المثقفُ التابعُ مُراوِغاً طباعة

ســعدي يوســف

 ســلَفَ القولُ إن المثقف التابع  يتكيّف  ، في سرعةٍ  لا يُحسَدُ عليها  ،  محاوِلاً أن  ينتفع ( ماديّاً ، لا ثقافياً )  من مُقامِه ( الأوربي مثلاً ) .  هو يحمِلُ  ، في ما يشبه العدوى ،  مرضَه الأوّلَ ، إلى الأرض الأخرى .
  في تلك المدن وضواحيها ، حيث الناسُ أحرارٌ ،  ممتازو التكوين ،  متمتعون بمستوىً ماديّ  لائق ،  ومستقرّون على أسسٍ حضارة عظمى ، هي الحضارة الإغريقيةُ / الرومانية ،  أقول في تلك المدن والضواحي يحِلُّ المثقفُ التابعُ ، مجهَّزاً بمرضه الـمُعْدي ، معتمداً وسائلَ يجهلُها الناسُ  من أهل البلد :

·        تزوير الوثائق - ( شخصٌ لم ينل الشهادة الإبتدائية يقدم شهادة جامعية عليا مزوّرة  ) .
·        تزوير الإنتماء القومي - ( شخصٌ عربيّ يدّعي أنه كرديّ أو آشوريّ ... إلخ  )
·        تزوير التاريخ الشخصيّ - ( شخصٌ كان يمارس التعذيبَ ، يقدم قراراً  يقضي بإعدامه من محكمةٍ للثورة أو سواها ) .
·        تزوير التاريخ الثقافيّ - ( بَزّاخٌ في فرقةٍ  منحطّــةٍ للرقص والغناء  ، يقدم نفسَه باعتباره شاعراً مرموقاً  ) .
·        تزوير التاريخ السياسيّ - ( أشخاصٌ في حماية عديّ صدّام حسين نالوا بالتزوير  جوائز عن حرية الفكر ! ) .
 لا أريد  ، بل لستُ مستطيعاً ،  أن أعدد موبقاتِ  المثقف التابعِ  كلَّها ،  غير أني أستطيع  القولَ صراحةً إن المثقف التابع استطاعَ أن يحتلّ ساحةَ المهْجرِ ،
وأن يكون هو الممثل المزوَّر لثقافةِ بلدٍ أسهَمُ هو  ( أي التابع ) في خرابها ودمارِها .
بلدٌ مثل الدانيمارك ، كانت له قوّةٌ عسكريةٌ  تقتل أبناء الشعب العراقي ّ .
المثقفون التابعون هناك ، وهم حثالةٌ  حقيقيةٌ ،  صاروا تراجمةً للقوات التي تحتلّ بلدهم  !
وبين هؤلاء من يتباهى بأنه يمثِّلُ الدانيمارك في الأنشطة الثقافية الدولية !
شخصٌ ، كان بالفعل ، وبالمسدّس الضخم المتدلّي من حزامه ،  من أفراد الحماية  لعديّ صدّام حسين . وفي عمّان  كان يدير بؤرة المخابرات العراقية المسماة كاليري الفينيق ...
هذا الشخص نفسه صار يدير " منتدىً للحوار العربي – الأوربي  "  ، وينظم مع السلطات السويسريبة لقاءاتٍ  " ثقافية " .
بعثيّون قتَلةٌ فاسدون ، صاروا في هولندا ( مثلاً ) يديرون ما يسمّونه بيتاً عراقياً !
في أستراليا ، يتولّى المثقفون التابعون تسويقَ حكم العملاء ، وتسويغَه ، وينظِّمون اللقاءات والتجمعات  لهذا الغرض .
في الولايات المتحدة الأميركية  يجري الأمرُ نفسه .
في السويد ذات التاريخ العريق في الدفاع عن الحرية ، يؤطِّرُ المثقفون التابعون ، الجاليةَ العراقيةَ  ، في جمعياتٍ تأتمرُ بأوامر حكومة الاحتلال .
وفي بلجيكا يحاول المثقفون التابعون إيصالَ الصورةِ التي لديهم فقط إلى الشعب البلجيكيّ  .
حين توفّيتْ نازك الملائكة  ،  فهمتُ من لميعة عباس عمارة  أنها ستشارك في مناسبة عن نازك  دعتْ إليها سفارة النظام ، واستفسرتْ مني إنْ كنتُ أودّ المشاركة . قلتُ : لكنهم قتلةٌ يا لميعة !
قالت لي بطريقتها : عيني سعدي ...  الكلّ قتَلة !
في برلين ، استولى المثقفون التابعون على نادي الرافدَين العراقيّ ،  وتولّى حملةَ  الاستيلاءِ أشخاصٌ تابعون حقاً من أمثال كاظم حبيب وسواه .
في لندن يتولّى نبيل ياسين مهمّة تجييش  " المثقفين "  وإرسالهم إلى بغداد لتأييد الطغمة العميلة .
المثقف التابع بدأ مراوِغا ... يتفادى الضربة .
أمّا الآن فقد أمسى القوّةَ الضاربةَ  ، المستخدَمة من جانب الاحتلال ووكلائه المحليين .

لندن  17.01.2008