" العرّابُ " حَبْراً أعظمَ ... طباعة

سعدي يوسف

ماريو بوزو (1920-1999 ) ، مؤلف " العرّاب " ، الرواية التي اشتهرتْ فيلماً بالاسم نفسه  ، مُغْرَمُ ، شأن أمبرتو إيكو ، الذي غادرَنا قبل أشهُرٍ ، بإيطاليا وكنيستها في العصر الوسيط .

كان أمبرتو إيكو ، أستاذاً للبلاغة واللسانيّات في جامعة بولونيا بشمــــاليّ إيطاليا ، إلاّ أنه باحثٌ ، عبْرَ الرواية التاريخية ، في ذلك العصر أيضاً . روايته المعروفة في السينما " اسم الوردة " مع شون كونَرِي ، لصيقةٌ بالكنيسة وأسرارها ، وكذلك روايته بودولينو  Baudolino.

والحقُّ أن الرجُلَين : بوزو ، و إيكو ، لم يحاولا  ، قَطُّ ، إخفاءَ الصورة البانوراميّة البشِعة للكنيسة في تلك الأيّام ؛ بل لعَلَّهما تقصَّدا أن يقدِّما الصورةَ بمنتهى بشاعتِها .

*

قد كنت قرأتُ لماريو بوزو أعماله  الأولى: العرّاب ، أوميرتا ، الصقلّيّ .

لكني لم أقرأْ عمله الأخير ، " العائلة " ، هذا العمل الذي  أكملَـتْهُ ، بعد وفاته ، صديقتُه  الـــــروائية ، من  نيو جَرْزي ،كارول جينو .

هذا الصيفَ ، وأنا في تورنتو ، دخلتُ محلاًّ  غيرَ بعيدٍ عن مسكني  ، يبيع العتيقَ والمستعمَل ، من أدواتٍ وملابسَ وكتُبٍ . في هذا المحل وجدتُ رواية " العائلة" لماريو بوزو ، ذات الصفحات الأربعمائة ، كما وجدتُ رواية سولجنيتسين " 14 آب " التي يبلغ عديدُ  صفحاتها 622 صفحة من القَطعِ الكبير ، والتي أتهيّبُها ، خشيةَ أن تأخذ من وقتي ما ليس متوافراً  ، وأنا على سفرٍ ...

*

على أيّ حال . أنا مع " عائلة " ماريو بوزو .

*

في 1492 للميلاد ، عام سقوط غرناطة ، لم تكن إيطاليا كما نراها اليوم ، بل كانت مقسَّمةً خمسةَ أقسام هي :  فينيسيا ، ميلانو، فلورنسا ، نابولي ، روما .

وفي هذه الأقسامِ  كانت دوَيلاتُ مدُنٍ  مستقلّة ودوقيّات وإقطاعيّات .

في إسبانيا كان فرديناند وإيزابل ، وفي فرنسا كان الملك شارل الثامن ، وكان الأتراك " الكفّار " يقضمون أجزاء من ديار المسيحيّة . وكانت خزائن الفاتيكان خاويةً أو تكاد .

هذا العامَ نفسه ، انتخب مَجْمعُ الكرادلة  ، رودريغو بورجيا ، بابا جديداً ، باسم اسكندر السادس ، لتبدأَ صفحةٌ من أشدّ الصفحات سواداً في تاريخ الفاتيكان وإيطاليا ،  صفحة شنيعةٌ بما فيها من قتلٍ  ، وقتالٍ واقتتال ، لكن هذه الصفحة الشنيعة شهدتْ أيضاً ، توحيد إيطاليا ، وثباتَها إزاء الطامعين من ملوكٍ كاثوليك و سلاطينَ " كُفّار". وحدة إيطاليا حقّقَها البابا اسكندر السادس ، بمكرِه ، وسمومه ، وخناجرِ مأجوريه ، كما حقّقَها ابنُه سيزار بورجيا ، قائد الجيش البابويّ  ، الشجاع والشِرّير في آن .

*

نحن أيضاً مع بدايات الأسماء الكبيرة في الفن :

بوتيشَلِي كان يصمِّم أزياء النبلاء ، كان ميكائيل أنجيلو في بداياته مع تمثال " كيوبيد " ، وكان دافنشي ...

ميكيافلي أيضاً ، الوسيط بين فلورنسا والفاتيكان !

*

ما يأتي من نصٍّ ، ترجمةٌ حرفيّةٌ  من الصفحات الأولى للرواية ، تكشف تحت أضواء فاضحةٍ ، السيرة الشرّيرة للبابا اسكندر السادس ، رودريغو بورجيا ، وأسرتِه :

نظر اسكندر إلى  أبنائه وقال : مَن منكم يرضى بمضاجعة اخته ؟ بدا خْوان ضجِراً ،  وقال ياأبي ، خيرٌ لي أن أدخل الدَير . ابتسمَ اسكندر وقال : أنت فتىً أحمق . لوكريزيا قالت :لماذا تسأل إخوَتي ولا تسألني أنا  ، أوّلاً ؟ إنْ كان أحدهم سيضاجعني ، أفليسَ لي أن أختار؟ لِمَ أردتَ هذا يا أبي ؟ ألستَ قلِقاً من أن أرواحنا ستكون في النار لهذه الفِعلةِ ؟ قال البابا اسكندر :  في دراستكم ، ألم تعرفوا شيئاً عن أُسَر مصر العظيمة ؟ حيث يتزوّج الأخ والأختُ ،  للحفاظ على نقاء الدم ؟ ألم يأتِكم خبرُ إيزيس الشابّة التي تزوّجتْ أخاها الملك أوزيريس . إيزيس وأوزيريس كان لهما ابنٌ اسمه حورس . هكذا كانوا الثالوثَ الذي سبقَ الثالوثَ المسيحيّ ، الأب والإبن والروح القدُس ؟ الفرق هو أن أحد الأقانيم الثلاثة كان امرأة .

ابتسمَ للوكريزيا ثم أضاف : مصر كانت من أكثر الحضارات تقدُّماً في التاريخ . ونحن نقتدي بهم .

 

تورنتو 22.05.2016