عصابةُ مافْيا دَوْليّة من الجهَلة والمحتالين ... طباعة

سعدي يوسف

أحياناً  ، أرى عجباً ، آنَ أسمعُ نبأً عن كتابٍ عربيّ حديثٍ ( قصّة أو شِعر ) يترجَمُ إلى اللغة الإنجليزية ، ليُنشَرَ في لندن مثلاً .

مَرَدُّ عجَبي أن هذه العمليّة تتِمُّ في ظروفٍ ليست ثقافيّةً ، ظروفٍ مُعَدّةٍ سلَفاً ، من جانب مافْيا دوليّةٍ تتولّى العمليّةَ البائسة ، بدءاً من لجان التحكيم ، وانتهاءً بالمترجِمين .

أمّا الغرضُ الأساسُ من غرفة النصّابين والنصّابات هذه ، فهو المالُ وسوءُ المآل .

المالُ يقدَّم من مشيخات الخليج وشيخاته ، ومن دوائرَ متّصلةٍ بوزارة الخارجية في بلد المتروبول ، ويذهب إلى جــــــــيوبٍ  "إداريّة " تتضخّم باستمرار ، وإلى مترجِمين محتالين ، ونفقاتِ اجتماعاتٍ وفنادقَ ومطاعم .

حتى إذا بلغت عمليّةُ النصْبِ منتهاها  ، طُبِعَ من الكتاب البائس خمسمائة نسخة ( ترفضُ مطابعُ لندن أن تَطبع أقلّ من الخمسمائة )  ، لتستقرّ النسَخُ في مستودعٍ أو سقيفة حديقةٍ منزليّة ، بعد أن يتسلّمَ المؤلفُ عشرين نسخة من كتابه المرموق !

يصِحُّ هذا على " جائزة بوكَرْ العالميّة للرواية العربية "

كما يصِحُّ على ظواهرَ مافيويّةٍ مماثلة .

*

لم أستهدِفْ في مقالتي هذه ، تفصيلاً عن عصابات المافيا الثقافية الناشطة في تدمير الثقافة العربية ، والمتجذرة في المتروبول ، إذ الحديثُ سيطول ويطول ، (فضيحة رَبعي المدهون هذا العامَ ) لكني  استهدفتُ تنبيه القاريْ إلى حقيقةٍ سائدةٍ في أوربا ، تتعلّقُ بالنظرة إلى الكتابات القادمة من خارجِ قارة الرومان والأنجلو سكسون والوندال  والفايكنج ، أي من خارج المركزيّة الأوربية المتسيِّدة المستبدّة.

*

في العام 2001 تسلّم ف.س. نايبول .S. Naipaul V.

جائزةَ نوبل في الأدب من ملك السويد ، في حفلٍ مَهيبٍ ، ارتدى فيه المؤلف السترةَ السوداء الطويلة ... إلخ.

في ذلك العام ، شرعتُ أطوف في لندن ومكتباتها ، بحثاً عن أعمالٍ لنايبول غير التي كنتُ قرأتُها من قبلُ .

( هل أذكرُ أنني كنت نقلتُ إلى العربية كتابَين من نايبول ؟ )

الغريب أنني لم أجد حتى واحداً من كتب الرجلِ معروضاً في واجهة مكتبة !

يُعتبَر ف. س. نايبول أفضلَ ناثرٍ باللغة الإنجليزية .

إذاً ، ما سِرُّ الإهمال الذي يتعرّضُ له ؟

نايبول ، ليس أبيضَ . نايبول ولِدَ في ترينيداد ، في عائلةٍ هنديّة !

*

ديريك والكوت ، الشاعر العظيم من الكاريبي ، الذي كتبَ أشعارَه الباذخة بلغةٍ إنجليزيّةٍ مستحدَثةٍ ، لا وجودَ له في بانوراما الثقافة ببلاد الإنجليز .

ما السببُ في الإهمال ، إذاً ؟

ديريك والكوت ( كنت اشتركتُ معه في توقيع كتُبٍ ونحن في بْراغ ) ، ليس أبيضَ .

امرأته بيضاء ، لكنه أسودُ !

*

سُعَداءُ  ، أولئك ، الذين يظنّون أن عصابة المافيا المتخصِّصة بتدمير الثقافة العربية ، سوف تفتح لهم أبوابَ أوربا ، مُشْرَعةً ...

*

مرةً ، كنت أتحدّث مع ناشرٍ فرنسيّ ، عن نجيب محفوظ ، ونقل أعماله إلى اللغة الفرنسيّة .

قال الناشر الفرنسيّ بالحرف الواحد : نجيب محفوظ ممِلٌّ . ينبغي تلخيص رواياته !

*

أمّا " الخبز الحافي " للمغربيّ محمد شكري ، فلم تنتشِر في أوربا لأن كاتبَها  مغربيٌّ  من طنجة ، يسْمى محمد شكري .

سببُ الإنتشار أن واحداً من جيل البِيت ، بول بولْز،   هو مترجِمُ العمل !

 

تورنتو   30.05.2016