل نوعاً خفيفاً من التخطيط غير المتشدِّد . قد يَحْدثُ هذا بين اليقظة والمنام . قد يَحدُثُ في سرحةٍ أوتأمُّلٍ . لكنْ من الضروريّ أن يمسكَ المرءُ باللحظة الهاربة . ليكنْ في جيبك ، على الدوام قلمٌ وورقة أو أكثر . دفتر ملحوظات صغير. كان ماياكوفسكي يفعل هذا ، كي يحتفظ بالفكرة العابرة . بول فاليري كان حريصاً على التقاط البرق الأوّل للقصيدة ، إذ كان يرى أن ذلك هِبةٌ من الآلهة. * هذا الضحى مترَعٌ بشمسٍ نادرة . أنا أكتبُ . لستُ أنتظرُ معجزةً . هذا الضحى المترعُ بشمسٍ نادرةٍ هو معجزةٌ بذاته !
لندن في 28.11.2017
|