قَطَر الثقافيّة تحت مجْهَرٍ إنجليزيٍّ |
|
سعدي يوسف أعتبرُ نفسي ، في ما أعتبرُ ، قارئاً مثابراً ، بل مبالِغاً في المثابَرة . ورُبّتَما كان هذا تحت نعمةِ مَقولةٍ ، أو وطأتِها . مَقولةٍ رافقتني كظِلي ، هي : اقرأْ أكثرَ ممّا تكتبُ .
والحقُّ أن امتثالي ، حقّقَ ما كنتُ أرجوه ، إذ جعلني أُحَقِّقُ وأُدقِّقُ ، وأتحرّى وأتقَرّى . أقولُ هذا وأنا ماضٍ في قراءة كتابٍ لجوناثان رابانJonathan Raban يحمل عنوان : جزيرة العرب تحت المجهر ARABIA THROUGH THE LOOKING GLASS وقد صدر الكتابُ في العام 1979. يرصدُ الكاتبُ ( وهو من منطقة إيرلزْ كورْتْEarls Court ( اللندنية الشهيرة ، مجيءَ ساكني منطقته الجدد ، من أهل الخليج ، الذين غيّروا مَعالمَ المنطقة ، وعاداتِها ، بغِناهم الفاحشِ ، وبالنسوةِ اللائي يمشين خلف أزواجِهنّ دائماً ، على مبعدة أربعة أمتارٍ ... إلخ . وكيف أن سكَنةَ المنطقة الأصليّين كانوا ينظرون إلى هؤلاء الأغنياءِ ذوي الدشاديش ، بمزيجٍ من السخرية والحسد . والكتابُ جولة متأنيّةٌ ، في جزيرة العرب ، بدءاً بالبحرَين التي كتبَ عنها ما لا يسرُّ أهلَها ، وكذلك ما لايسرُّ بني جِلدتِه من الإنجليز هناك . ثمّتَ توازنٌ معقولٌ في نظرة الكاتب إلى المشهد المتحوِّل . * وأودُّ أن أنقل إلى القاريء ، طرَفاً من انطباعاته الثقافية عن " قَطَر " . في " دائرة الثقافة والفنون " ، كانت طبعةٌ مجلّدة لأعمال شكسبير الكاملة في أربعة مجلّدات ، على مكتب المدير . رفع المديرُ غلافَ المجلّد الأعلى ، ودفعَ المجلدات نحوي : كان الكتاب يحتوي على سجائر روثمان كنج سايز . قال لي : " هامٌّ أن نوازِنَ بين القديم والجديد " . وبينما كنت آخذ سجارة من وسط الفصل الرابع من " العاصفة " ، فكّرتُ في أن ما يصنعه من توازنٍ كان ظلاًّ على الطرفِ القَصِيّ . قال : " نحن نعمل على جمع أغاني صيّادي السمَك . نعم ، وكذلك نجمع الرقصات والحكايات . الفولكلور . مهمٌّ أن نحافظ على الأمور المنسيّة . لدينا في الدائرة خبراء يتحدثون مع المحتضَرين لكي يجمعوا الفولكلور " . قلتُ : لكنكم أيضاً تشجِّعون الشبابَ من الكتّاب والرسّامين والموسيقيّين . قال : نعم . هذا مهم . قلتُ : كيف ؟ هل تقدِّمون لهم مِنَحاً ؟ قال : لهم مكاتبُ في الدائرة . * في الدائرة التقيتُ بالكاتب المسرحيّ عبد الرحمن المنّاعي في مكتبه . ظلَّ يُقَلِّبُ كومةً من الأوراقِ . كانت تلك الأوراق مسرحيتَه التي كتبَها منذ عامَين ، لكن " اللجنة " ظلّت تطالبه بإجراء تعديلات عليها ، مرةً بعد أخرى . ولهذا لم يجْرِ عرضُها . سألتُه : ما السبب ؟ أهي مسرحيةٌ سياسيّةٌ ؟ قال : لا . إنها حكايةٌ قديمةٌ جداً . فولكلور . تتحدث عن أميرة اشتدَّ بها المرض حتى أشرفتْ على الموت ، وقد حزِنَ لها أبوها الملكُ ، وجاء بأطبّاء المملكة ، فأعياهم أمرُها . قالت لأبيها إن علاجها الوحيد أن يُغَني لها حَمّارٌ أغانيَ . أنت تعرف الحكاية ؟ الأميرة أحبّت الحَمّارَ . لكنّ الملك قتلَ الحمّارَ ، إلاّ أن جمجمته ظلّتْ تغَنِّي . اللجنة اعترضت قائلةً إن الملك هو الأمير ، وإن الأميرة هي الشعب ، وإن الحَمّار هو الفقراء . أظنُّ الرقابة موجودة في كل مكان . ألديكم في إنجلترا ، لجنةٌ للرقابة ؟ قلتٌ : لا . قال: أبإمكانكم أن تكتبوا ضد الملِكة ؟ قلتُ : نعم . قال عبد الرحمن المنّاعي : إذاً ، قد أذهبُ إلى إنجلترا !
لندن 16.01.2016
|
اخر تحديث الأحد, 24 يناير/كانون ثان 2016 20:03 |