ســعدي يوســف تَنتجُ عن نظام المثقف التابع ، في مجرى العمل ، ظواهرُ عدّةٌ ، من بينها ظاهرة تابِعي التابعِ . عليّ ، بدءاً ، القول إن مصطلح تابعي التابعين قديمٌ جداً في موروثنا الثقافي ، بل يعود إلى القرن الأول الهجريّ ، مع تدوين الحديث النبويّ ، إذ كان الحديث الصحيح يؤخَذُ عن الصحابة ، ثم عن التابعين أي عن تابعي الصحابة ، لكنّ هؤلاء التابعين كانوا يقلّون مع الزمن ، ويُقتَلون مجاهدين في الحروب ، لذلك أُجيزَ أخذُ الحديث عن تابعي التابعين ، أي عمّن سمعوا الحديث من التابعين .
المقصودُ بتابعي التابع في نظام المثقف التابع ، هم الأشخاصُ الذين يعملون لدى مثقفٍ تابعٍ ، يأتمرون بأمره ، ويتلقّون معاشَهم منه ، ويدينون له بالولاء الدائم أو المؤقت ، حسب كل حالة . كيف صار التابعُ متبوعاً أي ذا أتباعٍ ؟ في الغالب ، يكون هذا الشخص موهوباً في النصْبِ والاحتيال ، سارقاً ، شديد التلوّن والتقلّب ، لا تهمّه الجهة التي تموِّلُه ما دامت تقدم له المالَ أو المنصبَ أو الحماية ، أو هذه الأمورَ مجتمعةً . ربما كان هذا التابعُ الأولُ شخصاً يتمتع بتاريخٍ مرموقٍ أو معقولٍ في السياسة والثقافةِ ، يوماً ما ، لكن تاريخه لم يَعُدْ غير ذكرى بعيدةٍ ، أو أنه صار يُستخدَمُ وسيلةً مضافةً للنصْب والاحتيال وتحقيق المكاسب المادية والوظيفية والاجتماعية ، في مجتمعٍ تخلخلتْ قِيَمُه تحت وطأة هزّاتٍ كبرى . الإدارةُ الاستعماريةُ ، أو الوكيلةُ ، تَعهَد إلى التابع الأول بمسؤولياتٍ معيّنةٍ ، في الوظيف العامّ ، أو في أنشطة الإتّصال والإعلام ، أو الأمر الأمنيّ . آنذاك يتعَيّنُ على التابع الأول تشكيل مجموعة العمل الأولى من عناصرَ يختارهم هو ، فتتشكّل ، بتشكيلهم ، الكوكبةُ الأولى من تابعي التابع . قد كنتُ أشرتُ في مادةٍ سابقةٍ إلى أهميةِ التماهي ( مع المستعمِر أو الوكيل ) لدى المثقف التابع . هذا التماهي سوف يبرز ، بصورة حادّةٍ ، حين يكون للتابع تابعون . التابعون هم ، سيكونون الأداةَ المستخدَمةَ لتطبيق التماهي . هذا التابعُ الأولُ ، كما أسمَيناه ، سوف يُطَبِّقُ عُقَدَه على تابعيه المنكودين ، المنكوبين : الخادمُ ( للمستعمِر والوكيل ) يريد أن يظهر بمظهر السيّد . إنه يتعالى على تابعيه ، ويشمخ بأنفه إزاءهم . يعاملهم معاملةً سيئةً ، ويسرق من أجورهم ، ويبذر الفتنة بينهم ، ويجعل واحدَهم يتجسس على الآخر . يطلب منهم أن يؤدوا مختلف مظاهر التعظيم والإجلال له ، من التحية الذليلة إلى المديح المنافق . يتقصّدهم فرداً فرداً ، في محاولةِ إلغاء فرديةِ المرء ، وكرامته . وبالإمكان القول إن العمل لدى المستخدِم الأصيل ، صار أفضل بكثيرٍ من العمل لدى المستخدِم الوكيل ، أي هذا التابع الأول ، التابع ذي التابعين . * ماذا ستكون مواقف تابعي التابع ، مع الزمن ؟ من متابعةٍ ملموسةٍ للظاهرة ، يمكنُ القولُ إن تابعي التابع لا يصبرون طويلاً على ما هم فيه . إنهم يتململون شيئاً فشيئاً ، ويشرعون في الجهر بآرائهم المقتصرة ، عادةً ، وتحوّطاً ، على ظروف العمل . ثم يكون التسللُ من الدائرة إلى دائرة عملٍ أخرى . إلا أنهم سيظلون يحملون إلى الدوائر الأخرى سلوكياتٍ رديئةً ، في مثل العدوى . والقليل منهم ، يفلح في أن يستنقذ نفسه من الخراب . لكنّ عدداً من التابعين يظل مع التابع الأول ، بعد أن أصابهم الخرابُ إصابةً لا خلاص منها . * ظاهرة تابعي التابعين ستظل قائمةً ، بل أنها لتتسعُ وتزداد خطراً ، مع انكفاء الـمُثُلِ ، وخفوتِ ألقِ الحرية . غير أن الوعي الوطني ، وانبعاث الذات العظمى ، كفيلانِ بتحرير تابعي التابعين ، تحريراً نهائياً . لندن 09.01.2008
|