" طِشّـاري " لإنعام كججي طباعة
Image
أفدح شتاتٍ عربي  ...
سـعدي يوسـف
في متابعةٍ لصلاح فضل تتّصل برواية إنعام كججي " طشّاري " ( دار الجديد – صيف 2013 ) يرِدُ قولُه :
أفدحُ شتاتٍ عربيّ جاء بعد الفلسطينيّ وغطّى عليه .
وكان يعني  تهجير شعب العراق المسيحيّ ، بسبب التعصّب الديني لسلطة الاحتلال القائمة :
 
"هربوها من البلد بعد رسائل التهديد التى كانت تلقى فى بيتهم من فوق السياج وتقول: السلام على من اتبع الهدى، أما بعد فعندكم عشرة أيام لتنفيذ هذه الفتوى وإعطائنا بنتكم زوجاً حلالاً لأمير جماعتنا أو أن نذبحكم كلكم ونأخذ بيتكم يا كفار وإلى جهنم وبئس المصير". عثر الخادم على الورقة وسلمها إلى وردية وهو يفتعل الضحك للتغطية على قلقه واضطرابه، قرأتها وانعقد جبينها، وطلبت منه ألا يخبر ياسمين بالأمر، أخذت الورقة وذهبت إلى جارهم الشيخ داوود، فاكفهر وجهه، وشتم الزعاطيط وأدعياء الدين المتعصبين الذين يروعون كرام الناس ثم قال لها: "دكتورة، لا تخافى، نحميكم بعيوننا"، أما الخادم فقد ذهب إلى الشرطة وحرر محضراً بالواقعة مع أنهم مرتشون" .
أو بسبب محاولات الشوفينيّين الأكراد ، تكريدَ مسيحيّي سهل نينوى ، وقرى المسيحيّين .
*
والحقُّ أن المأساة المستمرّة ، لمسيحيّي العراق ( وهم سكان العراق الأصليّون قبل مجيئنا نحن بدو الجزيرة ) تجري أمام
أنظار الجميع ، في صمتٍ يشبه صمت المتآمرين في الظلام .
لا صوت يرتفع .
حتى بابا روما ، بنديكتوس ، محطّ سخرية  " ورديّة " ... روزا ، خذل أهله ، ولم يأتِ إلى العراق .
مدّ لها البابا كفّاً نحيلةً كأنها من الخزف الأبيض . دُمية من تلك الدمى الصغيرة التي ترتدي الدانتيل وتقف على عُلب الحلوى القديمة ...
تمعّنتْ في كفّه وخمّنتْ أن جلده لم ير الشمس ولم يغتسل إلا بالكريما . خافت عليه من ترقُّق العظام ، وتمنّت لو كان دفتر الوصفات الطبية معها لتكتب له علبتَين من فيتامين دي . ( ص 15-16 ).
*
فنّيّاً ، تعتمد إنعام كججي ، طريقة الاستعادة ، وتناوب الزمن ،  متّخذة من الشخصية الرائسة ، ورديّة ، أداةً مطواعاً
في عملية التناوب ، وسيرورة الأحداث والأشخاص . وهي تستمرّ مع وردّة حتى نهاية الرواية عبر ابنتها هندة ( طبيبة هي الأخرى ) تعمل في مانيتوبا ، كنَدا .
*
في الرواية فكرةٌ عجيبة :
المقبرة الإفتراضيّة ... ( الإلكترونية ) .
هؤلاء  ، مسيحيّي العراق ، أمرتْهم سلطات بغداد بنقل رفات موتاهم ، من المقبرة الأصلِ ، إلى خان بني سعد .
حتّى موتاهم يُهَجَّرون .
الآن ، الفتى اسكندر ، في باريس ، يفتحُ أبواب مقبرته الإلكترونية ، لمسيحيّي العراق :
سيمدِّدُنا  إسكندر واحداً فوق صدر الآخر ، ويهيل علينا التراب يرفشه الإلكتروني . ص 194 
*
في ما أرى ، أن المؤلفة ، أضاعت فرصةً لن تتكرّر :
لو انها استخدمت فكرة المقبرة الإلكترونية ، خطّةً للرواية !
بمعنى  أن تجعل الشخصيات ( وهي كثيرة ) ذات علاقة بإسكندر ومقبرته  ...
صحيحٌ أن وردية ، استطاعت أن تلمّ الشتات  ( وهو عملٌ ليس يسيراً ) ، لكن إسكندر كان سيجعل  من " طِشّاري "
روايةً  فريدةً  لن تماثلَها أخرى !
*
الشتات المسيحيّ شرعَ ينطق .
" يا مريم "  لسنان أنطون .
والآن ... طِشّاري !

لندن  4/2/2014
اخر تحديث الأربعاء, 05 فبراير/شباط 2014 10:48