بيكاسو : الفنان . الموديل . ماتيس طباعة

Image

سعدي يوسف
  ، في نيويورك …2007 صيف
كنت مع أندريا في رقم  1 واشنطِن سكْوَير  ...
الشقّة تقع مقابل مكتبة جامعة نيويورك
N Y U
سنان أنطون ، ذو الكرَم الذي لا يعرف حدوداً ، ترك لنا شقّته ، ومضى . قال : الشقّة لكما !
مَن يعرفون نيويورك ، سوف يغبطوننا لأننا  في  1 واشنطن سكوير ...
نحن أوّلاً في مدخل القرية ( ليس من قرية في الواقع ! )  ، حيث الغاليريات ومَواطنُ الجاز .

ثم أننا لا نبعد إلاّ اليسير عن واشنطن سكوير ، ومن هناك نسير قليلاً لنبْلغ اليونيون سكوير حيث منطلَق التظاهرات عادةً  ، وحيث تبدأ شوارع التفّاحة الكبيرة التي لا يضِلُّ فيها أحدٌ !
هيثم عبد الجبار عبدالله ، الذي عرفتُه في بغداد ، ثم في قبرص ، التقيتُه في بارٍ صغيرٍ ، غير بعيدٍ
عن الشقّة  .
يسَّرَ لنا  ( وهو الرسّام ) جولةً حقيقية في متحف المتروبوليتان ، فهو يعمل هناك .
لم يكتفِ بالأمر ...
وعدَنا بأنه سوف يُيَسِّرُ لنا جولةً حقيقيةً أخرى في متحف الفن الحديث  :
MOMA
وهكذا كان !

Image
*
لم أجد في حياتي ، ثراءً في المعروض ، كما وجدت في متحف الفن الحديث بنيويورك .
في إحدى القاعات كاد يُغْمى عليّ من مفاجآت اللوحات المعروضة .
يا إلهي !
أكُلُّ هذا الفنّ أمامي ؟
أعمالٌ فنّيةٌ كثيرةٌ جداً تبرَّعَ  بها ، للمتحف ، مَن اشترَوها  ... وهم أغنياء أميركيون.
وفكّرتُ بالأغنياء العراقيّين :
 هم الأشدُّ جهلاً وبُخْلاً ، بين أغنياء العالَم .
أسمعتم بغنيّ عراقيّ خلّفَ وراءه أثراً للناس : مَعْلَماً فنّيّاً ، تحفةً معماريةً ، قاعةً للفنون ، جائزةً في أحد فروع المعرفة والإبداع   ...
إلخ ... ؟
أسمعتُم بغنيّ عراقيّ يحبّ الموسيقى السمفونيّة ؟
كلُّهم من الرئيس إلى تاجر الشورجة يحبّون الكاوليّة ، والربابة ...
والسبب في رأيي أن الأغنياء العراقييّن هم طفيليّون ، يمارسون الاستيراد والتصدير ، واحتيال المقاولات ، والعلائق الكومبرادورية ، وليسوا بُناةَ اقتصادٍ وطني : الصناعة ، تطوير الزراعة ...
المواصلات ، إزالة الملوحة   ...
على أيّ حالٍ ، ما شأني والعراق الآن ؟
*

Image

أمسكتُ بيد أندريا :
أندريا ، كيف تقرأين عمل بيكاسو هذا ؟
كنا أمام اللوحة الأصلية ( طبعاً ) : الفنان والموديل .
قالت لي : كيف قرأتَ أنتَ اللوحةَ ؟
*
سنواتٌ عدّةٌ مضتْ .
تبدّلَ الحالُ والمـآلُ .
وفجأةً ...
قبل ثلاثة أيامٍ ، من شهر أكتوبر هذا ، في العام الثالث عشر بعد الألفَين ،  عادت اللوحة تؤرِّقُني:
*
في اللوحة رسّامٌ يعمل على حامل لوحته .
الموديل مستلقية باسترخاء ، على الأريكة ، كاشفةً عن كل مَفاتنِها .
في عُمْقِ الغرفة تمثالٌ نصفيّ لرجُل.
اللوحة التي يشتغل عليها الرسّام زرقاء .
*
تأتيني  أسئلةٌ بدتْ غريبةً للوهلة الأولى :
هل للرسّام شبَهٌ بماتيس ؟
هل التمثال النصفيّ هو لرأس ماتيس؟
والشكل الأزرق الذي لم يكتمل ، بَعْدُ ، في لوحة الحامل  ... ألا يُذَكِّرُ بالمرأة الزرقاء العارية
في سلسلة مقصوصات ماتيس ؟
Nude en bleu ?
*
العلاقة بين بيكاسو  وماتيس ، كانت علاقةً بين جبّارَين ، يُقِرُّ كلاهما بأهمية الآخر.
مثل ما عبّر الجواهري العظيم : وقال كلاهُما إنّا كِلانا ...
كانت تربط بينهما صداقةٌ عميقةٌ .
لكنّ جدَلاً خفيّاً كان تحت السطح أبداً .
هذا الجدل الخفيّ قد يجدُ طريقه في زلّةِ لسانٍ .
كما قد يجد طريقه في العمل الفنّيّ ذاته .
*
من كان يتعلّم من الآخر ؟
*
في زعمي ، بعد تأمُّلٍ مديدٍ للوحة بيكاسو ( الفنان والموديل ) ، أن العمل يلتقط ماتيس !

لندن 25/10/2013