نونو جوديس : ثلاث قصائد طباعة

Nuno Judice

Image

ترجمة : سعدي يوسف

مدنٌ في مَهَبِّ الريح

NAS CIDADES EM QUE O VENTO SOPRA

النسوةُ يستنِدْنَ إلى بابٍ ستمرُّ الريحُ الغربيّةُ  عبرَها
شَعرُهُنّ رطبٌ من ريح الشمال ،
لكنهنّ يعرفنَ أن الريح الغربيّةَ ستُجَفِّفُه ،
النسوةُ يُدَخِّنَّ بمَباسِمِ ذهبٍ أو لدائنَ :
الدخانُ ينطلقُ من شفاههِنّ الصبيغةِ
ريحُ الشمالِ تدفعُ الدخانَ الأحمرَ جنوباً
حيثُ أحمرُ الشفاهِ يلطِّخُ غيوماً تنتظرُ ، هي أيضاً ، الريحَ الغربيّةَ.

النسوةُ يستندْنَ إلى نوافذِ المخزنِ في الغربِ. وفي الناحيةِ الأخرى من النوافذِ
يشيرُ الخدمُ إلى صواني قهوةٍ  ومعجّناتِ رزٍّ،
والنسوةُ يصبغْنَ شفاهَهُنَّ قبل أن يدخلنَ المقهى ليجلسْنَ إلى مباهجِ الغربِ
واضعاتٍ الساقَ على الساقِ
كي يرى رجالُ الشمالِ ركَبَهُنَّ والبياضَ الأنصعَ للسيقانِ،
قبلَ أن يُخفيها ظِلُّ الغربِ عن عيونهم .
في ذلك المقهى ، انتظرتُ الريحَ الغربيةَ. جلستُ إلى الطاولةِ مع قهوةٍ ومعجّناتِ رزّ
متطلِّعاً إلى أفخاذِ النساءِ اللواتي يضعنَ الساقَ على الساقِ
منتظراتٍ ظلّ َالريحِ الغربيةِ ليحميهِنّ من تحديقِ الرجال ؛
شربْتُ الماءَ المتحدِّر َمن شَعرِهِنّ الرطبِ بالريحِ الشماليّةِ 
وأحسسْتُ ببردِ الشمالِ يتحدّرُ في حلقي. سمعتُ ضحكةَ النساءِ.
جمعتُ الكلماتِ المسّاقطة على الطاولاتِ التي غادرْنَها. غسلتُ أحمرَ الشفاهِ عن الكلماتِ
حتى لا تجدَ ريحُ الشمالِ ، الكلماتِ ملطّخةً ، مثل غيومِ الجنوبِ. رأيتُ أولئك النسوةَ
يغادرْنَ المقهى ، عصراً ، ويختفِينَ خلفَ نوافذِ المخزنِ ، حيثُ لم تَصل الريحُ الغربيّةُ ، بَعدُ. لقد
تُرِكْتُ مع دموعهِنّ. تُرِكْتُ مع شَعرهِنّ الرطبِ في يدَيّ، فنثرتُهُ وسطَ الساحةِ العامّةِ ، منتظِراً
الريحَ الشماليّةَ لتُنَشِّفَه . هذا الشَّعرُ تطايَر  إلى قممِ الأشجارِ حيث طيورُ الجنوبِ لا تزالُ
تغرِّدُ . الشَعرُ يصفعُ وجهي .أعبرُ الساحةَ خاليةً من النساءِ ، وأرى شَعرَهُنَّ يهوي مع العصرِ،
كأنّ الريحَ الغربيّةَ ، بلغتْ ، الآنَ ، هذه المدينةَ ،حيث يجلسُ الرجالُ حولَ الطاولاتِ
الشماليّةِ ، يحتسون القهوةَ ، بدونِ سيقانِ نساءٍ ينظرون إليها، بينما هم يُمْضونَ الوقتَ ،
منتظِرينَ الريحَ الغربيّةَ .   

   النظريّة والتطبيق
TEORIA E PRATICA

كان يتفكّرُ في الحُبّ ،
لكنْ هل الحبُّ للتفَكُّرِ ؟ هل تتصالحُ العاطفةُ والعقلُ ؟
نعم : لقد خلَقَ مسافةً ، بينه ، هو ، الكائنِ الحقيقيّ ، ذي الجسدِ الذي يُمْلي قوانينَه
وبين تلك الكينونةِ المجرّدة حيثُ تتشكّلُ الأفكارُ 
وحيثُ بمقدورهِ أن يرسُمَ صورةً ذهنيّةً للتصنيفاتِ غيرِالشخصيّةِ التي دخَلَها :
الحبّ نفسِهِ.
المشكلة أن ّالروحَ ، أو النفسَ ، اللتَينِ صاغَتا تلكَ المفاهيمَ الجميلةَ
لا تستطيعانِ البقاءَ بدونِ الجسدِ ،
وبمجرّدِ ذِكْرِ الحُبِّ، يتشكّلُ جسدٌ آخَرُ داخل الفكرةِ  
جسدٌ له وجهٌ ، وشفتان ، وشَعرٌ ، وبَشَرةٌ ، وصوتٌ...
جسدٌ رقيقُ التثَنّي، قادرٌ على إزاحةِ كلِ مباديء العِلْمِ.
الحقّ ، كيف لك أن ترسُمَ خطوطَ نظريّةٍ ، بينما يداكَ تدخلانِ  الجُمَلَ،
وتُفسِدانِ التناسُقَ بين المَقاطعِ والصفحاتِ ،
وتُلَوِّثانِ يَباسَ الأسماءِ بإنسانيّةِ الغمغمةِ؟
إذاً  ، لا تُفَكِّرْ بالحُبّ ،
تَوَقَّفْ عن الكتابةِ :
وضُمَّ إليكَ الجسَدَ الذي أقلَقَكَ ،
مثل الـمُثُلِ الأكثر ملموسيّةً
أو المفارَقاتِ الأبهى جَمالاً.

مطرٌ ، أسلاكٌ ، قصائدُ مثل غسيلٍ على حبْلٍ

CHUVA , CORDAS ,VERSOS COMO ROUPA A SECAR
إنها تُمطِرُ الآنَ ، صباحٌ شتويٌّ غيرُ متوقَّعٍ ربيعاً ،
خيوطُ المطرِ ، مثل أوتارِ العودِ ، تُدندنُ مرثيّةً ،
أنا أجمعُ القصائدَ من حبْلِ الغسيلِ
كي لا تبْتَلَّ.
ثمّ أنشرُها على الصفحةِ ، وأُتابِعُ قطراتِ خيطِ الماءِ
وهي تسيلُ كالدموعِ إلى قاعِ الوجودِ.
أيامُ الربيعِ الماطرةُ :
جيّدةٌ  في رُواءِ الشِّعر ،
ومُفْعَمةٌ بموسيقى قديمةٍ لا يريدُها أحدٌ،
تُعِيدُ وتُرَدِّدُ قصائدَ عتيقةً رتيبةً
من زمنٍ آخر .