أُمُّ الدنيا ! |
ب. ثيرو Paul Therouxالذي رحلَ عن عالمِنا ، منذ عهدٍ قريبٍ ، أكاديميٌّ مرموقٌ ، وروائيٌّ أُخرِجَت رواياتٌ له في السينما ، ومن بينِها سانت جاك ، وساحل البعوض ، وشارع القمر المنتصِف. لكن شهرته الباذخة أتت من رِحلاته ، التي دوّنَها كتُباً في غاية الجمال والفائدة والدُّعابةِ . أزعُمُ أنني قرأتُ مُعْظمَ ما كتبَ ، وما كتبَه ليس بالقليل . وأزعمُ أيضاً أنني انتفعتُ بما كتبَ وتلذّذتُ . من كتُبِ الرحلة التي أعجبتْني ، كتابه الصادر في العام 2003 ، بعنوان " سِفارُ النجم الأسود" ، بَرّاً من القاهرة إلى مدينة الكاب . لقد انحدرَ مع النيل عبرَ السودان والحبشة وكينيا وأوغندا ، ليحطّ الرحالَ في منتهى إفريقيا الجنوبية . وفي رِحلته هذه ، استعملَ وسائطَ نقلٍ عدّةً : القطار . الزورق المنحوت من جذعٍ . حافلة الدجاج. شاحنات الماشية . * أمُّ الدنيا تعبيرٌ من ثيرو نفسه : The mother of the world أورِدُ بعضاً من انطباعاته عن القاهرة : حالة الطقس المنشورة في " برواز " بالصحيفة القاهرية هي ( غبار ) في يومٍ باردٍ من فبراير وصلتُ فيه ، يومٍ ذي ريحٍ رمليّةٍ وسماءٍ مغبَرّةٍ . حالة الطقس في الغدِ ، كانت ( غبار ) أيضاً ، ليس من درجات حرارة، لاشيءَ عن الشمس والغيم والمطر . كلمة واحدة فقط ( غبار ) . كان نوعاً من تقريرٍ جوّيٍّ قد تتوقّعه عن المرِّيخ . بالرغم من هذا كله ، فإن القاهرة ( عديد سكّانها 16 مليون نسمة ) ، مدينةٌ ذات هواءٍ فاسدٍ واختناقٍ مروريٍّ ، لكنّ العيش ممكنٌ فيها ، بل مؤنسٌ ، بفضلِ أهلِها الأصَلاء ، ونهرِها العريضِ المتطامنِ ، بُنِّيّاً تحت سماءٍ بُنّيّةٍ . السائحون ظلوا يزورون مصر ، منذ 2500 عام . وكان هيرودتس ( 480- 420 ق.م ) أولَ زائرٍ منَظَّمٍ . لقد أدهشته جغرافيا مصرَ وأطلالُها ، وكان أيضاً يجمع معلومات عن كتابه " التاريخ " الذي كرّسَ مجلّده الثاني بأكمله عن مصر . بلغَ هيرودتس في رحلته " الشلاّلات الأولى " ، أي هي أسوان . في ما بعدُ ، تدفّقَ الأغارقةُ والرومان على مصر ، ينهبون القبورَ ، ويسرقون ما يقدرون على حمله ، مخلِّفين غرافيتي ما زالت ماثلةً حتى اليوم . حتى الـمُشَيَّداتُ الكبيرةُ سُرِقتْ جزءاً جزءاً ، ولألفَي عامٍ ، كانت هذه ( مثل المسَلاّتِ ) تؤخَذُ لتُنصَبَ في بقاعٍ أخرى ، للفُرْجةِ . ومع أن المسلاّتِ كانت مقدّسةً عند إله الشمس ، فلا أحد يحملُ فكرةً عن معناها . المصريّون يسمّونها Tekhenu والأغارقةُ يسمّونَها Obeliskos لأنها تشبه أسياخَ الكباب . المسلّة المسروقة الأولى نُصِبَتْ في روما في العام العاشر قبل الميلاد. ثم تلَتْها عشرٌ أخرَياتٌ . الراهبُ الألماني فليكس فابري من " أولْم " زار مصر في العام 1480 ، ودوّنَ ملحوظاتٍ عن رحلته. في هذه الملحوظات تخطيطُ لمسلّةٍ في الإسكندرية . هذه المسلّة منتصبةٌ ، اليوم ، في الحديقة المركزية بنيويورك . وبروح النهب والغنيمة إيّاها سرقَ موسوليني مسلّةً أثيوبيّةً من القرن الرابع ، هي مسلّة أكسوم ، التي تنتصبُ الآن أمام " منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة " في روما .
لندن 30.11.2015
|
|||
اخر تحديث الأحد, 21 فبراير/شباط 2016 10:01 |