الشِّعرُ ظاهرةٌ قوميّةٌ |
سعدي يوسف من الشطط مماثَلةُ الشِّعر باعتباره فنّاً ، مع الفنون الأخرى ، بدون اعتبار الخصائص الموضوعيّة للفن الشَعريّ. لكل فنٍّ مادتُهُ الخامُ : اللون . الحَجر . السُّلّم الموسيقيّ ... إلخ . وللشِّعر مادتُه الخامُ أسوةً بالفنون الأخرى . هذه المادة الخامُ هي اللغة . اللغة المادّيّة بتعبير إنجلز. وفي العربيّة ، تعني اللغةُ الماديّةُ : الفعلَ . الإسمَ الجامد . الحرفَ . * إنْ كان اللونُ والحَجرُ والسلّم الموسيقيّ ، شائعةً ، ومُشاعةً ، بين الناس ، على اختلاف أصولهم وشعوبهم ومَرابِعِهم ، فإنّ اللغة الماديّة ليست كذلك . المادّةُ الخامُ للشِّعر لصيقةٌ بأهلِها . أعني أنها لصيقةٌ بألسِنةِ أهلِها . أي أن الشِعر العربيّ وليدُ اللغة العربية. من هنا يأتي قولي إن الشِعر ظاهرةٌ قوميّةٌ . * الكوزموبوليتيّة هي في شيوع النصّ الشِعري وتداولِه ، اليسيرِ اليومَ ، مع وسائل الإتصال الحديثة. بمعنى أننا نتداولُ أشعارَ الأمم . هذا لايعني أن أشعار الأمم الأخرى هي أشعارُنا . لكل أُمّةٍ شِعرُها ، و هو لصيقٌ بها ، غير منفصلٍ عنها ، لأنّ مادتَه الخامَ هي اللغة القوميّة. * الهايكو يابانيّ . مثل ما أن الموشَّح عربيٌّ . * ولن يكونَ الهايكو عربيّاً ، مثل ما أنّ الموشَّحَ لن يكون يابانيّاً . الهايكو ليس خاطرةً كما يتوهّمُ مَن يحاولُه ، عربيّاً . * في زعمي أن النقل غير المسؤول ، غير الدقيق ، والخالي من الشروح و تعليق الحواشي ، هو أصلُ البلاء في ما نرصدُ من ظواهرَ مرَضيّة في الشِعر العربيّ المعاصر . التقَيتُ ، مرةً ، في أوائل الستينيّات ، ببدر شاكر السياب ، بعد عودته من بيروت . قال لي : هم يسألونني عن قصيدة النَّسْـر ! ( كان يعني قصيدة النثر بقلب الثاء سيناً على طريقة قومٍ من لبنان ) . * هم ينقلون راينر ماريا رِيلْكهْ ، على سبيل المثال ، نثراً . وينقلون بودلير ، نثراً . لكن رِيلكه ، شأنه شأن بودلير ، صارمٌ في نظامه الشِعريّ بل أن تقفيتَه أفدحُ من التقفية في الشِعر العربيّ التقليديّ . وإليكم هذه الأبيات من رِيلْكة : * Legende Einst als am Saum der Wusten sich auftat die Hand des Herrn wie eine Frucht , die sommerlich verkundet ihren Kern, da war ein Wunder : Fern erkannten und bergruBten sich drei Konige und ein Stern. * الترجمة الحرفية الشائعة
أسطورة مرةً على مشارف الصحراء انفتحتْ يدُ الله كما لو انها كانت فاكهة صيفٍ تُعلِنُ نواتَها ؛ ثم المعجزة : مُحَيِّينَ بعضَهم على بُعْدٍ ثلاثةُ ملوك ، ونجمٌ . ( انتهى نَصّ رِيلكه ) * ألستم ترَونَ ما فعلتْ الترجمةُ الشائعة بفنّ رِيلكه ؟ أعني أترَونَ الغيابَ الكاملَ للشكل الأصلِ ؟ * محاولتي في ترجمةٍ ما: في القفْرِ عند مشارفِ الصحراءِ كان الله يفتحُ كفَّهُ وكأنَّ فاكهةً تشُقُّ نواتَها في الصيفِ . بَل لله معجزةٌ لقد جاءَ الملوكُ ثلاثةً خُلَصاءَ عن بُعْدٍ ... وثمّتَ نجمةٌ . *
ما ندعوه " قصيدة نثر " عندنا ، ليس أفضلَ . التخلِّي الكامل عن الخصيصة القومية ، في الشِعر ، عبَثٌ غير مسؤول .
لندن في 01.10.2017 * الصورة : راينر ماريا ريلكه
|
|||
اخر تحديث الأربعاء, 25 أكتوبر/تشرين أول 2017 09:56 |