الساموراي : روايةُ تاريخٍ أم روايةُ سِيرةٍ ؟ |
من سعدي يوسف الرواية اليابانية ، في القرن العشرين بخاصّة ، حظِيَتْ بمكانة رفيعة في بانوراما الرواية في العالَم . Yasunari Kawabataياسوناري كاواباتا ، فاز بجائزة نوبل في الأدب ، العامَ 1968. Kenzaburo OE كنزابورو أوي ، فاز أيضاً بجائزة نوبل في الأدب ، العامَ 1994 ( قد كنتُ نقلتُ إلى العربية روايته الشهيرة " الصرخة الصامتة " ) لكني اليوم ، أودّ الحديث عن رواية يابانية ذات أهمية معيّنة ، تتعلّق بتصنيف العمل الروائيّ . الرواية تحمل عنوان " الساموراي " ، وقد صدرتْ طبعتُها الأولى باللغة الإنجليزية في العام 1982 ، وقال جراهام غرين عن كاتبِها في حينه : "في رأيي أن أندو هو من أرفع الروائيّين الأحياء " . شوساكو أندو وُلِد في العام 1923 ، وتوفِّي في العام 1996 . بعد طلاق والدَيه ، اعتنقت أمُّه ، وأندو معها ، الكاثوليكية . تخرّج في الأدب الفرنسي من جامعة كَيو اليابانية ، ثم أمضى سنين عدّةً يدرس في جامعة ليون ، بمنحة دراسيّة من الحكومة الفرنسية . الاهتمام الغربيّ بأندو ، متأتٍّ من صراع الحضارات الذي يرصده الروائيّ اليابانيّ بدقّةٍ وفنّيّةٍ عاليتَين ، إلى جانب القيمة الفنّيّة السامية لإبداعه الروائي . * اليابان في أوائل القرن السابع عشر . في العام 1613 تحديداً : أبحرت السفينةُ من تسوكينورا ، المرفأ الصغير في شبه جزيرة أوجيكا . في اليوم الخامس من الشهر الخامس . اليابانيّون سمَّوا السفينةَ الكبيرةَ موتسو مارو ، أمّا البحّارةُ الإسبان فقد سمّوها القدّيس يوحنا المعمدان . San Juan Baptista السفينةُ التي بُنِيَتْ على غرار سفينةٍ إسبانيّة كانت جنحتْ على شاطيءٍ يابانيّ ، وهي متّجهة إلى الفلبين ، كانت تريد أن تبلغ إسبانيا الجديدة أي المكسيك ، لتحقِّقَ هدفَين : التجارة ، وإيصال رسالة إلى ملك إسبانيا . * اللورد شيرايشي هو متعهد مشروع السفينة ، الأولى التي ستبلغ المكسيك . الساموراي روكوَيمون سيكون مبعوث شيرايشي ، المؤتمَن على رسائله ، والموكَّل بإيصالها إلى الملك الإسباني دون كارلوس Don Carlosفي مدريد ،وإلى البابا بولص الخامس Paul V في الفاتيكان . هل اليابانيّون سيكونون بُناةَ السفينة ؟ هكذا تساءل الراهب فيلاسكو الذي سيكون مترجِمَ الرحلة التاريخية . في السنة الفائتة ، واجهت السفينة التي كانت تُقِلّ المبعوثَ الإسباني من مانيلا ، عاصفةً عند قلعة إيدو ، فجنحتْ هناك ، ولم يكن إصلاحُها ممكناً . لكن بحّارتَها الإسبان ما زالوا هناك ، وبالإمكان استخدامُهم في بناء سفينةٍ يابانية قادرة على قطع المحيط ، وبلوغ إسبانيا الجديدة ، سفينةٍ ضخمةٍ ، ليست كالسفن اليابانية الصغيرة . * ليس بمقدوري سردُ الرحلة العجيبة بكامل تفاصيلِها ، فالمجال المتاح لي ، ضيِّقٌ ، هنا . لكني أقول في عجالة إن السفينة بلغت منتهاها ، في المكسيك . ثم انتقل المبعوثون اليابانيون إلى إيطاليا ليحظوا باستقبال بابا الفاتيكان ، ثم إلى إسبانيا ليحظوا بلقاء الملك دون كارلوس ، ومباركتِه . لكن الثمن الذي دفعوه كان فادحاً : فقد اضطرّوا إلى التخلي عن ديانتهم البوذيّة ، واعتناق النصرانية ، طمَعاً في الربح ، وتسهيلاً للعلائق . الراهب فيلاسكو يؤدِّي الدورَ كاملاً هنا . * بعد الرحلة الأسطورية التي امتدّتْ سنينَ ... عاد المبعوثون اليابانيون ، يقودهم الساموراي ، إلى اليابان ، ليجدوا أن العالَم الذي غادروه يوماًما ، قد تغيَرَ تماماً: اللورد شيرايشي الذي نفّذَ مشروعَ السفينة والرحلة الأسطوريّتين ، فقدَ منزلتَه ، وأملاكه. وحُرِّمَت الديانة النصرانية تحريماً كاملاً ، وجرى إحراقُ مَن لم يَنْجُ بنفسه هارباً . أمّا التجّار والمبعوثون الذين عادوا من الرحلة ، وقد اعتنقوا النصرانيةَ طمَعاً ، فقد كانت مصائرهم رهيبةً . حتى الساموراي الذي وقّعَ على ورقةٍ يقول فيها إنه تخلّى عن النصرانية ، وعاد إلى دين أجداده ، حتى هذا ، قُتِلَ. * شوساكو أندو ، بين البوذية والنصرانية ، يماثل الساموراي ، في محنته . البحر والسفر يحملانِ ضرباتِ ريشة المؤلف . وفي اليابان الحديثة ، لا يزال القرن السابع عشر ، فعّالاً ، عميقَ الأغوار .
تورنتو 27.05.2017
|
|||
اخر تحديث السبت, 10 يونيو/حزيران 2017 19:58 |